• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : حديث أبوال الإبل .

حديث أبوال الإبل


حديث أبوال الإبل: لا يجوز تكفير أحد لأنه رد حديثاً نراه صحيحاً حتى تعلم أنه يؤمن بأن هذا الحديث صدر عن النبي صلوات الله عليه ثم يرده , أما إذا كان الشخص يقول : أنا لا أؤمن أن النبي قال هذا الحديث فهذا لا يجوز تأثيمه فضلاً عن تكفيره، ونيته عند الله.


ولو كان كل من رد حديثاً صحيحاً يكفر لتم تكفير البخاري ومسلماً وأحمد وسائر أهل الحديث لأنه ما من منهم إلا وقد رد صحيحاً يظنه ضعيفاً.

لا أدري كيف نحارب التكفير في وقت حتى نكاد ألا نكفر أحداً , ثم ننعش التكفير في وقت آخر حتى لا يكاد يسلم منه أحد.
فنفتي بإطلاقات تشمل الجميع , هذا الاختلال في التكفير بين خفض وإنعاش هو لعب بدين الله , فإذا غضبنا على أحد حصرنا قوله في وجه واحد , وإن رضينا عن آخر احتملنا له سبعين وجهاً!

هذا لعب .... وهذا اللعب يشترك فيه أطياف أو جهات عدة تقوم على إنعاش التكفير وقتما تريد , وتنعش الإرجاء وقتما تريد , هذا اللعب يجب أن يتوقف.
وأكرر أن ( الدين كله لله) ليس لنا لنعبث به أو نتصرف فيه أوة نوظف بعض النصوص ونترك بعضاً .. كلا ... دين الله غالٍ جداً.. وياويل من تلاعب به.
والضجة الأخيرة عن حديث أبوال الإبل من هذا الباب .. فالحديث آحاد، وليس قطعياً حتى يتم تكفير من لم يعتقده إلا إذا صرح بأنه يرى صحته لكنه يرده.

والاختلاف في الحديث من الفتن التي حلت بالأمة من قديم فبسبب الاختلاف في الحديث تفرقت الأمة وكفر بعضها بعضاً وبسببه كان تكفيرهم لأبي حنيفة والمشكلة أن التكفير يقع من أهل الحديث أنفسهم وفيما بينهم بسبب تعصبهم أو بسبب يقينهم بالظني، واليقين بالظني له علاقة بضعف العقل.
والعقل لا يهتم به أهل الحديث، بل يبغضون المعتزلة وغيرهم لأجله، ويتهمونهم برد النصوص بالعقل، وهذا وهم ارتضوه ونشروه وكفروا به أمماً.

ولك يكتف أهل الحديث بتكفير المعتزلة ( ويسمونهم الجهمية) بل واصلوا وكفروا أبا حنيفة وكثيراً من أهل الرأي بسبب اليقين بظني الحديث.

إذن فالقضية (توسع أهل الحديث في التكفير) لها عوامل عقلية من جهة وعلمية من جهة أخرى وسياسية من جهة ثالثة ولعصبيتهم لا يعترفون بهذا كله.
مع أن هذا طبيعي فنحن في الحياة المعاشة ألا تختلف في خبر ما بين مصدق له ومكذب؟ ... هذا طبيعي ...
والسؤال :
ما أسباب اختلافنا في أي خبر؟
اي خبر نختلف فيه راجع إلى اختلاف العقول والأفهام والمناهج فبعض الناس يتشدد ولا يصدق إلا القليل مما يسمع وبعضهم يصدق كل شيء وبينهما أطياف.
فكذلك الحديث , وأهل الحديث والرأي وغيرهم مخلوقون من هؤلاء الناس المختلفين فمنهم من يبالغ في الرد أو التحفظ ومنهم من يبالغ في قبول الأخبار , والذي من منهجه التحفظ في قبول الأخبار سيكون منهجه عاماً سيتحفظ على الخبر والحديث بل التحفظ في قبول الحديث أولى وأفضل لخطورة الكذب هنا ..

والدراسات النفسية المعاصرة كفيلة بتفسير تفاوت الناس في التصديق والتكذيب للأخبار وهذا التنوع مراد من الله، ليكون منتجاً لا مدمراً.

التنوع عند الأمم ينتج ويبني وخاصة في التاريخ المعاصربينما التنوع في الأفهام والمناهج عند المسلمين مدمر , وهذا نتيجة لضعف العقول والمعارف وأما السبب العلمي لاختلاف الناس فالذي يعلم معلومات من القرآن مثلاً لا يمكنه قبول ما يخالف ذلك ولو كان حديثاً صح سنده عند آخرين لماذا؟
الجواب واضح جداً لأن هذا الذي ينكر ها الحديث يرى أنه لا يمكن للنبي أن يقوله , لأن النبي إنما يتبع القرآن وبهذا يستنتج أن الحديث باطل.

وآخر يرد الحديث لأنه يراه مخالفاً لبداهة العقول وأن الشرع أتى بالعقل وحث عليه ولا يمكن أن يصدر من النبي ما يخالف العقل.

