• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : عمليات المحو! .

عمليات المحو!


                      عمليات المحو!


عمليات (محو) كبيرة تعرض لها الصالحون وعلومهم من القرن الأول.. سؤال: لو لم تكن تلك العمليات؛ هل سيكون الدين مختلفاً عن الدين اليوم؟!
المحو نوعان:
محو الأشخاص (قتل- سجن لأزمنة طويلة).
محو العلوم (تحريق كتبهم- هجر علومهم- إقصاء ..الخ).

تعالوا نستعرض أهم عمليات المحو الجسدي؛ تعالوا نعتمد على أهم ثلاث (إبادات) في القرن الأول؛ ذكرها سعيد بن المسيب - وهو شاهد عيان - ففي صحيح البخاري (5/ 86) قال الليث عن يحيى بن سعيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الأُولَى - يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ - يَعْنِي الحَرَّةَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ ".
أما الفتنة الأولى فقد قتل فيها أهل بدر - قتلهم بنو أمية في صفين - لم يبق منهم إلا أفراد؛ وقد شهد صفين مع الإمام علي نحو سبعين بدرياً؛ قتلوا أو طوردوا أو سُموا بعد.. يا ترى؛ لو عاش هؤلاء ؟ هل كانوا سيضيفون ما يؤكد الدين الأول ويحفظه؟
أما الفتنة الثانية - يعني يوم الحرة واستباحة المدنية - فقد قتل نحو عشرة آلاف، وتم إبادة بقية أصحاب بيعة الرضوان؛ وأبيد نحو ألف من حملة القرآن.. يا ترى؛ لو عاش هؤلاء؛ ألم يكن لهم دور في إعلاء دين القرآن = الإسلام الأول؟
لقد تم تصفية (أهل بدر والرضوان) في وقت أشد ما يكون حاجة الناس إليهم.
أما الثالثة؛ فقد زعم بعض شراح البخاري أنه أبو حمزة الخارجي؛ وهذا كذب؛ لم يظهر أبو حمزة إلا بعد وفاة ابن المسيب بثلاثين سنة؛ إنما هم بنو مروان؛ الثالثة التي أنهكت الناس هي دولة بني مروان، من هدمهم الكعبة وصلبهم ابن الزبير وبعض من معه منكسين، وإذلال أهل الحرمين..
هذه التي أنهكت الناس.
هذه الفتن الثلاث - من إبادة أهل بدر والرضوان وصلحاء الأمة - هي التي روضت الإسلام (إسلام الواقع لا إسلام الله)  لصالح الظالمين والجهلة والمنتفعين؛ فالدين لا يُقبض انتزاعاً، إنما يقبص بقبض أهل العلم؛ فإذا هلك العلماء؛ اتخذ الناس رؤساء جهالاً فضلوا وأضلوا؛ وهذا ما حصل! فابحثوا عن الدين الأول.
من الإبادات التي فعلها بنو مروان؛ إذلال أهل الحرمين،والختم على أعناق من تبقى من صالحي الصحابة الذين سلموا من القتل؛ كسهل بن سعد وأنس وأبي سعيد؛ وإبادة جيش ابن الأشعث؛ وفيه فقهاء كثير - تم تجنيدهم إجبارياً من الحجاج بن يوسف - فبقي الحجاج يتتبعهم من عام 83 إلى 95 ؛ كان آخرهم سعيد بن جبير.. وإما إبادات آل أبي سفيان ففي صفين والحرة وأصحاب حجر؛ ومطاردة من تبقى من أهل بدر؛ كعمرو بن الحمق الخزاعي، الذي قطع رأسه وأعطي لامرأته المسجونة.
هذه أبرز الفتن الثلاث التي تحدث عنها ابن المسيب؛ ولم نذكر حركة زيد بن علي ولا الحارث بن سريج، لأنهما كانا بعد وفاة ابن المسيب (ت 94هـ)؛ السؤال: يا ترى كم فقد الناس بإبادة أهل بدر والرضوان وحملة القرآن؟ كم فقدوا من العلم والهدى والمعرفة؟
لابد أن يكون كبيراً جداً؛ والواقع دليل.
أما النوع الثاني من (الإبادات المعنوية)؛ من اختفاء أهل العلم وتفرقهم في الأمصار وتخفيهم وسجنهم وإقصائهم؛ فأكثر بكثير؛ وقد ذكرت أمثلة في الماضي؛ تذكرون أننا تحدثنا عن أصحاب (الألوف من الأحاديث) في القرن الأول؛ وكيف تم أقصاء وأهمال علوم وأحاديث من هو أفضل وأعلم؛ لم يروَ عنهم إلا النادر؛ وتحدثنا عن بعض أهل بدر الذين قال عنهم بعض أهل الحديث (أعرابي مجهول)!!! كمدلاج بن عمرو السلمي والربيعة بن سعد القارئ.. لماذا؟ لهذا السبب.. وتحدثنا عن الصحابي يزيد بن نعامة الضبي الذي ضاعت أحاديثه وصحبته لأن عامل الحجاج بالبصرة سجنه عشرين سنة بسبب أمره له بالصلاة!
من يعرفه منكم؟

