• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الرابع)- قراءة في أحاديث فضل الأمة! .

الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الرابع)- قراءة في أحاديث فضل الأمة!


                الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟
                          حوار س - ج

                            (ألجزء الرابع)- قراءة في أحاديث فضل الأمة!

لمطالعة "الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الأوّل)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الثاني)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الثالث)- مناقشة الشروط الثلاثة!" على هذا اللرابط «««

س: قبل الأحاديث، العنوان ما يعجبني؛ وكأن الأمة والدين شيئان مختلفان؟
ج: هما مختلفان قطعاً.
س: يعني كأنك تقول أن العرب - أو الأمة - ليسوا أهلاً لحمل الدين، وعلى هذا؛ كأن الله ليس حكيماً في اختيار العرب للرسالة؟
ج: وبنو إسرائيل، هل كان الله غير حكيم في تكليف بني إسرئيل إقامة التوراة والإنجيل؟ من المكر السيء تحميل الله المسؤولية؛ نحن المسؤولون لا الله.
س: يا أخي؛ الله اختار العرب لتكون فيهم النبوة الخاتمة؟
ج: واختار بني إسرائيل (على علم على العالمين)؛ أتعرف معنى الاختيار؟ الاختيار غير الاصطفاء.

س: يعني؟
ج: أعني أن اختيار الله لبني إسرائيل لحمل الرسالات السابقة؛ أو اختياره للعرب لحمل الرسالة الخاتمة؛ لا يعني مدحاً؛ وإنما تكليف وتمحيص.
س: صدمتني بقصة بني إسرائيل، واستذكارك لها في كل حجة، هذا الاستذكار حرمنا من الثناء على الأمة.
ج: ولهذا الهدف كرر الله قصص بني إسرائيل كثيراً؛ حتى لا نغتر بالظواهر؛ فلا يجوز اتهام الله بأنه غير حكيم؛ لكن يجوز اتهام بني إسرائيل والعرب والمسلمين بأنهم بدلوا وغيروا مكروا واستكبروا؛ هذا هو؛ ومن المكر السيء للعرب والمسلمين أنهم يحمالون الله المسؤولية؛ يقولون: الله اختار العرب أو قريش أو المسلمين؛ فهل تطعن في اختيار الله؟
عجيب! كأنهم يتصورون أن الله عاجز عن هداية الناس جميعاً؛ كأنهم يتصورونه كأحد المقاولين عندما يختار شركة لتنفيذ مشروعاته! اصحوا من غفلتكم؛ صحصحوا.
ولذلك؛ تجد المسلمين سلكوا سنن من كان قبلهم من أهل الكتاب؛ اغتروا بهذا الاختيار وفسروه على أنه حب واصطفاء واجتباء؛ ببينما هو ابتلاء وتمحيص؛ تسخيف الذات الإلهية موجود عند أهل الكتاب وموجود عند المسلمين؛ ليس تسخيف التصور عن ذات الله وصفته فقط؛ وإنما تسخيف التصور عن حكمته وسننه أيضاً.
س: نعوذ بالله من أن نحمل الله المسؤولية، هذا ما كسبت أيدي الناس (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
ج: أحسنت؛إذاً نواصل في موضوعك.
س: نعم؛ أجد أحاديث كثيرة في فضل الأمة، هي التي شكلت تصوراتنا؛ سواء كانت صحيحة أو ضعيفة، ولكنها من الكثرة بحيث يستحيل تضعيفها كلها.
ج: هاتها؛ ولكن قبل سردك الأحاديث، تذكر: أن القرآن الكريم هو الفيصل، نأخذ ما يشبه تفصيل القرآن، ولا ناخذ ما خالف هذا التفصيل؛ ولو كانت ألوف الأحاديث. فلو كان عندك مليون حديث تخالف آية واحدة - مخالفة صريحة وواضحة - فإن الواجب عليك رد ذلك المليون حديث بهذه الآية؛ فالكذب كثير في الأحاديث.
