• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : لماذا لا يتدخل الله؟! .

لماذا لا يتدخل الله؟!


ما زلنا في البداية؛ والكلام بلسان البشرية كلها؛ لمعرفة هذا الإنسان واختلافه وإمكاناته وغاياته وتناقضاته ومسؤوليته عن هذه الآلام وعلاجها؛ المستعجلون هم من أكبر أسباب آلام الإنسان؛ لأنهم يثبتون ينابيع الآلام ومصادرها؛ ويرون أن سبيل المجرمين هو الأمل المنشود!
لن ينخدع الله بهم.





لماذا لا يتدخل الله؟!
كثيراً ما يطرح الناس هذا السؤال؛ سراً أو جهراً؛ عندما يرون ظلم الظالمين وفتك المجرمين وكوارث الطبيعة.. الخ
الجواب ليس سهلاً؛ وقد كتب فيه من كتب؛ وحاول من أجاب؛ واهتم به عقلاء الفلاسفة وخلص المؤمنين؛ وليس من بأس أن نحاول طرح بعض الإجابات؛ وقبل الجواب (ولو كان ناقصاً أو غير مقنع للبعض) لابد من مقدمات يجب على الإنسان أن يفهمها تماماً ليعقل الجواب (إن كان هناك من جواب مقنع).
أول تلك المقدمات :
أنه يجب عليك أيها الإنسان أن تعلم أنك مخلوق أو مشروع مختلف؛ وقد زودك الله بما تستطيع به أن تكون سعيداً في هذه للأرض؛ وأن كل شر يحدث للإنسان إنما هو من الإنسان (سيأتي مناقشة الكوارث الطبيعية)؛ ولكن سنبدأ بمعظم الشر، فمعظمه؛ بل كله؛ من الإنسان نفسه؛ الإنسان مخلوق مختلف؛ أسجد الله له ملائكته؛ ومنحه العقل القائد؛ وألهمه الفطرة السليمة؛ ثم دعمه بالنبوات والعبر؛ وترك له استعمال كل هذا لينمو.
الإنسان مخلوق مختلف!
لو كان الله يريد أن يدلل الإنسان لتركه في الجنة وغفر لآدم زلته وأسعد ذريته وأبقاهم هناك؛ بلا دنيا ولا تعب ولا يحزنون.
أنت أيها الإنسان مشروع مختلف؛ نوع جديد من المخلوقات؛ سبقك الملائكة والنبات والحيوان والجماد.. الخ
انت مختلف؛ مختلف تماما؛ لابد أن تعرف هذا أولاً!
اعرف أيها الانسان أنك مخلوق مختلف لتعي المطلوب منك؛ اعرف معنى أنك نوع جديد من المخلوقات؛ أنت جديد! فاستعد لسماع إرشاد الله؛ واستعن بما منحك؛ ذكر نفسك بكونك مخلوق جديد؛ خلقك الله لمهمة مختلفة؛ اترك الآن مساءلة الله (لماذا خلقك؟). هذا موضوع آخر؛ ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب)؛ لا ينفع الآن أن تتساءل: لماذا خلق الله الإنسان؟
أنت مخلوق وخلاص؛ فافهم أنك مخلوق لا كالمخلوقات؛ هذه أهم المقدمات البسيطة التي يجب أن تعيها؛ لك الحق أن تسأل أي سؤال؛ ولكن بعد إدراكك لهذه المقدمة، والحقيقة المعلومة اضطراراً التي تقول أنت مخلوق مختلف، وهي جزء من الجواب على أي سؤال.
الشيطان يريد منك المرور السريع على هذه المقدمة البسيطة والضرورية والمحورية ؛ مثلما قد يشغلك حاسدك بوصف الطريق لينسيك السؤال عن بدايته! ستلاحظ لاحقاً أن عدم الالتفات لهذه الحقيقة البسيطة يتسبب في كل متاعب هذا الإنسان؛ والعجلة فرع كبير من فروع الكبر؛ وترك الكبر بداية الهدى..
أنت مخلوق مختلف؛ أنت نوع جديد من المخلوقات؛ الملائكة أعبد منك؛ والجبال أقوى منك؛ والديناصورات أضخم منك؛ انتبه!
اهدأ.

