• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : أسرار لا يعرفها الدعاة (1)! (الجمهور أو الحقيقة !) .

أسرار لا يعرفها الدعاة (1)! (الجمهور أو الحقيقة !)

جريدة الكويتية
حسن المالكي


يفضّل أكثر الدعاة والخطباء- فيما أرى على أغلب القنوات والمنابر- أن يحتفظوا بأكبر قدر من الجمهور لأنفسهم، وهم يحرصون أيضاً على أن يزيدوا أعداده كل يوم، ليكون لهم الأجر الأكبر في نشر هذا الهدى (غير المتحقق منه) في أكبر عدد من الناس! لأن من دعا إلى (هدى فله  مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، قبل أن يتأكد أن ما ينشره فيهم هو (هدى الله) حقيقة وليس توهماً! وما يدريه فقد يكون ذلك (الهدى المتوهم عند الداعية) قد يكون (ضلالاً خالصاً) داخل لباس رقيق من الألفاظ الشرعية؟!

هؤلاء من دعاة القنوات وفرسان المنابر- في الأغلب- لا يحررون المعاني التي يدعون إليها، ولا يقفون عندها، ولا يعرضونها على كتاب الله- ذلك المصدر الذي فصله الله نفسه على علم- وإنما يسمعونها أو يقرؤونها ممن لم يفصلوها على علم، وإنما قد يكونون فصلوها على جهل، ثم يبثونها في الناس كما وجدوها، وكما سمعها من قبلهم وبثوها فيهم، وكما يسمع كل أهل دين- أو مذهب أو تيار- معاني مشابهة أو مضادة ويبثونها بدورهم في أتباعهم، فالنقل الساذج للألفاظ بمعان خاطئة أو ناقصة أو مشوهة دون تحقق من المعاني قرآنياً هو نوع من العبث بدين الله حتى أصبح عند المسلمين (مجموعة إسلامات) متلاطمة، يكيد بعضها لبعض ويرى بعضها في الآخر عدواً مبيناً.

والجميع لا يجرؤ على التحقق والتحقيق، وإنما هم مهووسون بالتميز عن الآخر وتزكية النفس وبخس الناس أشياءهم، بسبب إشباع الحالة الجاهلية التي سربها الشيطان إلى قلوب الجماهير، فأكثر الدعاة والخطباء مغتبطون بهذا الجمهور، وكأن هؤلاء الدعاة والخطباء من أهل الفنون الجميلة أو المغنين أو اللاعبين أو الشركات السياحية.. الذين تدور مهنتهم على توسيع القاعدة الجمهورية لكسب المال والشهرة والسمعة، بينما هدف الداعية يجب أن يتطابق مع هدف الرسالة الإلهية، ومع هدف النبوة، ألا وهو المعلومة، والمعلومة فقط، بلاغاً وإنذاراً وتبشيراً.

هدف الشيخ أو الداعية أو الخطيب أو المؤلف أن يبين الحق (المعلومة الصحيحة)
ويشهد لله  (لا للذات ولا للنفس ولا  للمذهب ولا للحزب) وينقل المعلومة كاملة (غير منقوصة ولا معدلة ومزيدة بباطل)  وواضحة غير ملتبسة ولا موهمة ولا مظنونة (وهو من معاني البلاغ المبين= الواضح).
هذه هي أهداف النبوة نفسها ومهامها المسطرة في القرآن الكريم (كما سيأتي في الحلقة القادمة).

ولا يعني هذا عدم مراعاة عقول الجماهير وأفهامهم ولكن هذا لا يرقى لمستوى الهدف، وإنما يبقى عند الوسائل والأساليب، فالواجب أن تكون هذه المراعاة دافعاً في ابتكار الوسائل والأساليب لا أن يكون دافعاً في التصرف في الحقيقة نفسها، وهناك خلط بين الأمرين عند كثير من الناس، يجب أن يكون الهدف (وهو هنا المعلومة) محمية من أي تصرف فيها، أما أساليب تقديم هذه المعلومة فمفتوحة.

أما إذا أصبح الجمهور (هو الهدف) الذي يدور حوله الشيخ أو الداعية، فمعنى ذلك أن الشيخ مضطر لما يسمى (قصقصة الحقيقة أو المعلومة أو الدين) لتتوافق مع أمزجة هذا (الجمهور العظيم)! ويصبح الجمهور هو (معيار الحقيقة) وليس الحق هو المعيار؟! وهذا خلل كبير سُفلي لا يدرك قعره.
أمر آخر من أضرار هذه (الجمهورية) وهو أن الداعية أو الشيخ  قد يتوهم أن هذا الجمهور مسؤوليته أمام الله، وأنه يجب عليه شرعاً أن يتدرج معه ويرقيه إلى الحقائق بالتدرج، ولا يحرر ما يجوز وما لا يجوز في التدرج نفسه!  فيتفاجأ بأنه هو ينزل إليهم (علمياً ومعرفياً) في قعر البئر السحيق وقد يبقى فيه طويلاً، بدلاً من مد الحبال إليهم ليترقوا سريعاً للخروج من هذه البئر المظلمة، ومع كثرة بقائه معهم في أسفل البئر قد يعتاد على تلك الحياة ويتحول ما في البئر من ظلام دامس إلى نور! لكثرة التحديق في وسط الظلمات.

هكذا يقنع الشيطان كثيراً من المغفلين بأنهم مسؤولون عن هذا الجمهور، لا يرتقون إلا إذا ارتقى، بينما الله يقول لنبيه صلوات الله عليه وسلامه (ليس عليك هداهم) فأنت قل الحقيقة وانطلق، دعهم في ابتلاء الله لهم بهذه المعلومات، بين من يكابر وينصرف عنها فيكتسب معنى (الكفر أو العناد أو الجحود)، ومن يخضع ويسلّم لها ويكتسب معنى الإسلام (التسليم بالحق)، وهذا الفصل بين المتكبر عن الحق والمستسلم له هو غاية الله من خلق الإنسان برمته (ليبلوكم فيما آتاكم)، أي فيما آتاهم من نعم داخلية أو معلومات خارجية، ولا تدخل الحقائق الخارجية إلا بحسن توظيف للنعم الداخلية من سمع  وبصر وعقل وقلب! فما آتاهم الله يتكامل عند المؤمن ويتنافر عند الجاهل.

أيضاً قد يتوهم هذا الداعية أو الشيخ أن مجاملة الجمهور واجبة، لماذا؟ حتى لا يرفضك هذا الجمهور ولا يصد عنك، فهم  في تراثك المغلوط (شهود الله في الأرض)! وكأن الله سيحاسبك وفق شهادتهم ولو كانت جاهلة وليس بعلمه الصادق دائماً!

وهكذا، ظلمات بعضها فوق بعض تعشش في عقل هذا الداعية وذاك الشيخ، نتيجة هذا التراث الخليط، الذي يربط بين الناس بقدر ما يفصلهم عن الله.
(يتبع)

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=289
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28