• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : الصحابة والنص .

الصحابة والنص

تغريدات لفضيلة الشيخ حسن بن فرحان المالكي

 

شهر مايو 2012

جمعها "محمد كيال العكاوي"


يظن أكثرهم أن الصحابة كلهم وقافين عند النصوص؛ وأنهم إذا وجدوا نصا لا يتجاوزونه؛ وأنه لا تعتريهم الموانع الصارفة عنه، وهذا وهم كبير؛ فالصحابة أو بعضهم أو كثير منهم قد يخالفون النص؛ أو يتأولونه تأويلا باردا؛ أو يتجنبون تطبيقه لعلة من العلل.. وقد سجل القرآن الكريم فضلا عن أحاديث الصحيحين مواطن كثيرة خالف فيها الصحابة النص؛ إما لطمع أو خوف أو هوى أو جهل أو تأويل، فمثلا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ )[التوبه 38]

فهدا تسجيل قرآني صريح، بأن الذين آمنوا ( الصحابة) خالفوا النص الآمر لهم بالنفور فتثاقلوا؛ فلا يقولن أحد أنه يستحيل أن يخالف الصحابة النص!.. هذا وهم.

وذكرعنهم الفرار يوم حنين ( ثم وليتم مدبرين) وهو مخالف للنص النازل يوم بدر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الانفال 45]!

وذكر الله أن الصحابة - أو قسما منهم - كانوا مستعدين للردة لو دخل الكفار المدينة يوم الخندق؛ ولخالفوا العهد الذي أخذه عليهم، فقال (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ( 14)وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)) [الأحزاب]

 وهناك عشرات بل مئات الآيات التي تسجل مواقف متباينة للصحابة مع النص تنفيذا وتركا وتأويلا وتقصيرا ومخالفة.. الخ،  فمن أين أتى هؤلاء بفكرة أن الصحابة لا يمكن أن يخالفوا النص لأي سبب من الأسباب؟

وقد نهى الله الصحابة عن محبة وموالاة كفار قريش وحلفائهم من اليهود والمنافقين.. الخ في مواطن كثيرة جدا، ثم نجد القرآن يسجل على الصحابة مخالفة تلك النصوص القرآنية في مجانبة الأعداء مثل قوله تعالى (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)!

ثم في أواخر العهد النبوي عاتب الله الصحابة بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)!

ثم قال في الآية نفسها ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ )؟! هذا هو الله الذي لا يخاف من مذهب ولا شيخ!

ويذكر عن أهل بدر - فضلا عن غيرهم - أن كان من المحتمل أن يتمردوا النبي علانية لو أنهم علموا بكثرة المشركين فقال تعالى (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[الأنفال 43] مخيف جدا!

بالطبع لا تلزم هذه النصوص كل الصحابة إلا عند الفريق السلفي الذي يعمم آيات الثناء فيحصل التناقض هنا.. آيات تمدح وأخرى تذم.

والمقصود هنا أن الفكرة الساذجة التي تشيع بأن الصحابة لا يمكن أن يخالفوا النص فكرة ساذجة جاهلة لا تعتمد على القرآن والسنة، إنما هي فكرة مذهبية نشأت مع الخصومة مع الشيعة؛ ولأن الخصومة تنتصر للذات والمذهب لا للنص فقد تم تجاهل النص القرآني تماما.

عقيدتي أنه لا يجوز للصحابة مخالفة النص لكنهم قد يخالفون، وليس شرطا أن نجد لهم عذرا، قد نجد وقد لا نجد لكن يبقى الحق في النص.

هذه الفكرة لو كانت هي الشائعة لما كان هناك نزاع بين المسلمين؛ ولما اتهم بعضهم بعضا بالباطل في هذا الموضوع .

والأمثلة في الحديث أيضا كثيرة جدا، ولولا أن يساء فهمي لفصلت فيها تفصيلا بمصادرها؛ ولكن اكتفي بالسرد، وعلى الباحث أن يبحث:

قول النبي (ص) : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف؟! ألم يخص تقاتل بين الصحابة في عهد ابي بكر وعثمان وعلي؟!

ستقولون المخطئ واحد نقول نعم لكن الوصية عامة، ومن خالفها وتسبب في القتل لا يكون مجتهدا مأجورا بل آثم على الأقل

وعندما طلبهم أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده فامتنعوا وقالوا: رسول الله يهذي؟! ألم يخالفوا النص والأمر المباشر؟!

وعندما أمرهم بإنفاذ حيش أسامة وألا ينتظروا المساء بقوله (اغدوا صباحا) ألم يبقوا بعد هذا الأمر سبعة عشر يوما حتى توفي ص؟

وعندما حذر النص من الحكم على أحد بجنة أو نار إلا بنص؛ ألم يتم إجبار مانعي الزكاة على الشهادة على أن قتلى الخلافة في الجنة؟!

ألم يتم مخالفة النص بالتوسع في العقوبات حتى وصل الأمر لجلد من يتسمى بأسماء الأنبياء؟! ومن اشترى اللحم في يومين؟!

ألم يكن حج التمتع أحد النسك الثلاثة فنهى عنه عمر واستقام له الصحابة مع قوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج -الاية)؟!

أتمنعوننا عن تلاوة القرآن والإقرار بأحكامه لخطأ أخطأه فلان أو فلان؟! فما معنى ذم من يتخذ العلماء أربابا؟!