تذكر دائماً (أنت مختلف)!
عندما تكون مستجداً؛ في جامعة؛ أو كلية شرطة؛ أو أي وظيفة؛ فأنت تستوعب أنك (جديد) على هذا المكان، وتشحذ فكرك لمعرفة واجباتك؛ أليس كذلك؟
طيب؛ أنت في هذه الدنيا لست (مستجداً) فقط! أنت مخلوق مختلف تماماً؛ لك ما في هذه الأرض؛ ومعك أدوات عمارتها؛ وبعد أن أسجد الله لك ملائكته!
لو اشتغلت الدول والناس بفكرة (أنك أيها الإنسان مخلوق جديد؛ كرمك الله بسجود ملائكته وبث فيك الروح ( العقل) فما العمل)؟
لزالت أكثر الآلام!
لأن هذا التساؤل في حد ذاته؛ فيه تواضع وتوسيع للعقل؛ واستعادة لمساحة الفطرة؛ واستعداد للتغيير؛ وتلهف لإلهام هذه الفطرة وارشاد هذا العقل.
المقدمة الثانية سيعرفها البشر من المقدمة الأولى؛ فإذا علم الإنسان أنه مخلوق مختلف؛ ومهم جداً لدرجة أن الله أسجد له ملائكته؛ فهذا أول الجواب؛ بمعنى أنه سيخفف من الأسئلة، كسؤال:
لماذا لا يتدخل الله في نصرة المظلومين ورفع الآلام.. الخ؟
هذه ستتراءى له إجاباتها من بعيد!
كيف؟!
سيأتي؛ سيحضر بعض الجواب وهو:
أنت مخلوق مختلف؛ لست مخلوقاً مدللاً ليدافع الله عن ظلمك لعقلك وضميرك؛ لن يدافع عن سكوتك وسلبيتك.. الخ؛ هذه أشرارك أنت!
كما قلت: هذا بعض الجواب وليس كل الجواب؛ سنحفر في المزيد من الإجابة؛ أول مطلوب منك ألا تستعجل.. اهدأ؛ فهذه الآلام نتيجة العجلة؛ وهي فرع الكبر.
نعيد:
أنت مخلوق مختلف؛ زودك الله بالفطرة والعقل قبل المدد بالرسالات؛ والرسالات تفضل من الله وليس واجباً عليه؛ فالفطرة والعقل كافيان للسعادة؛ وبما أن الإنسان يستطيع بالفطرة والعقل والجوارح أن يحقق السعادة فإضعافهما يجلب الشقاوة.
إذاً فالأشرار نتيجتك أنت أيها الإنسان، وعليك علاجها؛ ولكن الله يعلم أن الإنسان سيغريه الشيطان بالعداوة والبغضاء والحسد والعصبية؛ وسيسبيح لها الإنسان الكذب والقتل والاستيلاء على الحقوق.. الخ؛ ولأن الإنسان مخلوق مختلف ومزود بأدوات البناء والنماء والتطور فعليه بناء منظومات حقوقية وأخلاقية ومعرفية تخفف هذه الآلام إلى حد افنائها؛ ولن يتم بناء المعرفة إلا لسد ثغرات الجهل؛ ولا بناء الحقوق إلا لسد ثغرات المظالم..
وهكذا.
وهذه الآلام أتت من تفريط الإنسان في تفعيل أدواته؛ الطريق طويل لهذا الإنسان ليصل الى القضاء المبرم على الآلام والمتاعب؛ وكلٌ مسؤول بنسبة معينة؛ فالأول يظلم واللاحق يبرر ويتبع؛ ثم يقول ما ذنبي؟
كلامنا الآن عن المتاعب الأكثر انتشاراً وظهوراً: قتل؛ تعذيب؛ فقر؛ جوع..الخ؛ ليس كلامنا عن النوادر من كوارث وإعاقات؛ لأن علاقة الإنسان هنا خفية.
نحلل الآن هذا الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس؛ هنا نحلل الواضح جداً؛ وفي فرصة أخرى سنناقش الحالات الاستثنائية من كوارث وإمراض.. الخ.
هذا الفساد في البر والبحر هو بما كسبت أيدي الناس؛ جلبهم لها العجلة في القفز على المقدمات؛ والذهول عن غايات الله في هذا الإنسان المختلف؛ وإذا لم يستجب الإنسان لغاياته بالعقل والفطرة والوحي – بالترتيب - سيعيده الله لها بالترتيب أيضاً؛ وبالغصب! كما تجري الان مراجعة ثقافة داعش!
تسبق الفطرة في المراجعة؛ ثم العقل؛ ثم الفكرة بالبحث عن الصواب في دين أو مذهب؛ وما ترونه من منظومات حقوقية وأخلاقية إنما أتت لمنع مظالم سبقت؛ وأدنى اطلاع على ثقافة الناس (وخاصة المسلمين) نعلم أن رفع آلام الإنسان ومتاعبه سيتأخر كثيراً؛ ربما لقرون؛ مازال الإنسان كاذباً جاهلاً متكبراً؛ بل من خلال اطلاعي على ردود الناس على هذا السؤال هنا - إلا ما ندر - تلحظ العجلة والكبر والإجابات القطعية الواثقة بجهلها مازالت السائدة؛ مثلاً يأتي أحدهم ليقول بسرعة: خلقنا الله لعبادته!
وهو لا يعرف معنى العبادة!
ولماذا فرض الله العبادة؟
وما هي الغاية من العبادة؟
وهكذا.
ما زلنا في البداية؛ والكلام بلسان البشرية كلها؛ لمعرفة هذا الإنسان واختلافه وإمكاناته وغاياته وتناقضاته ومسؤوليته عن هذه الآلام وعلاجها؛ المستعجلون هم من أكبر أسباب آلام الإنسان؛ لأنهم يثبتون ينابيع الآلام ومصادرها؛ ويرون أن سبيل المجرمين هو الأمل المنشود!
لن ينخدع الله بهم.
سيدفع الله بهم آخرين ويدفعهم بآخرين حتى يتعبوا ويتواضعوا ويكتشفوا جميعاً ضرورة العودة للفطرة والعقل والفكرة الصحيحة بمعاييرها الصحيحة؛ حتى الذي يقول : مالي دخل في هذه الآلام والمتاعب هو مستعجل؛ لو يتأنى قد يكتشف مشاركته في يعض هذه الآلام، ولو بالسكوت عن الحق!

