• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : استراحة = ذكريات الدراسة! - الجزء الثاني .

استراحة = ذكريات الدراسة! - الجزء الثاني



                    استراحة = ذكريات الدراسة!
                            الجزء الثاني



لمطالعة "استراحة = ذكريات الدراسة! - الجزء الأوّل" على هذا اللرابط «««


بدأ تشكلي في حب التاريخ من ذلك الوقت؛ وخاصة كتاب رجال أنزل الله فيهم قرآناً؛ الذي التف عليه الأخوان بكتاب: صور من حياة الصحابة فيما بعد.

كنت قد كتبت الجزء الأول عن أساتذتي في المرحلة الابتدائية؛ وانتهيت عند استاذنا راشد أبو صيدة:
http://store1.up-00.com/2015-12/1449603566861.jpg

الاستاذ راشد محمد عمر أبو صيدة من الاساتذة الناجحين جداً؛ درسنا من الصف الرابع ابتدائي؛ من عام 1398 تقريباً.
أذكر أول ما رأيناه في طابور الصباح؛ واقفاً مع الاساتذة؛ متأملاً؛ بابتسامة رضا خفيفة؛ استصغرناه؛ وكان بعض زملائنا يزعم أنه يستطيع أن يضربه! ولو تم العودة لارشيف مدرسة القعقاع مثلاً؛ لأمكن لطلاب ذلك الوقت؛ اساتذة اليوم؛ أن يحددوا اليوم الذي رأوا فيه هذا الاستاذ أو ذلك.
في المرحلة الابتدائية كان الاستاذ راشد ثالث ثلاثة لن ينساهم طلاب (فصل أ)؛ وهم: أحمد عمودي -  كتبت عنه؛ وراشد أبو صيدة؛ وأحمد خلف - سوري الجنسية.
كان الاستاذ راشد شجاعاً رغم صغر سنه وجسمه؛ شأن جحدر بن ضبيعة بن قيس  البكري؛ المشهور في حرب البسوس يوم تحلاق اللمم! وقد بخسه مسلسل المهلهل؛ وكان الاستاذ راشد؛ لضربه بقسوة ولصغر جسمه؛ فقد تآمر على ضربه زميلنا سالم أحمد جبران وآخرين؛ بحيث يتم ضربه ليلاً في طريقه إلى بيته! كمن له زملاؤنا الثلاثة في أسفل ذاري القهبة؛ وعلم الاستاذ راشد بالأمر؛ فلم يغير طريقه؛ وتفاجؤوا به في وجوههم مقبلاً غير مدبر؛ وبلا أي سلاح!
وصل وسلم عليهم وصافحهم وسألهم عن تواجدهم ليلاً في ذلك المكان؛ ووبخهم في ترك المذاكرة؛ فجبنوا وانقمعوا؛ وكأنهم  أصحاب العقبة أمام حذيفة!
في صباح اليوم الثاني استخرجهم وضربهم ضرباً لم يعهدوه من قبل! وحسم الاستاذ راشد هذه المادة؛ وفقأ عين الفتنة؛ وشرد بهم من خلفهم !
ههههه
كان الاستاذ راشد؛ إذا شرح الدرس مرة واحدة؛ لم نحتج منه إلى شرح ثانٍ أبداً؛ درّسنا القواعد والرياضيات والتجويد والعلوم. كان الاستاذ راشد يحترم من يحترمه ولا يرحم من استخف به؛ وكان كريماً خلوقاً؛ يفرض احترامه على الكبار والصغار؛ وكان صديقاً لوالدي بعد ذلك.
استأجر الاستاذان - راشد وعلي محبوب -  بيتاً منفرداً؛ وأثثوه اثاثاً غريباً يومئذ؛ وجلبوا معهم (ماطور كهرباء)؛ فأحدثوا نقلة نوعية؛ وكانوا حديث الناس.
كنا نزورهم أفواجاً لنتفرج على ما أسموه ثلاجة وغسالة وتلفزيون؛ وفي خارج البيت دائرة كهرباء ملونة؛ وسطها تمثال عصفور يغرد؛ ونسمعه عن بعد! ولا أنسى ذلك اليوم الذي اشترى منهم أخي عبد الله - بعد نحو سنة - ذلك الماطور بعصفوره ودائرته الكهربائية الملونة؛ كان كيوم بدر لأهل المدينة!
