• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : مسكين هذا الإنسان! .

مسكين هذا الإنسان!



                              مسكين هذا الإنسان!



من استحوذ عليه الشيطان رفع له الدنيا بلبوس الآخرة؛ وأنساه الأخرة التي يظنها دنيا؛ من الدخول في السلم وحب الخير للناس؛ عقّد عليه فهم القصة!

قد تأتي كربة ليس بعدها تنفيس؛ لكن لا يأتي سرور إلا تبعته كربات؛ فالأفراح لا تدوم؛ ولو لم يبق إلا الموت لكفى قلقاً وهادماً لكل لذة؛ دنيا مرهقة.
فكر في أقصى نعيم يمكن أن يتمتع به الشخص في الدنيا؟!
بمعنى؛ لو امتلك المليارات؛ فما هي نهايته؟!
إنه المرض؛ ثم الموت!
دار غرور؛ سكرة مارة.
ذكر الموت يجعلك ترى الأمور في حجمها الطبيعي؛ ترى تفاهة الدنيا؛ إنه الموت! ما أقساها من نهاية بعد كل هذا الضجيج! معقول أن الموت هو النهاية؟!
علمت اليوم بوفاة استاذنا زين العابدين الركابي -  قبل أشهر؛ وهكذا؛ قد يموت من كان بينك وبينه مودة وبساطة قبل أشهر؛ وربما سنوات؛ وأنت غافل عنه! من ماتوا كانوا بيننا؛ كانوا مثلنا هكذا؛ نتواصل ونتلاقى؛ ونتبادل الأفكار؛ ويحب بعضنا بعضاً؛ ثم ماذا؟! إنه الموت! تلك الحقيقة التي لا مفر منها!
مسكين هذا الإنسان! يفرح ويدرس ويتوظف ويتزوج ويسكن ويأنس بالقريب والصديق ويترك أثراً وذكرى في قلوب الكثير وعقولهم؛ ثم يرحل نهائياً؛ وبلا رجعة! هي الدنيا؛ غرور حائل دون معرفتها؛ وظل زائل عن جوهرها؛ حتى إذا أنس الآنس؛ قمصته عن المستَحَق؛ وقنصته بالأدواء؛ وأعقلته المنون؛ وقادته إلى المكاشفة.
ذكر الموت ليس للنكد والأحزان؛ إنما لنتعلم رؤية الأمور في حجمها الطبيعي؛ ولا نغتر بالغرور: (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً).
من استشعر النهايات تورع في البدايات؛ وأحسن المسير؛ ولم تفتله فاتلات الغرور؛ حقيقة الموت واستشعارها من وقت لآخر؛ يوطّن النفس على الجميل.
جنّب الأطفال ذكر الموت؛ دعهم يفرحون؛ ولكن ذكّر به الكبار حتى يتداركون؛ قل لنفسك ولهم: خلاصنا في القلب السليم؛ فتعاهدوه:
{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)ْ} [سورة الشعراء]
والإيمان باليوم الآخر يعني الاستشعار لا الاعتراف؛ ولو استشعر الناس لما تظالموا؛ من استشعر الآخرة هانت عليه الدنيا؛ ولم تفتله فاتلات الغرور.
الموت يقول لنا كل يوم:
لماذا تستغرب؟ الدنيا فسحة قريبة و(الحياة في مكان آخر)! ((وللآخرة خير لك من الأولى))؛ فاعمل لها عملها؛ لا يغرك الناس؛ من تذكر الموت لم يبع دينه ولا نفسه! وتعساً لمن أشرط نفسه وأوبق دينه؛ لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده؛ أو منبر يفرعه - كما وصف الإمام علي -  لأن هناك غفلة عن الموت؛ يجري كل ما ترون؛ من فراغ الأفئدة؛ والتلهف للجريمة؛ والشغلة بالعلو والرفعة؛ كل هذا الهوس والفساد لأجل هذه الدنيا؛ لا تظنوا أن ذكر الموت بلا فائدة؛ بل الغفلة عنه هي من تقود أهل الغرور للعنجهية والفرح بالدماء والتطبيل للمعصية الخ؛ لماذا؟
لأن هذه متعة العلو؛ قد يكون صاحب الدنيا من أزهد الناس في المأكل والمشرب؛ لكنه من أكثرهم حباً للعلو والرفعة والذكر بالثناء الحسن من العاقل والبليد. هذه هي الدنيا؛ الدنيا التي يحذر منها القرآن ليست التوسع في الطيبات من الرزق؛ إنما ما ترونه في أهل الدين؛ من الكبر والعلو وحب التمكين الخ؛ هذه هي الدنيا الخفية؛ الشيطان حصر الدنيا في المأكل والمشرب؛ وأغفل تلك الدنيا التي يتقاتل عليها الناس: العلو؛ الكبر؛ الظهور على الخصم؛ التمكين.. خلاصتها: (أنا خير منه(!.
الشيطان يقنع صاحب الدنيا (الخفية) بزخرف الأقوال غروراً؛ وأن ما تفعله أعمال (حقيقتها جرائم) هي لأجل الله؛ لأجل دينه؛ لأجل عزة الإسلام.. الخ
غرور!
من استحوذ عليه الشيطان رفع له الدنيا بلبوس الآخرة؛ وأنساه الأخرة التي يظنها دنيا؛ من الدخول في السلم وحب الخير للناس؛ عقّد عليه فهم القصة!
المعرفة نور؛ هي التي تكشف الشيطان ومكره وتزيينه؛ وأول المعارف الحقائق البدهية؛ فاستذكرها كثيرا؛ وستجد نفسك أكثر تقوى وأبعد عن الغرور.
الخلاصة:
ليس هناك لفظة في عقول المسلمين إلا ومعناها مختلف في القرآن؛ من الاسلام الى الشرك؛ ومن الدنيا الى الاخرة؛ فهناك لغتان لا لغة واحدة؛ هذا الإنتاج الثقافي الشيطاني المتدرج عبر التاريخ هو الذي لا يجعلنا الآن لا نفهم بعضنا؛ هناك لغة أخرى لجميع الألفاظ المهمة التي تخطر على بالك.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1259
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28