• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : العقيدة والقضاء ! .

العقيدة والقضاء !


                      العقيدة والقضاء !

هل يجوز أن يكون القضاء منبثقاً عن عقيدة البلد أو فلسفته الفكرية؟ أم يجب أن ينفصل القضاء عن التأثر بالعقيدة والفلسفة؟ وكيف؟
سأضرب أمثلة للإيضاح:
1- مصر مثلاً؛ دينها الإسلام؛ وقوانينها تخضع لما يظنون أنه الشريعة الإسلامية؛ فما حكم من يقول من المصريين أن لله ولداً؟
2- إيران أيضاً؛ دينها الإسلام؛ فما حكم من يقول من مواطنيها بكفر أبي طالب؟
3- دول الخليج؛ دينها الإسلام أيضاً؛ فما حكم من يقول بكفر أبي بكر وعمر؟
4- ولو أن المسيحيين في الغرب يطبقون (عقيدتهم)؛ فما حكم الذي لا يقر بأن المسيح ابن الله؟
وكذلك سائر البلدان لها أديانها ومذاهبها؛ فما الحل؟
الجواب: الحل في عزل العقيدة عن القضاء؛ فالعقيدة فكر، ثقافة، قناعات، ولا إكراه في الدين. أما القضاء؛ فيهدف للعدالة بين الناس والعقوبة على الجرائم؛ والضرر من انبثاق القضاء عن العقيدة  كبير جداً؛ فلو أن مصر – مثلاً -  تعاقب كل من أساء إلى الله  بقوله (أن المسيح ابن الله) لتمت معاقبة كل الأقباط؛ ولو أن إيران - وفق مذهبها الجعفري - عاقبت كل من كفر أبا طالب ووالدي النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله، لعاقبت كل أهل السنة في إيران. ولو أن السعودية ودول الخليج  - وفق العقيدة السلفية أو الأشعرية - عاقبت كل من كفر أبا بكر وعمر؛ لعاقبت مواطنيها من الشيعة؛ ولو أن سلطنة عمان - وفق العقيدة الإباضية - عاقبت كل من طعن في رموز أهل حروراء؛ لعاقبت مواطنيها من السنة والشيعة.. وهكذا...فالعقيدة شيء والقضاء شيء.
وأقصد بالعقيدة هنا، فكر المجتمع وفلسفته، ولا أقصد الأحكام الشرعية؛ فالأحكام الشرعية من القرآن والسنة الجامعة لا تعاقب أصلاً على الأفكار؛  وكذلك الآراء في الرواة والعلماء والرموز والتيارات والدول .... لا عقوبة شرعية فيها؛ فالقضاء موضوعه (الفصل بين الناس؛ وليس الفصل في الأفكار).
وللقضاء تعريفات كثييرة تدور حول هذا؛ فالقضاء  وفق  التعريف الحنبلي - كما  النظام القضائي ص 13 - هو (الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات).. أي؛ حكم القاضي بحكم لجرم ثبت عنده؛ من قتل أو جرح أو قذف أو سرقة أو زنا الخ؛ وفصل خصومات الناس من طلاق وميراث ونكاح ورشد وسفه الخ.. العقيدة أخرى؛ العقيدة كلمة عامة؛ يدخل فيها الحق والباطل، اليقين والوهم؛ ليس مجالها التقاضي؛ إنما مجالها  الحرية والفكر والبحث والحوار الذي عليه سائر البشر؛ ولذلك؛ فالقول بأن لله ولداً؛ هو أعظم عند الله من القول بأن هذا الصحابي كافر أو منافق أو ظلم  ..الخ، فلا حكم ولا قضاء في هذه الأفكار .فلا يجوز لدولة شيعية محاكمة سنة يقولون بكفر أبي طالب أو كفر والدي النبي؛ لأن هذه قناعة وثقافة موضوعها الفكر؛ وليست جناية مادية تتعلق بالقضاء؛ ولا يجوز لدول سنية محاكمة من يقول بالعكس؛ أو بمثل هذا في صحابة آخرين ... ولا للإباضية محاكمة من يرى ضلال أو نفاق صحابة شاركوا مع أهل النهروان..
وكذلك الآراء في تقييم الفقهاء والعلماء والأحزاب؛ من هذا الجنس؛ هي موضوعات فكرية وثقافات وقناعات لا دخل لها بالقضاء ولا دخل للقضاء بها.
نعم؛ ربما تتعلق بالقضاء في حالات نادرة؛ مثل التحريض الذي قد يدفع بعض الجهلة للاستجابة وارتكاب جرائم  واغتيالات - كما حصل مع فرج فودة وغيره - فالذي يمكن أن يُطلب للقضاء ويتم منعه من الآراء الحادة؛ هم رموز الأغلبية؛ وليس رموز الأقلية؛ فحماية الأقلية من التعدي هو الطبيعي؛ لا العكس.
بمعنى؛ قد يتقدم ممثل أو فنان بدعوى ضد فقيه لأنه كفره وشكل عليه خطراً جنائياً؛ ولا يُقبل العكس؛ لأن رأي الفنان أو الممثل لا يشكل عليه خطراً؛ ولذلك؛ فمهمة القضاء هي عكس ما يتوقعه الغلاة - يتوقعون أن القضاء لهم؛ يضربون به من خالف أفكارهم – كلا؛ الخطر الجنائي منك ومن جمهورك؛ لا من ناصر.
القضاء مع الضعيف ضد القوي؛ مع المظلوم ضد الظالم؛ مع الضحية ضد الجلاد؛ مع قلق الأقلية ضد طغيان الأغلبية.. وهكذا.
هذا هو القضاء.
وعلى هذا؛ فالقضاء العادل هو على الضد مما تريده أغلبية المجتمع؛ فعلم الاجتماع يقرر بأن الأغلبية تميل نحو التعدي؛ وأن الأقلية تميل نحو التعايش. والقضاء الإسلامي - عبر العصور - تأثر بطغيان الأغلبية؛ فتم قتل مفكرين وفلاسفة وعلماء بعد تكفيرهم؛ ولو أنصفهم القضاء؛ لحاكم هؤلاء المحرضين المكفرين.


مواضيع أخرى:
لمطالعة "حسن المالكي ضحية التشفي والانتقام" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "شراسة حماة العقيدة!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة " أيها الإسلاميون.. اتركوا الحكم!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الإسلام والعلمانية والمذهب!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الله ليس حاكماً عربياً وهذا هو الشبه بين زرادشت والرسول" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "العلمانيون والدواعش!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "التجرد والتجديد.." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الكلمة السواء!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "حدود الله .... وحدود النواصب !"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "قراءة في كتب العقائد - المذهب الحنبلي نموذجاً-بقلم: محب النبي"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1617
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28