• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : الغلاة.. تلك الفئة المثالية.. لتدمير التواصل الإنساني (1) .

الغلاة.. تلك الفئة المثالية.. لتدمير التواصل الإنساني (1)

الشيخ حسن فرحان المالكي
جريدة الكويتية

مثلما أطفأ الغلاة (نور القرآن) حتى أصبح لا يعتمد عليه في فكرة دينية ولا حادثة تاريخية ولا تقييم شخصية أو فئة، وتحول إلى مصدر ثانوي جداً ومهجور ومشوش عليه من أكثر من اتجاه..

فقد أطفؤوا أيضاً (نور السنة) حتى تشوهت صورة النبي صلوات الله عليه، وأُنتجت في ذلك الأفلام وطبعت المؤلفات، وأصبح المسلمون المنزهون للنبي بين نارهم المانعة من التجديد ونار المسيئين.
وأطفؤوا (نور العقل) حتى أصبح المسلمون أبلد الأمم وأقلهم مساهمة في العلوم والمعرفة والتكنولوجيا، وأطفؤوا (نور الهداة من أهل البيت والمتبعين للنبي صلوات الله عليه) حتى أصبح من يرتسم منهج الإمام علي في العلم أو أبي ذر في المال يكون محل تهمة وازدراء..
مثلما أطفأ الغلاة كل هذه الأنوار، فقد أطفؤوا (نور التواصل) من حوارات ومناظرات، وجمعوا في لغة التواصل كل العوائق التي تعيق فهم المسلمين بعضهم بعضاً، من خداع ومكر وكذب وافتراء وحلف على الكذب، واستغفال للعامة بألفاظ كبيرة، وتحذير الناس بعضهم من بعض وافتراض سوء النية ..إلخ.

كل هذه العوائق يهدفون منها عزل العامة عن مصادر النور كلها (قرآن، سنة صحيحة، عقل، هداة، معرفة ..إلخ)، كل هذه الأنوار لا يطيق الغلاة رؤيتها، ولا يحب أن تصل إلى العامة، فلذلك يعمل تلك الجهود الجبارة لصرف الناس عن هذه الأنوار والدلائل والبراهين.

ولا يظن الناس أن الشيطان بمعزل عن هذا كله، كلا، فهو القائد العام للضلال في هذا العالم كله، ليس مع المسلمين فقط، بل هو عدو لكل بني آدم كما ذكر القرآن.

الغلاة أفضل شريحة شيطانية:
لكن الغلاة هم أفضل شريحة بشرية يحبها الشيطان الرجيم لعدة أسباب:
الأول: أنهم أنفسهم لا يعرفون أنهم من أولياء الشيطان، وقيادة الشيطان لمن يجهل أنه من حزبه أسهل عليه من قيادة من يعرف خطورة الشيطان وقوة تزيينه ومشروعه، وسيحرص الشيطان على إقناع أتباعه بأنهم في غاية الهداية والاستقامة، (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ). (الأعراف 30)، لاحظ أنهم اتخذوا الشياطين أولياء قبل حسبانهم بالهداية! فالاغتباط بالضلالة والظن أنها هداية هي عملية شيطانية مركبة أفقية، لا يكتشفها المغفلون والحمقى، هم لا يكتشفون عملياته البسيطة من التحريض على سفك الدماء والكذب والخداع فكيف يكتشفون عملياته المعقدة، فلذلك هم أكثر أتباعه في التلبيس البسيط والمركب معاً، فعندما يحسبون أنهم مهتدون ويخدمون الشيطان وينطقون بلسانه يكونون بهذا أقل كلفة على الشيطان من جهة، ولأن شكلهم مقبول عند العامة من جهة أخرى، فهم الفئة المثالية لتنفيذ المشروع الشيطاني، هم أكثر مثالية من المجرمين والمستبدين الذين ينفر منهم العامة والعقلاء.

الثاني: أنهم حمقى وقيادة الأحمق أسهل من قيادة العاقل، فالحمقى كالأنعام، ينقادون بسهولة، يكفي أن يتقدم أحدهم فيتابعونه سواء كان المسير إلى المرعى أو إلى المسلخ، وهم لا يفطنون للمكر الشيطاني الذي يبثه في أوليائه من الجن والإنس، فيقوم هؤلاء القادة الذين يصطفيهم الشيطان بإضلال العامة ويكفونه شأنهم، حتى أنك قد تجد طفلاً يتمنى أن يفجر نفسه في سوق أو مقهى، فهذه عملية معقدة عمودية من الشيطان إلى قادة الضلال إلى العامة.

الثالث: أن الغلاة لهم شكل مقبول كالصالحين تماماً، لحية وسواك وعطر وساعة في اليمين وتقطيب جبين وافتعال غضب وألفاظ والله وبالله وتالله وثالله وجالله.. إلى نهاية الألف باء، فيصدقهم العامة لأنهم يصدقون أنفسهم أولاً، والكاذب الذي يصدق نفسه يكون لكذبه مصداقية، هذا أولاً، والأمر الثاني فإن هؤلاء العامة يظنون أن مثل هذا الشكل المألوف لا يمكن أن يحلف على الكذب، ولا يتذكر لا القادة ولا العامة قوله تعالى: (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون)، فالجميع من هجرة القرآن الكريم تدبراً لا تلاوة، فلذلك يصدقونهم، وهذه عملية مركبة تعتمد الشكل المألوف والمظهر الواثق وقشرة لفظية من العلم.

الرابع: كثرة جزم الغلاة بما يجهلون، فهم يجزمون ويحلفون ويغتبطون بالجهل، فهؤلاء أفضل للشيطان ممن يطلب الدليل ويؤثر فيه البرهان ويشك ويرجح، لأن الجزم أوقع في قلوب العامة، بينما تنفر العامة من الخطاب العقلي المرتب بين قطعي وظني ومرجوح وراجح، أما الغلاة فيجزمون إثباتاً وقطعاً ويسهل ذلك على العامة، فالجزم سلاح شيطاني مؤثر يقذفه على ألسنتهم، وهذا خلاف المنهج القرآني الذي يعتمد وجود المحكم والمتشابه لدفع العقل للرقي والتعلم الدائم.
الخامس: توقف عقول الغلاة ومعلوماتهم عند ما تعلموه قديماً أيام الدراسة، فمعلوماتهم قبل الدكتوراه وبعدها، هي نفسها معلوماتهم في الصف الأول المتوسط وما تبقى من الصف السادس، وهم يفتخرون بهذا بأنهم (لم يتغيروا)! وكأن الارتقاء العلمي والمعرفي هو عيب وإثم.
إذن فهؤلاء هم الفئة المثالية التي يستخدمها الشيطان في إطفاء كل نور، كيف يستخدمهم لإطفاء عمليات (التعارف والتواصل) ومن أهمها قضايا الحوار المباشر أو المناظرات؟
هذا ما سنتحدث عنه يوم الجمعة القادم

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=263
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 12 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28