لمطالعة "سلسلة "علم الحديث" ابتداءا من الجزء الأوّل" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الأشتر النخعي أيام النبوة، وهل كان صحابياً؟؟ - الجزء الثالث" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "تسييس صلاة الجماعة !" على هذا اللرابط «««
القرن الأول فقط! لو تتم دراسته ودراسة أحواله وكيف تشكل العلم فيه بقتل الصالحين وسجنهم وإقصائهم وتقريب من هو دونهم؛ لعرفنا أسباب تخلف المسلمين؛ علماً بأننا هنا استعرضنا (الإبادات غير المحرجة)؛ التي جاءت في رواية واحدة = ابن المسيب؛ وإلا؛ فهناك إبادات أخرى محرجة أسكت عنها  لئلا تنفروا.
أهل الحديث مقصرون جداً في دراسة الآثار السياسية على العلم من فقه وحديث وتفسير وعلم رجال ..الخ؛ الآثار السياسية كانت هائلة جداً! ولا أحد يدرسها؛ لا يدرسونها لعدة أسباب؛ إما خوفاً منها ومن نتائجها؛ أو جهلاً بآثارها؛ أو مجاملة للواقع (المروّض) من السياسات الظالمة.. لكن؛ اليوم ما عذرنا؟
بنو أمية كانوا يقتلون الصحابة من أهل بدر والرضوان؛ ويلعنونهم ويختمون على أعناقهم؛ ويفجرون بنسائهم؛ ويهدمون مقدساتهم؛ ثم يجدون من يحبهم؟؟؟
لن تقوم أمة تتجاهل دور طغاتها في إضعاف العلم؛ ولا تدرس تراثها وفقاً لمراقبة الآثار السياسية وما أنتجته من آثار فرعية في كافة العلوم.
(خيرية القرن الأول) - إن صحت - فإنما هي بسبب هؤلاء المقتولين؛ لا القاتلين؛ بسبب الذين تم لعنهم على المنابر؛ لا اللاعنين؛ المسمومون لا السامين.. ثقافة السلطات الظالمة هي التي استحوذت على (الفضائل) لنفسها؛ وحرمت أصحابها، بل أصحاب الفضائل بين مقتول وملعون ومسموم وسجين وطريد وذليل..
سأذكر الأغرب؛ فقد تحدثت عن قتل الصحابة واستباحة المدينة  وهدم الكعبة بالمنجنيق ولعن الإمام علي على المنابر كثيراً؛ بقي ختم أعناق الصحابة؛ تصوروا أحدهم مختوماً على عنقه أو على يده بالنحاس أو الحديد، بأن هذا الشخص (عبد، وأنه أعتقه فلان)! ألا يتجنبه أغلب الناس ولا يسمعوا منه؟! فاعلموا أن هذا الأمر قد فعله بنو أمية وولاتهم؛ ولا ريب أنه دون القتل؛ لكنه أيضاً أمر بشع مقزز يدل على سطوة عظيمة للدولة الظالمة؛ سأتحدث عن هذا:
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ت تدمري (5/ 318) عن الحجاج بن يوسف: ((وَاسْتَخَفَّ فِيهَا بِبَقَايَا الصَّحَابَةِ وَخَتَمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ ))!
الآن؛ هل تفضل أن يلعنك فلان أو يكفرك؛ أو يختم على عنقك بالرصاص أو النحاس حرقاً مع حكمه لك بالإسلام؟ لا ريب ستختار الأولى، فليكفر كما شاء؛ وانظر إلى عبارة الذهبي (بقايا الصحابة)؛ أي أن من سلموا من سيوف بني أمية تم الختم على أعناقهم؛ ضاع المقتولون وفقههم وتجنب الناس المختومون..
ومن نصوص الذهبي التي ذكرها في حوادث سنة (74هـ)
1- تاريخ الإسلام ت تدمري (5/ 318): (رأى جابر بن عبد الله مختوماً في يده ورأى أنساً مختوماً في عنقه ، يذلهم بذلك)! اهـ