س: نحن لا نقصد الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وإنما الصحيحة.
ج: أعرف؛ لكن كثير مما قيل عنه أنه أحاديث صحيحة هي ضعيفة وموضوعة، والعكس صحيح ؛ فكثير مما قد يقال عنه أحاديث ضعيفة أو موضوعة قد تكون صحيحة.
س: أنت هنا تصعب علينا المسألة؟ وهل هذا بمزاجك، تصحيحاً وتضعيفاً؟ هناك معايير علمية تحكمني وتحكمك.
ج: صحيح؛ وأول معيار صحيح هو موافقة هذه الأحاديث للقرآن، أنا لم أبتعد عنك كثيراً.. إنما أتشدد في تطبيق المعايير ؛ولا أرتضي أن تكون النظرية معلقة؛ فنظرياتهم تقول برد ما خالف القرآن؛ لكنهم - عند التطبيق - يتخلون عن النظريات وينتصرون للأحاديث على حساب القرآن.
س: من هم؟ من تعني؟؟
ج: أغلب أهل الحديث، واقعهم الانتصار للحديث وهجر القرآن، ولكنهم ضحية المكر السيء لا صنعته، وقد تحدثت عن ذلك كثيراً.
س: أهل الحديث السنة أو الشيعة؟
ج: كلاهما ينتصر للحديث والرواية على حساب القرآن؛ وإن كان علمي بالموروث الشيعي والإباضي والزيدي ضعيفاً؛ لكن ما اطلعت عليه من أحاديث الفرق الإسلامية كاف، أجد هجر القرآن والإقبال على الراوية هي السمة الغالبة، وإن كانت هناك نسبية بين مذهب ومذهب.
س: والنسبة في صالح من؟
ج: لا أحب التمييز الآن، لأن التمييز يحتاج إلى بحوث ... لكن دعنا نتحدث في أحاديثنا السنية، أما المقارنة فتحتاج لبحث آخر.
س: حسناً، ورد في فضل الأمة كثير من الأحاديث حتى عدها ابن الأثير في جامع الأصول (أحد عشر نوعاً)؛ في كل نوع عدة أحاديث ..
ج: لنبحث أصحها عندك.
س: الحديث الأول في الصحيحين؛ ولفظه عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً؛ قال: (أترضَوْنَ أن تكونوا رُبُعَ أهل الجنة؟  قلنا: نعم، قال: أترضَوْنَ أن تكونوا ثُلُثَ أهل الجنة؟ قلنا:نعم؛ قال:والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصفَ أهل الجنة، وذلك: أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مُسْلمة؛ وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشَّعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرةِ السوداءِ في جلد الثورِ الأحمرِ ) اهـ
هذا في الصحيحين؛ فما قولك؟
ج: لم تذكر الحديث من أوله؛ في أول هذا الحديث زيادة قد لا ينتبه لها أكثر الناس، وقد تقلب معنى الحديث الذي في رؤوسنا رأساً على عقب!
س: بل هذا الحديث كامل، لم أبتر منه ..
ج: لم تبتر تعمداً، لكنك حذفت المناسبة بحسن نية، وهكذا فعل أكثر أهل الحديث، يبترون المناسبة يظنون ألا فائدة منها.
س: لم أفهم؟
ج: حسناً؛ لفظ مناسبته في البخاري (8/ 110)  (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ)؛ كم عدد هؤلاء يا ترى؟ وهل يقصدهم هم أم كل الأمة؟ وفي صحيح مسلم (1/ 200) تحديد لعددهم؛ (كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا)!
س: وماذا يعني هذا؟
ج: لحظة؛ ألا تعرف أن الأحاديث أكثرها مروية بالمعنى، ومنها هذا الحديث - كما سيأتي - وقبل أن آتي للإسناد سأطرح احتمالاً؛ وهو؛ ألا يكون المعنى، أن النبي كان مع صفوة من أصحابه (في قبة) نحو أربعين رجلاً؛ فقال عن هذه (الصفوة) أنهم سيكونون نصف أهل الجنة؟ يعني ماذا؟
س: يعني أن أهل الجنة ثمانون رجلاً فقط؟
ج: لا لا؛ لم تفهمني؛ قد يقصد الرسول أن الصفوة من الصحابة في نحو ضعف هذا العدد.