الاستاذ راشد محمد عمر أبو صيدة كالأستاذ أحمد عمودي وآخرين؛ يقومان بخدمة كبار السن في المعاملات الحكومية بتهامة؛ وكانوا خيراً للجميع؛ وكان الاستاذ راشد يتنبأ لي بمستقبل كبير؛ بسبب أنه - فيما ذكر لي - كان لا يزورنا إلا وفي يدي كتاب؛ والآخرون ليسوا كذلك! وكان يحثني على ذلك.
كنت استعين بالاستاذ راشد في الاستعارة من مكتبة المدرسة؛ منها الأدب الصغير والكبير لابن المقفع؛ وبعض أجزاء من البداية لابن كثير؛ وسلسلة كتب (رجال أنزل الله فيهم قرآناً) لعبد الرحمن عميرة؛ وكليلة ودمنة؛ ومدينة العجائب (رواية في فلسفة ابتداء الشرور) ؛ وغيرها من الكتب.
بدأ تشكلي في حب التاريخ من ذلك الوقت؛ وخاصة كتاب رجال أنزل الله فيهم قرآناً؛ الذي التف عليه الأخوان بكتاب: صور من حياة الصحابة فيما بعد.
كان كتاب عميرة (رجال أنزل الله فيهم قرآناً) من الكتب المؤثرة في توجهي نحو التاريخ؛ وكانت سيرة عمار بن ياسر فيه مفيدة في تقييم الفتنة؛ وكان أخي أحمد زميلي في الصف؛ إلا أنه أكب على كتاب كليلة ودمنة فقط. طبعاً لا ننسى فضل الاستاذ أحمد عمودي؛ فهو من حرضنا على القراءة بقصة الزير.
لبث معنا الاستاذ راشد من الصف الرابع إلى السادس؛ أي إلى عام ١٤٠٠ هج- ١٩٨٠ م؛ ثم انتقلنا للدراسة في متوسطة الداير؛ وانتقل هو أيضاً.
كان الاستاذ راشد أهلاوياً معتدلاً؛ وشاهدت معه - عند جارنا العم سلمان حسن - مباراة السعودية والعراق - ١٤٠١؛ ضمن تصفيات تمهيدية لكأس العالم؛ وكان قائد منتخب العراق يومئذ اسمه حسن فرحان؛ فكان الاستاذ راشد يقول :اسمع؛ عندهم حسن فرحان! وكنت اشعر بنشوة مع نطق سليمان العيسى للاسم.
أحضر الاستاذ راشد زينة لفصلنا - أوراق طويلة خضراء وبيضاء يتم لفها حول بعضها - فحرضنا عليه أحمد عمودي (الانحادي)؛ وقال هذا يلبسه البنات! فشكونا له ذلك؛ فحلف أنه ليس صحيحاً؛ وطالبنا أن نسأل الشيخ سلمان حسن؛ شيخ قبيلة آل أحمد- وكان أهلاوياً أيضاً -  وكلهم ضد أحمد عمودي!
طبعاً؛ لم نكن نعرف لون نادي الأهلي ولا غيره؛ فالتلفزيون أسود وأبيض؛ إلا أن هذه القصص تعكس طبيعة المناكفات المازحة التي هي ملح العلاقات.
ذكريات الدراسة الأولى لا تنتهي؛ وقد أكتب أجزاء لاحقة؛ من باب الذكريات والوفاء لهؤلاء المعلمين؛ الذين كان لهم الفضل السابق في نور المعرفة؛ وبما أنه احتمال أن أنسى؛ أو أنشغل؛ نحب أن نؤكد على أنهم لم يكونوا جميعهم في ذلك الزمن الجميل على هذا النمط الناجح من الاساتذة؛ فقد كان فيهم من يتعمد الظلم في الدرجات؛ ومن يتعامل بحقد غريب مع طالب معين؛ والسيء في طريقة التعليم ونحو ذلك؛ إلا أن الناجحين كانوا أكثرية؛ ومن الناجحين - غير من سبق ذكره - المعلم السوري أحمد خلف؛ كان موسوعياً ذكياً؛ وفي المتوسطة المدرس السوداني هاشم هارون - وزير سوداني لاحقاً - ومما يؤسف له أن المدرسة لم تكن تحتفظ بصورة جماعية نهاية العام للمدرسين والطلاب؛ ولا يُعرف جمال الذكرى إلا مع مرور الزمن.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1290
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28