• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : هل أنتج الإسلام الظاهرة النفاقي - حوار مع إياد جمال الدين - القسم الثاني .

هل أنتج الإسلام الظاهرة النفاقي - حوار مع إياد جمال الدين - القسم الثاني



هل أنتج الإسلام الظاهرة النفاقية؟!
  - حوار مع إياد جمال الدين  -
            القسم الثاني



إن تسبيب النفاق بالخوف من السلطة فقط غير صحيح؛ حالات النفاق أشمل؛ قد يكون المنافق تابعاً للأقوى؛ وقد يكون معارضاً له. ولا يشك عاقل أن قريشاً  معروفة بالمكر- وسجل ذلك القرآن - ولا أقل من أن تكلف من يتظاهر بالإسلام؛ ويدخل في الجماعة المسلمة لينقل لهم الأخبار. ولكن لأن قريشاً حكمت فقد استكملت مكرها وألصقت النفاق بالأنصار فقط.


لمطالعة موضوع "اهل أنتج الإسلام ظاهرة النفاق؟! - رداً على د إياد جمال الدين- الجزء الاول!" على هذا اللرابط «««



أوضح الأخ إياد  في تغريداته الأخيرة أنه لا يرى أن الإسلام نفسه؛ ولكن بما أن قوله في قناة العربية يفيد هذا من باب سوء فهم المتلقي - على الأقل - فسأناقش هذه المسألة كما وعدتكم على أساس أن هناك من يقول بها؛ لذلك فلا أحمل هذا القول للأخ إياد، وإنما سأجعله رأياً علمانياً عاماً؛ وأقول مستعيناً بالله:
1- النفاق سلوك أنساني عام، في كل زمان ومكان.
2- النفاق لفظة قرآنية خاصة؛ لم تكن؛ كلفظة؛ موجودة في الجاهلية، وهي مأخوذة من نفق اليربوع؛ كما أجمع أهل اللغة؛ ومن هذا المعنى أتت لفظة النفق.
3- المنافق من نافق، وفي اللفظة مفاعلة،  كأنه يذهب ويرجع من هذا النفق لا يستقر داخل النفق، وكل مرة يظهر من احدى الفتحتين، وقد تكون أكثر.
يقول  ابن سيدة (6/ 448) (والنفاق: الدُّخُول فِي الْإِسْلَام من وَجه، وَالْخُرُوج عَنهُ من وَجه آخر، مُشْتَقّ من نافقاء اليربوع، إسلامية) وقال ابن الأنباري-  (26/ 432) معللاً هذا الاشتقاق: لتَسْمِية المُنافق مُنافِقاً ثَلاثَة أقْوال:
أَحدهَا: أنّه سُمّي بِهِ لأنّه يسْتُر كُفرَه ويُغيِّبه، فشُبِّه بِالَّذِي يدْخُل النَّفَق، وَهُوَ السَّرَبُ، يسْتتِرُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنه نافَقَ كاليَرْبوع، فشُبِّه بِهِ؛ لِأَنَّهُ يخْرُج من الْإِيمَان من غيرِ الوجْه الَّذِي دخَل فِيهِ.
والثالِث: أنّه سُمّي بِهِ لإظهارِه غيرَ مَا يُضمِر، تشْبيهاً باليَرْبوع.
انتهى كلام ابن الأنباري (والنقل عنه من تاج العروس للزبيدي).
والخلاصة:
أنك لتعرف السر في هذا الاشتقاق لابد أن تعرف سلوك اليربوع وأنفاقه؛ والمعنى القرآني للنفاق أشمل وأدق؛ ويحتاج لبحث الاشتقاق الأصغر فيه - على الأقل ( مادة نفق) -  أما أهل اللغة فلا يستوعبون المعنى؛ ولهم أوهامهم.
لكن لنقفز لبعض سلوك المنافقين في القرآن؛ وسنضم إليهم فروعهم القريبة منهم؛ كالذين في قلوبهم مرض؛ والمتربصين والمرجفين الخ؛ وأحياناً الوصف فقط؛ وأقصد بالوصف كقوله تعالى في سورة هود ( المكية):
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) } [هود: 5]