س: كيف؟
ج: اصبر ... لحظة؛ راجع الحديث؛ هل قال (أمة المسلمين هم نصف أهل الجنة) أم كان يخاطب الجماعة الأربعين ويقول (أنتم)؛ سأعيد لك لفظ الحديث (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك: أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مُسْلمة، ((وما أنتم في أهل الشرك)) إلا كالشَّعرة البيضاء في جلد الثور الأسود اهـ
أليس هذا لفظه؟
س: بلى؛ ولكنه يتكلم عن الأمة وليس عنهم فقط؟
ج: أنا أقول احتمل هذا، حتى نجد ما يقوي احتمالك أو احتمالي؛ دعنا نفرض الفرضين وندرسهما؛ ايش الضرر؟
س: اكمل احتمالك.
ج: أنا احتمل أن الحديث يخاطب فئة مخصوصة من أصحابه (صفوة)؛ ولعل ذلك في بدء الإسلام؛ فابن مسعود قديم الإسلام؛ وقد يكون في المدينة؛ ولكن المهم من هذا كله؛ أن النبي لم يقل (أمتي ستكون نصف أهل الجنة)؛ وإنما قال "أنتم"؛ أي الثمانين سيكونون نصف أهل الجنة من أهل عصرهم فقط؛ وهذا يتفق مع حديث الصحيحين بأنه لن يبق منهم (إلا مثل همل النعم)؛ فقد يكون هذا الحديث خاصاً بمجموعة مخصوصة مؤمنة؛ ثم النبي قال (أرجو)؛ لم يجزم؛ فهذا الحديث قد ينقلب من (فضل الأمة) إلى (مثالب الأمة)؛ لا سيما مع الحواضن الكثيرة القرآنية والحديثية من ذم الأكثرية ومدح الأقلية؛ سنة إلاهية.
س: على كذا لن أعرض الأحاديث الأخرى.
ج: لماذا؟
س: لأن ما تقوله غير معقول أبداً.
ج: وهل من المعقول أن تكون هذه الأمة بمنافقيها وظالميها في الجنة؟ ألا تعرف أن من الأحاديث التي تصححونها من تجعل المنافقين من أهل الجنة؛ إلا في حالة نقص العدد من الأمم الأخرى، وهذه تعاند القرآن قطعاً.
س: لكن؛ أيضاً كلامك غير صحيح؛ كيف لا يدخل الجنة من الصحابة إلا ثمانون؟
ج: لم أقل هذا ... تذكر أن الحديث قد يكون في الفترة المكية؛ وكانوا قليلاً؛ بمعنى؛ نحن لم  نستوفِ مناسبة الحديث وأسبابه وزمنه وألفاظه  وطرقه وحواضنه القرآنية والحديثية؛ هل تحسب أن نسبة الحديث للنبي أمر سهل؟ ألم يقل النبي (من كذب علي يلج للناس)؛ أو ( فليتبوأ مقعده من النار)؟ تريد أن أسلم لك بالحديث قبل مناقشة ألفاظه واحتمالاته ومعارضاته؟
س: لا ؛ ليس قصدي هذا؛ لكن أهل بدر وحدهم كانوا 313 رجلاً؛ وكلهم في الجنة؟ وأهل الرضوان 1400 رجل؛ وكلهم في الجنة؟
ج: لا تشتت الموضوع؛ دعنا في هذا الحديث الذي أتيت به في (فضل الأمة)، ولم اعترض، مع أن كلمة (الأمة) غير موجودة فيه إطلاقاً؛ وإنما (الجنة)، فيحق لي أن أطرح احتمالي.
س: لكن (الأمة) في ألفاظ أخرى للحديث.