وهذه المطاوعة لترك النص واتباع الصحابة قد نقدها أحد الصحابة؛ ففي مسند أحمد بن حنبل (1/ 337) بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تمتع النبي فقال عروة بن الزبير: نهى عنها أبو بكر وعمر؟! فقال ابن عباس: أقول قال النبي ويقول نهى ابو بكر وعمر! والمتعة في الحديث يعني متعة الحج (نسك التمتع) وليس زواج المتعة، فهذا الأخير فيه خلاف هل نسخ أن نهى عنه عمر.

والصحابة بشكل عام لم يكونوا متشبثين بالنصوص؛ فقد يتركون النص لنهي فرد قوي كعمر، فكيف إن كان معه غيره ففي مسند الإمام أحمد ( حديث رقم 14519) بسند صحيح عن جابر (متعتان كانتا على عهد رسول الله فنهانا عمر عنهما فانتهينا) هكذا ببساطة!

إذن فلا يرفعن أحد عقيرته قائلا: كيف رضي الصحابة بكذا وكذه؟ وهل يعقل أن يتركوا وصية رسول الله؟! وهل وهل.. الخ

هذا تهويل.. ألم ينه عمر عن التيمم للجنب في حالة عدم وجود الماء؟! مع النص ( .... أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا

نعم للصحابة مكانتهم وفضلهم - اعني المهاجرين والأنصار لا ظلمة الطلقاء وأشباههم - لكن النص فوق الصحابي وليسوا حسب ظنكم، فالله يحب العدل، ليس الصحابة بالصورة التي يصورها غلاة الشيعة ولا بالصورة التي يصورها غلاة السلفية، هم وسط بين الصورتين، بل فيهم أفضل الناس وأسوأ الناس، لأن من ينافق وهو بجوار النبي فلا شك أنه قد بلغ به البغي وظلم النفس مبلغا عظيما.

أول تجديد هو تصحيح الصورة الذهنية عن الصحابة أو عن مجتمع الصحابة؛ وأول خطوة في هذا التصحيح أن نؤمن بالكتاب كله؛ في الفرز على مستوى الفئات والأفراد والأحوال والقيود بمعنى أن المهاجرين والأنصار من حيث الفئة فوق فئات أخرى كالطلقاء، وعلى مستوى الأفراد، فالفرد من الصحابة، قد يمر بأحوال من الإيمان والنفاق الإسلام والكفر الشك واليقين.. كأي بشر آخر.

هذه النظرة الملائكية للصحابة عند أهل السنة خلاف القرآن الفار،ز وهذه النظرة الشيطانية للصحابة عند الشيعة خلاف القرآن الفارز.

بالطبع كلامي السابق ليس دقيقا تماما، فليس كل السنة يرون هذا ولا كل الشيعة يرون ذاك، لكن كلامي حسب غلاة الفريقين تقريبا.

من أكثر المفتريات على الله شيوعا بين أهل السنة أن الله (اختار الصحابة)، فهذه فرية على الله؛ فهو لا يختار إلا الأنبياء فقط، وهذه النظرية (اختيار الصحابة لصحبة نبيه) من آثار عقيدة الجبر الأموية التي تسللت داخل التراث السني والقرآن يرفضها.

كما أن هناك فرية أخرى شائعة عندنا وهي: أن الصحابة نتيجة تربية النبي؟!

إذن فريتان كبيرتان على الله ورسوله على التوالي، وقد لجأ الأمويون لشرعنة أعمال الصحابة (وخاصة الخلفاء الثلاثة) حتى يختاروا من أخطائهم ما شاءوا ويزيدون عليه أضعافا، ولن نستطيع التجديد في أي شئ مادام أننا بهذا التصور الخاطئ عن مجتمع الصحابة ذي الاطياف المتعددة والأحوال المتغيرة.

ومما يجعلني أهمل كثيرا من الردود المعارضة أنها متشنجة جاهلة لا تعالج المعلومة .. مثلا الذي يحلف أن عمر ما نهى عن متعة الحج!.. نعم يحلف! يقول (لا والله ما نهى عنها)! ويختار صفحة فيها حديث ضعيف وفيها أنه نهى عنها! ويهمل حديث الصحيحين من حديث عمران بن حصين الذي قال (أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل فيها قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات ؛ قال رجل برأيه ما شاء)، هذا الحديث في الصحيحين، ونقلته مختصرا من جامع الاصول حديث 1402 وفق المكتبة الشاملة الاصدار الثاني، وهذا محل إجماع!

ومما يزهدني في هؤلاء المعارضين أنهم يكذبون للأسف ببرود شديد!

فمثلا الاخ نفسه يقول أن عليا نهى عن متعة الحج أيضا مع أن هذا كذب محض، وفي الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب (كان عثمان ينهى عن المتعة فقال علي: ما تريد إلى أمر قد فعله النبي تنهى الناس عنه؟!) فلماذا يكذبون؟

إذن فتجنبي للرد على هؤلاء مقصود لأنهم مطبوع على قلوبهم تقريب، يحرفون ويكذبون ولا يعترفون بحقيقة واحدة، حتى الآيات لا يعترفون بها عمليا، لذلك سأسود المعلومات ولن أتوقف عند المماحكات فهي تفسد البحث العلمي، فنحن نريد معلومة صحيحة وهم يريدون مذهبا متبوعا فالطريقان لا يلتقيان.

ليست حججنا أبلغ من حجج الأنبياء، وقد كذبهم أكثر أقوامهم ولم يتبعهم إلا قليل، حتى الآيات الحسية لا تنفع في إيمان من طبع الله على قلبه، وها أنتم رأيتم عبثهم حتى في المناظرات، كل يوم يقترحون أحدهم ثم ينسحب فيطلبون آخرفينسحب! حتى صارت مهزلة!!

أكتب للأقلية الباحثة عن الحقيقة.


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=628
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28