وثالث يرد الحديث لأنه يتعارض في نظره مع أصول وقواعد الإسلام العامة ورابع قد يرى أنه موقوف وهم آخرون في رفعه أو مرسل وهم آخرون في وصله الخ
المشكلة أن أهل الحديث ( وأشدهم في ذلك الحنابلة والظاهرية) يكثرون من القطع بالظني، فيؤدي لاتهام الآخرين بأنهم ينكرون القطعي، وهذا وهم , إذن فالمشكلة عقلية بالدرجة الأولى ثم علمية , وكل هذا برعاية سياسية من أيام بني أمية خاصة , إذ وضعوا ظني الرواية بديلاً عن القرآن والسنة , فانتشرت الروايات الضعيفة في الجبر والإرجاء والتشبيه والنصب , وأصبحت برعاية سياسية هي ثقافة الناس العامة , وورث ذلك بنو العباس الخ ...

بالطبع لما تحالف أهل الرواية مع السياسة أصبحوا يستعدون على من يريد تفتيح العقول , فيتم قتل أو سجن أو كبت كل من يمتلك تفسيراً لهذا الاختلاف ,الغريب أن مثل ابن تيمية يكتب كتاباً جميلاً عنوانه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) يدعو فيه للإعذار في مثل هذه الاختلافات ... ولكن ما ضرره؟
ضرر كتاب ابن تيمية أنه يحصر كتابه في ( إعذار أهل السنة بعضهم بعضا) مع أن دواعي أهل الحديث في تكفير أبي حنيفة هي نفسها في تكفيرهم المعتزلة فإما أن يكون أهل الحديث على الحق في التكفيرين أو على باطل فيهما لأن علتهم في الأمرين أن أبا حنيفة والمعتزلة يردون السنة!
إذن فالغلاة حتى لو كتبوا كتباً في ( الإنصاف) فلا يريدون إنصاف كل المسلمين إنما هو إنصاف مذهبي , إنصاف أهل السنة لبعضهم , إنصاف السلفية لبعضهم
وهذا الإنصاف ( المذهبي) ظلم مضاعف لماذا؟ ... لأنه القصد منه المذهب لا الله ... ولأنه يضلل العامة فيظن أن هؤلاء منصفون! ولأنه يكرس المذهبية بقوة
وهكذا يكون التضليل بكل المعاني الجميلة كالعدل والصدق والإنصاف الخ .... ليس المراد بالصدق مثلاً الصدق مع الجميع ... لا .. الصدق فيما بيننا فقط!

وبهذا يكون للصدق أضرار أكثر من الأكاذيب لأنه يقوم بالأضرار السابقة يراقب المذهب وليس الله يضلل العامة يكرس المذهبية!

وهذا البلاء الذي لحق بالإسلام حتى ضعف يمكن في أن أهل المذهب يجعلون الدين لهم وليس لله مع أن غاية الله أن يكون (الدين كله لله) نعم كله!
فالذي يعرف له قريباً لا يصلي الصلوات الخمس ثم ينكر على آخر لا يصلي التروايح فهذا يجعل الدين له وليس لله ولو كان دينه لله لرتب الإنكار , عندما نقرأ ذم الله للذين ( يخادعون الله وهو خادعهم) نضحك من ضلالتهم ونظن أننا بعيدون كل البعد عن هذا الخداع لله ... بينما نحن فيه للأذقان .

والذين يغضبون من كلامي الآن هم كذلك لأنهم يعرفون أن التوظيف المذهبي واالسياسي للدين موجود من القرون الأولى فهذا هو خداع الله والمؤمنين.
المنتفعون بالدين والمستخدمون له غالباً يتظاهرون بالحرص على دين الله وإنما هم يحرصون على عقائدهم وآرائهم لكنهم يخادعون الله والذين آمنوا.

وقد يقول بعض الناس: لكنهم لا يشعرون بذلك؟ نقول:
قد وصف الله الذين يخادعون الله والذين آمنوا بأنهم لا يشعرون فما الغريب في الأمر؟ لا جديد ...
فإذا قال أحد
لكن هذا ظلم، فكيف يحاسب الله قوماً لا يشعرون؟
الجواب:
لأنهم يستطيعون أن يشعروا
يستطيعون أن يسمعوا لكنهم كما ترون لا يسمعون!
اله يحاسبك على هذا التبلد يحاسبك على هذا النعم التي أودعها فيك يحاسبك نعم وأنت مسؤول عن بصرك وسمعك وعقلك وضميرك لا تتبرع بهم لأحد, هم لك
لو أنك تعطي ابنك سيارة ثم يتبرع بها لابن الجيران ألا يستحق العقوبة؟ فالله يعاقبك إذا تبرعت للآخرين بأفضل ما أعطاك الله وهو عقلك وقلبك.

الكلام أخذنا من التكفير الجاهل إلى هذه المنطقة عن نعم الله لأن موضوعات الدين كلها مترابطة وكلها تعود للابتلاء والتمحيص لهذا الإنسان.
الله يريد تمحيص هذا الإنسان هل يعيده أم يعبد غيره وبس!
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=352
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19