ج: هذه من الرواية بالمعنى، ولابد أن نتحقق من اللفظ الذي صدر عن النبي ما هو، لأن القصة حدثت مرة واحدة ؛وهذه مشكلتي معكم؛ أنا أكثر تعمقاً - فيما أظن - في دراسة المتن والإسناد، وعرضه على ما هو أصح منه أو مثله، أما أنتم؛ فتذهبون بهذه السرعة والعجلة؛ والآن تريد أن نواصل أو نتوقف؟
س: انصدمت ...
ج: هههه لا مشكلة؛ هي افتراضات واحتمالات ندرسها جميعاً؛ دعني أواصل احتمالي من الحديث نفسه ثم شواهده؛ احتمالي كالتالي:
1-أن النبي كان في صفوة من أصحابه؛ نحو الأربعين؛ وفي قبة من أدم (وهذه كلها وردت في الصحيحين).
2-وقال (أرجو) ولم يجزم.
3-أن يكون هؤلاء الأربعون (ربع أهل الجنة أو ثلث أهل الجنة أو نصف أهل الجنة). وبقية الحديث لا يشير للأمم السابقة؛ إنما الظاهر أنه لمعاصريه.
4-ومعاصروه: ليس المراد كل المعاصرين، وإنما المعاصرون من أهل بلدته (مكة أو المدينة).
5-والزمن يجب أن يرتبط بزمن الحادثة، ويجب التحقق في ذلك.
6-والقرينة على أنها في بداية الإسلام قوله (وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مُسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشَّعرة البيضاء). أليس كذلك؟
س: بصراحة؛ في لفظ الحديث هذا ممكن جداً ... ولكن ألفاظه الأخرى ..
ج: لحظة، دعنا الآن نبقى في هذا الحديث، حتى نخمده بحثاً؛ فلا نستعجل الله يوفقك.
س: حسناً.
ج: إذاً؛ فهذا الحديث الذي ينشره أهل العلم - قديماً وحديثاً - على أنه في فضل الأمة، لا دليل على ظنهم ذلك، بل القرائن على الضد تماماً.
إذاً؛ فالحديث - ظاهره حتى الان - هو في ذم الأمة من المعاصرين، وأن الأربعين - ومن الغائبين مثلهم - هم الصفوة التي (يرجو) النبي أنها ستدخل الجنة. وهذا الحديث؛ إن مكان في مكة؛ فلا إشكال، فقد أخبر الله عن قريش أن أكثرهم قد حق عليهم القول، ولكن عباد المدح لا يحبون هذه الآيات؛ فاسمعوها: { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)}؛ فالآية شبه صريحة أن الأكثرية) من الذين ينذرهم النبي من قريش أو العرب  الذين (ما أُنذر آباؤهم)  قد حق عليهم القول، وقريش أولى بهذه الآية؛ لأن النبي مكث فيهم 13 عاماً وهم مكابرون؛ وسورة يس التي منها الآية نزلت في آخر العهد المكي، وهو إخبار من الله بأن الفرص المتاحة لهداية انتهت؛ وقد أكد الله هذا أبلغ التأكيد؛ فقال بعدها: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} [يس: 6 - 10]؛ ولكن عباد المدح لقريش لا يبالون بها؛ وكأنّ الله كان يتوقع فقط؛ ثم اسلمت هذه (الأكثرية) وحسن إسلامها والحمد لله! هكذا يفكر أصحاب الكبر والمكر السيء؛ لا يبالون بصريح القرآن؛ نعم؛ قد يتظاهرون بالإسلام؛ كما قال علي وعمار (ولله ما أسلم هؤلاء ولكن استسلموا)؛ وهذا ليس إيماناً بالإجماع، لا شرعاً ولا عقلاً؛ إنما هو نفاق؛ والنبي مأمور بأخذ الناس بالظاهر؛ فالمنافقون جزء من المسلمين في الدنيا؛ ويشاركونهم أحكام الدنيا، لكنهم في الآخرة من اصحاب الدرك الأسفل من النار.