هذا وصف لحالة نفاق؛ فما معناه؟
الآية تتحدث عن منافقين في العهد المكي؛ يسرون ما لا يعلنون؛ وهذا منتفٍ في المشركين الأصليين لأنهم يجاهرون بعداوة النبي وتكذيبه، أعلانهم واحد؛ كأن هؤلاء المنافقين - الذين جاءت صفتهم فقط - كانوا جالسين بين كفار قريش بجوار الكعبة؛ فإذا رأوا النبي آتياً (يثنون صدورهم ليستخفوا منه)! ثم (يستغشون ثيابهم) مبالغة في التخفي؛ والمعروف من خلق النبي أنه لن يذهب إليهم ليرفع الثياب من على وجوههم ليعرفهم؛ هذه حالة نفاقية لا كفرية.
لاحظ سلوك هؤلاء المنافقين - ورد هنا  الصفة فقط لا اللفظ -  أنهم يسرون ما لا يعلنون؛ وهم جماعة أيضاً؛ وهذا أيضاً رد على من يقول لا نفاق في مكة؛ ويمكن معرفة صفة أخرى من صفات هؤلاء المنافقين في سياق الآيات؛ وقد يفهم المتدبر أن هؤلاء مكلفون من قريش باختراق النبوة وإظهارهم الإسلام! فليس للنبي سلطة في مكة  ليكون له أثر في ظهور هذا النفاق كما قال الأخ إياد ، وإنما هو سلوك نفاقي على عكس المشهور، أي نفاق يتبع القوة.
والدول - التي هي الأقوى - قد يخترقون الأحزاب؛ وهي الأضعف؛ فيجعلون في منتسبيها من يتبع القوي لا الضعيف؛ فهذه حالة نفاقية كثيرة الوقوع.
والخلاصة؛ أن تسبيب النفاق بالخوف من السلطة فقط غير صحيح؛ حالات النفاق أشمل؛ قد يكون المنافق تابعاً للأقوى؛ وقد يكون معارضاً له. ولا يشك عاقل أن قريشاً  معروفة بالمكر- وسجل ذلك القرآن - ولا أقل من أن تكلف من يتظاهر بالإسلام؛ ويدخل في الجماعة المسلمة لينقل لهم الأخبار. ولكن لأن قريشاً حكمت فقد استكملت مكرها وألصقت النفاق بالأنصار فقط؛ وأهمل الناس ما صرح به القرآن، ولعل أكثر آيات النفاق في قريش؛ حتى المدنية؛ ففي سورة الممتحنة في أولها - وهي مدنية - آيات واضحة الدلالة على أن المراد بهم منافقي قريش لا الأنصار، في إسرارهم بالمودة للذين أخرجوهم!
الإسرار بالمودة؛ من بعض قريش المدينة؛ لقريش مكة هو نفاق؛ وهؤلاء يدخل ونفي (الذين آمنوا) من حيث المكان، ولكن المودة للذين أخرجوهم من ديارهم. ولعل وضوح الآية في منافقي قريش قد جعلتهم يحصرون هذه المجوعة في فرد واحد من أحلافهم؛ واعتذروا بأنه إنما يريد إرسال رسالة لأنه لا عشيرة له! وكأن أصحاب العشائر  القرشية لا يصدر منهم النفاق ولا الإسرار بالمودة؛ أما عشائر الأنصار فيحدث من زعمائهم الكبار!
هذا ابن أبي رأس الخزرج! ومثله أبو عامر الراهب (رأس الأوس؛ هذان كانا منافقين؛ وهم أرباب عشائرهم؛ فكيف لا يكون من عشائر قريش منافقون؟
النفاق له أسباب شتى؛ كالحسد مثلاً؛ بل أبناء العشائر أقرب لاحتمال النفاق من الأحلاف والموالي؛ لأنهم منافسون؛ بل كانت العصبية سبب كفر عشائر قريش؛ فكيف لا تكون من أسباب النفاق؟ بل ورد النفاق صريحاً بالاسم والوصف في سورة العنكبوت؛ وهي مكية!
قال تعالى:
{(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ  فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا معكمْ أَوَليْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بما في صدُورِ العَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذينَ آمنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنَافِقِينَ(11)}
فليس صحيحاً ما يظنه البعض بأن النفاق كان في المدينة، وفي الأنصار فقط؛ وأن قريشاً خالية منه؛ قبل الهجرة وبعدها، قبل الفتح وبعده؛ كل هذه أوهام؛ والفتنة المذكورة في الآية هي الخروج عن الدين؛ كأنهم أسلموا ثم لما تعرضوا لتعذيب أو مضايقات تركوا الدين؛ ثم مع نصر المؤمنين سيعودون..
هذا نفاق.
وهذه الآية خطيرة جداً! وهي في سلوك كثير من المسلمين اليوم؛ يتخلى عن دينه كله؛ خلقاً وعلماً؛ ولو لم يتعرض لتعذيب؛ وكم من منافق لا يعلم نفاقه.
والفائدة في هذه الآية أن الذي أنتج هذا النوع من النفاق هو الكفر لا الإسلام؛ فالكافرون هم الذين عذبوا هؤلاء حتى وقعوا في النفاق
وفي مكة!
والخلاصة:
أن السلوك النفاقي موجود في كل الأمم؛ وفي الجاهلين؛وأن كفار قريش أنتجوا النفاق بمكة؛ إما بالمكر أو بالتعذيب أو الإغراء الخ؛ بل في بعض المهاجرين منافقون؛ وهم الذين هاجروا  (لدنيا يصيبونها)؛ كما في صحيح البخاري وغيره؛ وكلمة دنيا لا تتنافى مع الإختراق القرشي.
كل من هاجر لدنيا يصيبها قد يكون من أصحاب الاختراق القرشي، وقد يكون نفاقه ذاتياً، لعلمه بمصلحة ما، ولذلك هناك قيود قرآنية للهجرة والنصرة. ولذلك فالقرآن يقيد الهجرة بعدة قيود؛ مثل (إن كنتم خرجتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي) = الممتحنة، فهذه حاضنة قرآنية لحديث البخاري السابق . كما أن القيود في (النصرة = الأنصار) مذكورة أيضاً في القرآن؛ مثل ( يحبون من هاجر إليهم)؛ فالقرآن؛ وإن أطلق اللفظ؛ لكنه يقيده في أماكن أخرى. ومن أثر الثقافة القرشية علينا أننا نعقل جداً  أن نجد لفظة  (منافقي الأنصار)؛ لكن يصعب جداً على نفوسنا لو  وجدنا لفظة  (منافقي قريش)!
والفائدة هنا أن الأخ إياد سيجد أن بعض  النفاق انتقل إلى المدينة ولم ينتجه الإسلام ولا النبي محمد صلوات الله عليه، وفي سورة البقرة ما يدل على ذلك؛ ففي أول سورة البقرة - قبل إسلام منافقي الأنصار- كانت نحو عشرين في أولها في أوصاف المنافقين، وفي السياق ما يدل على قرشيتهم. لأنه في أول البقرة ذكر من أوصافهم (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً)؛ والمرض الأول مذكور في سورة المدثر؛ من أول السور المكية نزولاً.
فالنفاق من صنع نفسه؛ ولحق بالنبي؛ والنفاق صنعته قريش من قبل؛ والنفاق فعله بعض زعماء الأنصار؛ لا عن ضعف؛ فالإسلام حتى الآن بريء من إنتاجه.
مما سبق  تبين منه؛ لي على الأٌقل؛ أن النفاق ليس مسؤولية الإسلام؛ ففي مكة أنتجته قريش من باب اختراق الجماعة المؤمنة؛ وقد يكون أنتجه بعضهم ذاتياً؛ لحسد أو طمع؛ وهاجر ذلك النفاق مع الإيمان؛ ولكن لدنيا يصيبها. ثم كان في السنة الأولى الهجرية - كما في البقرة - وأثناء بدر (في السنة الثانية) كما في سورة الأنفال؛ وفي أيام أحد (السنة الثالثة) كما في آل عمران؛ وفي أيام الخندق (السنة الخامسة) كما في الأحزاب؛ وفي أيام تبوك (السنة التاسعه) كما في التوبة.. وهكذا في كل الفترات؛ حتى كان في آخر العهد النبوي (كما في المائدة).
كان النفاق يتوسع ويضلل ويأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويوقع الفتنة  الخ؛ فكان لابد من مواجهة معه؛ فكرية فقط؛ مع الاحتفاظ لهم بحقوق المسلمين. فماذا تريد أخي إياد من الدين أن يفعل؟
لم يقتل النبي من قال ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ولم يسجنه ولم يستتبه؛ وكذلك الذين استهزءوا بالله في تبوك؛ نعم المواجهة الفكرية معهم شرعية؛ وهي من البلاغ المبين والقول البليغ؛ كما كانواهم أيضاً يستهزؤون بالله وآياته ورسوله؛ مع ذلك وتبقى لهم الحقوق.
المشكلة أن الحكومات؛ في فترات لاحقة؛ بالغت في محاسبة الناس وسجنهم وقتلهم؛ ووضع لهم الوعاظ ما يشرعن لهم هذه الانتهاكات، وهذا باب واسع جداً.
واجبنا أن نأخذ متواتر القرآن ونرد به على تلك الأحاديث التي وضعوها على النبي؛ لا أن نقول أن الإسلام أنتج ثقافة النفاق؛ هي مواجهة فكرية فحسب..
طبعاً أشكر لك تصحيحك وإيضاحك؛ وإنما بعض تغريداتي مازلت متعلقة بالفهم الذي علق من كلامك للعربية؛ ولي كتاب حرية الاعتقاد؛ لعل فيه بقية الكلام.
وبالإحالة لكتابي ( حرية الاعتقاد) لا أرى ضرورة للتطويل؛ لا سيما أننا أطلنا معهم اليوم.
لمطالعة موضوع "الأصنام المعبودة في القلوب .... والحوصلة الحمراء!" على هذا اللرابط «««

لتحميل كتاب "حرية الاعتقاد في القرآن والسنه النبويّه" على هذا الرابط:
": لتحميل كتاب "حرية الاعتقاد في القرآن الكريم والسنة النبوية"pdf: بصيغة .

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1162
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29