لا تستعجل!
طبقوا على داعش مثلاً: هل تريدون أن ينزل الله عليها صيحة من السماء مباشرة؟
وأنت أيها المعارض لداعش ما دورك؟!
أين كان عقلك وعلمك ومالك؟
داعش مسؤوليتك أنت أيها الإنسان؛ أنت من أحببت قدوتها؛ وسوغت له؛ وطبعت الكتب؛ وبذلت الأموال؛ وأطلقت القنوات.. الخ؛  ثم تطلب من الله أن يتدخل؟!
الإنسان يزرع الأفكار والقنوات والشيوخ ويبذل للأموال والأقلام ..ثم يقول : يارب تدخل؟!
هذا إنسان مدلل؛ والله لا يحب هذا الدلال؛ تحمل مسؤوليتك؛ وعلى هذا قس.
آلام الجوع والفقر والتشرد والعذابات كلها؛ هي من هذا الإنسان؛ إما لسوء تفعيل للفطرة والعقل والفكرة؛ أو مداهنة وسكوت وخوف من البشر؛ لا ذنب لله في هذه الآلام كلها؛ هو ذنبك أنت أيها الإنسان؛ وتستطيع التصحيح.
لحظات التدخل الإلهي يختارها الله نفسه وليس أنت؛ هو أعلم بوقتها؛ الذي يصعب عليه هذا الجواب فليتخيل أن هناك جزيرة فيها نحو العشرة من الناس؛ لا أديان عندهم ولا مذاهب؛ هل يستطيعون العيش بسلام؟ وكيف؟
الجميع سيقولون نعم! إذا كانت قلوبهم وعقولهم سليمة؛ أي ليس فيهم من يريد الغلبة والتسلط.
ممتاز! وسعوا الدائرة شيئاً فشيئاً؛ وستعقلون الفكرة!
فإذا قال أحد: طيب والدين؟! هل يعيشون بالفطرة والعقل فقط؟!
الجواب:
أتت الرسالات وسيلة لتحقيق غاية القسط؛ أتت دعماً لهذا الإنسان لا لشقائه؛ فإذا قام ظالم باستغلال هذا الدعم الإلهي في مزيد من الشقاء فما دور الأفراد الآخرين؟!
هل يستحقون تدخلاً إلهياً أم يجب عليهم إيقاف الظالم؟
بالتصور البسيط غير المتكبر تدرك أن الإنسان مخلوق ليترقى؛ ليكتشف الأخطاء؛ ليوقفها؛ لتتطور معرفته وعقله وسلوكه؛ هو مخلوق لهذا؛ وهي العبادة. العبادة التي يدندن حولها بعض عبدة البشر هي أعلى وأكبر مما يحصرونها فيه
سمعك وبصرك وعقلك وضميرك وشعائرك كلها لله؛ ليست في شكل الشعائر فقط؛ مسألة خلق الشر شيء ومسؤوليتك عن التلبس به شيء آخر.