وأما إذا كان الحديث في المدينة - وفي هؤلاء العدد ، الأربعون وأمثالهم-  فهذا أخطر، لأنه بهذا سيذكرنا بأحاديث الحوض وأحاديث سنن من كان قبلكم؛ فأحاديث الحوض تتكم عن صحابة وليس عن قريش، مثل حديث ابن عباس في صحيح البخاري (4/ 139) (فأقول : أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم)؛ انتبهوا للفظة (منذ أن فارقتهم)! خطيرة جداً، ليست في مسليمة ولا كفار قريش. وعلى هذا؛ إذا كان الحديث بالمدينة فهذا يعني أن الناجين من الصحابة هم نحو ال 150 صحابياً، وهذا مؤلم؛ حتى لي شخصياً؛ ولكن؛ إذا أردتم النصوص فخذوها كلها واجمعوا بينها؛ لا تضربوا بعضها ببعض؛ لكن هذا الألم يخرجنا من الغفلة بأنه ليس هناك مثل سلفنا؛ وليس في الأمم مثلنا؛ هذا المدح ألهانا عن كل معرفة وتدبر، إنه سكرة ضارة..
كما أن بعض ألفاظ حديث الحوض في الصحيحين قد يدل على صحة حديث ثا بت بن مسعود؛ إذا كان صدر من النبي في المدينة مثل (صحيح البخاري (8/ 121) (إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى، فَلاَ أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ) اهـ
أرأيتم؟
حديث ابن مسعود الذي أوردته - أخانا الكريم – خطير؛ وله شواهد في إدانة قريش أو الصحابة أو العرب أو الأمة؛ وله حوضن قرآنية وحديثية وسنن سابقة؛ إذا شعر العرب والمسلمون بخطورة الأمر فهذا خير لهم من أن يطمئنوا بأنهم سيكونون نصف أهل الجنة ثم يضل عنهم ما كانوا يفترون، ويتفاجؤون بالعكس.
س: تعني أن الأمم الماضية هم في الجنة أكثر منا؟
ج: صريح القرآن على هذا تقريباً؛ لكن دعنا نكمل الحديث وألفاظه الأخرى؛ لا تشتتنا ..
س: حسناً.
ج: إذاً؛ حديث ابن مسعود الذي تلوه علينا في كل منبر، قد يكون على الضد مما تصوروه؛ قد يكون في هلاك أكثر الأمة؛ وليس في كونهم أنجى الأمم وقد روي الحديث  من طرق أخرى؛ طريق أبي سعيد الخدري في الصحيح - ولفظه ليس فيه الأمة - وطريق أبي هريرة؛ وهو الذي خالفت روايته وذكر (الأمة)؛ وطريق عمران بن حصين؛ ولا يصح؛ وطريق أبي موسى؛ وفيه كلام كثير ومنكرات؛ ولعل أقوى طرقه طريقا ابن مسعود وأبي سعيد الخدري؛ وفيهما علل قد لا تضر. ولعل البعض قد يحتج بأن المراد (الصحابة كلهم) في أهل الشرك، بدليل قوله (وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود)؛ نقول: الذين آمنوا في عهد النبي وانضموا لما يمكن أن يقال (صحابة) كانوا أطيافاً عدة - كما كررنا من التفصيل فيهم من نصوص قرآنية وحديثية - وهنا قد يكون المراد بأهل الشرك أي من المسلمين؛ من المنافقين والمتربصين والمذبذبين والذين في قلوبهم مرض، فالشرك بالمعنى القرآني يستوعبهم؛ وقد فصلنا خصال الشرك من القرآن بدخول هؤلاء وغيرهم في هذا المعنى؛ بل من الشرك القرآني اتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً وطاعة السادة والكبراء في الضلال، وحب الدنيا وعبادة الهوى والكبر ..الخ؛ كل هذه الصفات تدخل قرآنياً في الشرك نسبياً؛ ليس المشرك من عبد الصنم فقط؛ فالشرك في الأمة متنوع، وبعضه أخفى من دبيب النمل على الصخرة السوداء الخ.
