• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : أبقوهم في إسلامهم... وأخرجونا من كفرنا! .

أبقوهم في إسلامهم... وأخرجونا من كفرنا!

جريدة الكويتية
الشيخ حسن فرحان المالكي


عندما تدعو ضيفاً لزيارتك، لابد أن تعرف بيتك أولاً حتى تدعوه إليه..
أما أن تدعوه لزيارتك وأنت لا تعرف بيتك أين هو؟، وليس معك مفتاحه؟ ولا تعرف المجلس من غرف المطبخ.. فالأفضل أن تؤجل دعوته لزيارتك حتى تحدد مكان البيت وتعرفه يقيناً لا شكاً.. وحتى تجد المفتاح وتميز بين المجلس والمطبخ وغرف النوم.. الخ.

أذكر قبل سنوات، أن إحدى الفضائيات طلبت مني التعليق على «تخريج دفعة جديدة من الدعاة»، فقلت: أول طلب لي لجهات الدعوة في العالم الإسلامي أن تتوقف عن الدعوة فوراً، فأبلغ الدعوة هو الدعوة للتوقف عن الكذب على الله ورسوله، (هذا بلا تعميم، فلكل قاعدة شواذ)، وأن يدخل الدعاة المتخرجون في دورات فلسفية للبحث الجاد عن «الإسلام»، حتى يستطيعوا بعد ذلك دعوة الناس لذلك الإسلام الذي وجدوه.. أما أن يدعوا الناس إلى دين لا يعرفونه إلا منكوساً، ولا يلبسونه إلا لبس الفرو مقلوباً، فهنا تكون الدعوة دعوة لغير الله، دعوة لذلك التشويه أن يزداد في هذا العالم.

بالطبع شرحت الموضوع وفرقت بين الإسلام الواقعي (البشري = التاريخي = السلطاني = المذهبي)، الذي فيه تعطيل محوريات الدين الكبرى من إهدار العقل ومحاربة الحرية وضياع الحقوق والتنكر للمعرفة.. وبين الإسلام الإلهي الذي يدور على عكس هذا كله.
لا يظن عاقل أن الاتحاد في اللفظ ينهي المشكلة..
لا يكفي أننا نقول نحن ننصر الصدق والعدل والحرية والكرامة.. إلخ.

الألفاظ لا تكفي.. واقعنا المذهبي والسياسي والاجتماعي يكذب ذلك.. إلا عند خواص من فئات وأفراد.. أما الواقع العام للشعوب العربية والإسلامية وحكوماتهم وشيوخهم ودعاتهم ومراكز بحوثهم وتعليمهم ومؤلفاتهم.. فالواقع ضد هذا كله.
لا تغتروا بالتوافق في الألفاظ، فالشرطة عندما تبحث عن مجرم اسمه «توفيق» مثلاً، فلا يصلح أن تأتي بأي رجل اسمه «توفيق» فقد يكون هذا الـ «توفيق» الجديد من أفضل عباد الله.

فاللفظ لا يكفي وإن تطابق اسم «توفيق» المجرم مع «توفيق» البريء.
والذي يعتذر عن الشرطة بأنها قد أحضرت «توفيق» وحبسته وستحاكمه، يكون غبياً، لأن الاسم مشترك لأكثر من شخص، وهي أمسكت بتوفيق البريء لا المجرم.
فنحن عندما نقول نحن مع «الصدق والعدل والحرية والكرامة»، فلا يكفي هذه الألفاظ الحسنة، ولابد من حقائقها..
تصوروا لو أننا نقدم الإسلام للعالم بصدق على أنه دين نصرة «الصدق والحقيقة والعدل، ومحاربة الفقر، ومنع كنز الأموال، وحماية حرية الاعتقاد، والسلم، والتعاون على البر والتقوى بين بني البشر بكافة أديانهم.. إلخ» هل سيوجد في هذا العالم من يقول : لا أريد هذا الدين؟!
إذن، فهذا هو الدين الأول، إسلام الله، والسلام. وهو موجود عندهم أكثر من وجوده عندنا، فلأي شيء ندعوهم؟! هم قبضوا على «توفيق المجرم» بعدل ونريد أن يقبضوا على «توفيق البريء» بظلم.

أما لو أن الدعاة - من حيث الجملة - يصدقون في عرض «إسلامهم الذي هم عليه» بأنه ذلك الدين الموجود في الدول العربية والإسلامية، صلاة وصوم مع ظلم وكذب، مع اضطهاد وفساد، مع تكفير وتفجير، سوء ظن، تحزب في الباطل، أجندات مصالح،.. إلخ فمن سيقبله؟!
لن يقبله أحد.. ولكن سبب دخول بعضهم في الإسلام أنهم يصدقون الخدعة الدعوية بأن المسلمين مع المبادئ السابقة، وأنهم لا يخضعون إلا للبرهان والعلم والمعرفة.. وأنهم ينشرون الصدق والعدل ويعملون على تحقيق ذلك.. فيصدق هؤلاء المساكين ويسلمون.. ثم نعلمهم الكفر بهذه المبادئ شيئاً فشيئاً، حتى تجد هولندياً أصفر أو بريطانياً أحمر أطلق لحيته ويكبّر وهو يقتل الأبرياء.
لا يجوز العبث بالناس إلى هذا الحد..
سيقول قائل: عرضك الأخير فيه ظلم.. فالدعاة الإسلاميون في القارات الخمس ينكرون الظلم والكذب والتكفير والتفجير وكنز الأموال ويأمرون بالعدل والمعرفة والإنصاف... إلخ.
نقول: ألم أقل لكم إننا مصرون على الكذب؟! حتى في ما بيننا نكذب.. ونحن نعرف الطاولة وما تحت الطاولة، فكيف سيكون كذبنا على الآخرين؟!

إذن، فلا يجوز أن ندعو إلى الإسلام حتى نكون صادقين حقاً، فالصدق عليه يدور الثواب والعقاب «هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم».
فالذين يخادعون الله والذين آمنوا إنما يخدعون أنفسهم.
أيها الأبناء والأخوة الحريصون على (إسلام الكفار):
جلُّ دينكم «الإلهي» هو العدل والعقل والمعرفة والأمانة والصدق والإنسانية.. إلخ، وجله موجود أصلاً عند من تأمرونهم بالدخول في الإسلام، فدعوهم في إسلامهم، ولا تخدعوهم وتنقلوهم لكفرنا الخفي وشركنا الأخفى وكذبنا الصادق وعدلنا الظالم وحقوقنا المهدرة وسلامنا الدموي وحبنا الحاقد.. الخ.
رجاءً اتركوهم في دينهم الفطري الإنساني التلقائي، فالإسلام دين الفطرة، دين النظر والتفكر والضمير والعقل والإنسانية والشفافية والحرية والعدالة.. إلخ، وهذه الأمور عند هؤلاء «الكفار» بحق وليس مجرد كلام.. هي عندهم لا عندنا، أو على الأقل مخزونهم منها أكثر بكثير من قيعاننا السرابية.

أبعدوهم عن تلك النسخة البشرية اللفظية الخداعة التي أهلكت الحرث والنسل والمعرفة والمبادئ كلها، بسبب كذبها على الله ورسوله وشرعه ومخادعتها لله وللذين آمنوا.
رجاء... ثم رجاء!
أبقوهم في إسلامهم..
ولا تدخلوهم في كفرنا.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=281
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18