نكرر: أترك الدلع؛ أنت مخلوق مختلف؛ لك حرية وعليك مسؤولية؛ تختار وتتعلم وتقترب وتجتنب.. الخ.
الذي يشكو: لماذا خلق الله الشيطان! وما دخلك أنت بما خلق خارجك؟ لماذا لا تسأل عما خلق داخلك:
قل لماذا خلق الله لي إرادة وعقل وضمير وإنبياء؟! لا تكن مدلعاً تريد كل شيء على طبق من ذهب؛ تواضع؛ هذا الكبر لن يحل مشاكلك؛ أنت مخلوق بعقل وضمير وسمع وبصر وجوارح لترتقي بها.
يا أخي أنت مختلف؛ انت أيها الإنسان مخلوق لإمكانية الأضداد؛ أنت فقط يمكنك أن تصل إلى أعلى عليين عقلاً وروحاً وانتاجاً؛ ويمكن أن تكون مسخاً وفي أسفل السافلين؛ أنت مساحة مختلفة؛ مساحتك واسعة جداً؛ أفضل من الملائكة إن أردت
إلى أسوأ من الشياطين إن أردت؛ سرك الكبير في هذه الإرادة وأدواتها..
أنت مختلف!
إذا لم تشأ أن تفهم نفسك ومساحتك ودورك فهذا شأنك أنت؛ ولكن هذا تقصير منك في تفعيل هذه النعم التي أمدك الله بها؛ هي مسؤولية والعبث بها جرم؛ العبث بنعم الله - من عقل وفطرة الخ - يأتي من المستعجل؛ يخلط الأوراق؛ فلا يفهم حكمة الله ولا سنته في الخلق؛ فيسهم في آلالام الإنسان ويستبيح ذلك.
بعضهم يستهين بالمعرفة الإلهية ويتكبر عن التفكير الهاديء السليم؛ لدرجة أنه لو طبخ له أكلةً لما استباح ذلك الخلط الذي يفعله في معرفته بالله؛ ولذلك من ألحد بعجلة وكبر فهذه خلطته؛ كما أن من كذب على الله فقتل واعتدى وظلم فهذه خلطته؛ والضد متاح جداً؛ أنت حر!
لك إرادة وعليك مسؤوليتها!

سنتوقف هنا؛ ومعظم ما أراه من أسئلة مجاب عليها في هذا الموضوع؛ آمل القراءة بهدوء وصدق نية، قد نستكمل لاحقاً بعض التشعبات.


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1042
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19