إذاً؛ فقد يكون النبي مدح تلك الصفوة من أصحابه، وجمع الباقين في حيز الشرك من منافقين وكفار ومتربصين ..الخ؛ وقد قرن الله المنافقين بالمشركين في كتابه تارة؛ وقرنهم بالكفار تارات؛ والكفر والشرك بمعناه القرآني ما زال في الأمة؛ وكل القرآن مازال حياً؛ نهي القرآن عن الشرك مازال حياً؛ نهيه عن الكفر؛ عن النفاق.. الخ؛ كل هذه الآيات مازالت حية؛ (ورب قاريء للقرآن وهو يلعنه).
الخلاصة: أن حديث ابن مسعود؛ إما أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قلة - قياساً بكفار العرب - أو خاصاً بصفوة من الصحابة؛ قياساً بالفئات المنافقة؛ ولا يمكن أن يكون في فضل كل الأمة؛ وكذلك حديث أبي سعيد؛ ولن استعرضه؛ فهو طويل؛ لكنه لا يختلف عن حديث ابن مسعود في المعنى؛ إنما أتى الإشكال من أحاديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأحاديث أخرى لا تصح  إسناداً عن عمران بن حصين وابن عمر وأحاديث شامية لا تصح؛ وهي تتفق مع عقيدة الإرجاء.
لنذكر حديثاً لأبي موسى وآخر لأبي هريرة؛ حديث أبي موسى في صحيح مسلم؛ ولفظه: (إذا كان يومُ القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول:هذا فَكَاكُك من النار»اهـ
وفي لفظ (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعُها على اليهود والنصارى)! هذه الأحاديث عن أبي موسى منكرة مخالفة للقرآن الكريم وللعدل والعقل والفطرة؛ أما من القرآن فقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؛ بل في خصوص أهل الكتاب قال (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] والآيات في هذا كثيرة؛ فكيف يجوز لنا أن ننسب لله العبث والظلم؟
إنه حب المدح. نحن نحب المدح. حتى جرائمنا - التي مثل الجبال - يضعها على غيرنا!
يا سلام.
هذه أحاديث الإرجاء؛ والأحاديث الإرجائية خرجت من المقربين لبني أمية؛ فقد كان بنو أمية ينصرون الإرجاء حتى يبقى معهم العامة ويعظمونهم (يخادعون الله والذين آمنوا)؛ وقد كان أبو موسى الأشعري وعائلته مقربة جداً من بني أمية؛ ولم تكن صورته عند كبار الصحابة - كعلي وحذيفة - كصورته عندنا؛ كانوا يتهمونه؛ بل نجد حذيفة يتهمه بأنه من رجال العقبة؛ وروى مسلم بعض هذه الأحاديث؛ وصحح الذهبي إسناداً آخر وقال (ما أدري ما هو) اي لم يفهمه، استعظمه نتيجة الثقافة المحدثة؛ وقد فصلت في أبي موسى في كتابي ( حديث الدبيلة) وذكرت اختلاف العلماء الكبار فيه، مع أنه كان حسن السمت قارئاً، وهو متأخر الإسلام؛ كأبي هريرة .. فإذا صح السند  بأن من هم أفضل من أبي موسى أبي هريرة؛ كعلي وحذيفة؛ فيجب تقديم قولهم على رأي أمثال معاوية ومروان فيهم؛ السابقون تقييمهم علمي؛ كما أن أحاديث السابقين إذا صحت عنهم - كعلي وحذيفة وابن مسعود – تكون مستقيمة لا تخالف القرآن، إنما أتى الالتفاف الأموي عبر المتأخرين.
وبهذه المناسبة يأخذون الناس علي: لماذا الاهتمام ببني أمية وأنهم قد ماتوا... الخ؟! والآن تبين شيء يسير من اثرهم الفكري المصادم للقرآن الكريم؛ لأن معرفة بني أمية على حقيقتهم وفضل الأكثرية الظالمة منهم؛ عن القليل الصالح؛ إنما هو مرحلة أولى؛ ثم تأتي مرحلة تتبع الذين ركنوا إلى الظالمين من صحابة متأخرين أو تابعين ومعرفتهم؛ ثم المرحلة الثالثة؛ وتتلخص في عزل ثقافتهم الروائية ونقدها؛ وفي آخر المراحل؛ نكتشف الإسلام الأول.
طريق طويل؛ لا نعمم الذم، ففي بني أمية صالحون قطعاً؛ لكنهم قليل؛ الأغلبية ظالمون وأصحاب ملك عضوض وثقافة روائية هائلة شكلت عقول المسلمين وصرفتهم عن الهدي. لذلك؛ أقولها بصراحة: لولا امتلاكي للوعي التاريخي لما بقيت على دين الإسلام؛ ولذلك؛ أنا أتفهم من يلحد من الشباب، لأنه لا يعرف هذا التفكيك والنقد؛ وأدعو الشباب - إذا أراد معرفة الحقيقة - أن يعتمد القرآن فقط؛ ولو مرحلياً؛ وينسى ثقافته المسبقة - مع صعوبة ذلك - لكن ليحاول؛ ثم عليه بالوعي التاريخي. الوعي التاريخي يكشف لك كل شيء؛ فهو وسيلة لفهم القرآن وتدبره؛ وأصح التاريخ ما ورد في القرآن مما يتجنبه محبو المدح ويهربون للأحاديث لتشبع غرورهم؛ الآن أنت فكر كرجل بسيط؛ هل يعقل أن الله يجعل ذنوبنا – كأمة - على اليهود والنصارى ولا يدخل منا النار أحد؟؟ تصوروا حتى هذه المنكرات جازت عليهم.
س: لحظة لحظة ... أحاديث أبي موسى صححها بعض العلماء؟
ج: نعم للاسف؛ ومنهم الإمام مسلم، رغم علمه وفضله، لكنه اغتر بها.
س: لكنها واضحة البطلان.
ج: هذه قصة أخرى، تختص بتقييم أهل الحديث وثقافتهم وتأثرهم بالواقع السياسي والمذهبي، وخصوماتهم مع المعتزلة وأهل الرأي وهجرهم القرآن الخ.
س: يا أخي لحظة ..حديث أبو موسى الأشعري السابق، هل يعقل أن الإمام مسلم وأمثاله لا يتذكرون آيات القرآن الكريم؟ ليس إلى هذا الحد؛ أظنها مدسوسة.
ج: موضوع الدس لا أؤمن به؛ ولكن؛ إذا أحببت التوسع هنا؛ فدعنا ننتقل للجزء الخامس لأشرح لك الموضوع بشكل أفضل؛ مع خطورة هذا البحث عند المداحين.

يتبع..
لمطالعة "الدين أم الأمة .... أم هما معاً؟ حوار س - ج (ألجزء الخامس)- أحاديث الإرجاء وخطورتها!" على هذا اللرابط «««

مواضيع أخرى:
لمطالعة "(ما غزي قوم في عقر قرآنهم إلا ذلوا)!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "حرص إبليس وأتباعه على الصد عن سبيل الله" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "هل فكرتَ يوماً أنك قد تكون مجنوناً ؟؟" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "تلك الفئة المثالية.. لتدمير التواصل الإنساني (3)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "أسرار لا يفهمها الدعاة (3) المعرفة لا الجمهور هي هدف الأنبياء.. فافهم أيها الداعية" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لماذا المسلمون أكذب أتباع الأديان!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "حب دعاة النار!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "خدعة السلف!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "معرفة الله ..لو عرف الناس الله!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لن يصلح هذه الأُمة ما أفسد أولها !"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "هل نؤمن بالبعث والنشور؟!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "هل سينصر الله أكذب أمة على وجه الأرض؟؟!"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1675
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29