2- تاريخ الإسلام ت تدمري (5/ 318) عن سهل بن سعد قال: (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ  الحجاج فَخُتِمَ فِي عُنُقِهِ بِرَصَاصٍ)؛ وقد ذكر المؤرخون (ممن لا يتهمون على بني أمية) - كالطبري والذهبي وابن كثير وابن الجوزي - أنواعاً من هذا العبث الذي فعله بنو أمية ببقايا الصحابة؛ فهذا ابن كثير - وهو صاحب هوى أموي مشهور- إلا أنه لم يستسغ هذه المظالم؛ فذكر خطبة الحجاج في أهل المدينة وسخريته منها ومن الجسد النبوي الشريف؛ ففي البداية والنهاية (12/ 228) ((لَمَّا قَدِمَ (الحجاج) الْمَدِينَةَ صَعِدَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: يَا أَهْلَ خَبِيثَةَ - يَعْنِي طَيْبَةَ - أَنْتُمْ شَرُّ أُمَّةٍ وَأَخَسُّ، وَلَوْلَا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكُمْ لَجَعَلْتُهَا مِثْلَ جَوْفِ حِمَارٍ، يَا أَهْلَ خَبِيثَةَ، تَمَنَّوْنَ، هَلْ تَعَوَّذُونَ إِلَّا بِأَعْوَادٍ يَابِسَةٍ - يَعْنِي الْمِنْبَرَ - وَرُمَّةٍ بَالِيَةٍ، وَأَشَارَ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَزلَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فقالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْصُرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: قَدْ فَعَلَتُ.
فَقَالَ: كَذَبْتَ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَخُتِمَ فِي عُنُقِهِ برصاص وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَتَمَهُ فِي يَدِهِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ في عُنُقِهِ، وكانَ قَصْدُهُ يُذِلُّهُمْ بِذَلكَ،) اهـ
أين أنصار بني أمية الغيارى على الصحابة؟ بل نقل ابن كثير عن أنس بن مالك قوله: ((فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ هَذَا)) اهـ؛ وهذا ما تم؛ بل أين الغيارى على رسول الله؟ إذ يسخر الحجاج من جسده الشريف ويسميه (رمة بالية)؛ على ما في دلالة (رمة) من معنى قبيح، قبح الله الحجاج ولعنه؛ وفي كلام الحجاج دلالة على تعظيم الصحابة للجسد الشريف والمنبر النبوي والمدينة؛ وهذا التعظيم (الصحابي) قبله جفاف (حجاجي)؛ فأيهما أبقى اليوم؟؟
ألم أقل لكم! كم خسرنا بقتل هؤلاء الأبرار؟ كم خسرنا من العلم والهدى والاتباع؟
وجفاف الحجاج ليس وحده؛ ذكرت لكم سابقاً قصص مروان مع الصحابة؛ لقي بقي جفاف مروان - الذي نهى أبا أيوب الأنصاري عن وضع خده على قبر رسول الله - كما بقي جفاف الججاج وذهبت تلك الرقة (الصحابية) مع أهلها! وقد ختم الحجاج على يد أنس بن مالك مرة أخرى، أيام ابن الأشعث؛ ففي تاريخ الإسلام للذهبي (6/ 294) (أتوا به الحجاج فوسم في يده: عتيق الحجاج)!! وكان من جملة الجند الذين أتوا بأنس بن مالك إلى الحجاج ذليلاً ، بعض من أصبحوا من  أهل الحديث فيما بعد، كأزهر بن عبد الله الحرازي!!
أترون الأثر؟!
بل في بعض ألفاظ الخبر أن (أزهر) كان من جملة الذين (سبوا أنس بن مالك) من السبي! بدلالة قوله (فأتينا به الحجاج)! والأسر سبي في معناه الأعم؛ وذلك الجندي؛ أزهر بن عبد الله؛  قال عنه العجلي في الثقات (1/ 214) (أَزْهَر بن عبد الله الحرازى شامي ثقة تابعي)! اهـ
يا سلام!
أترون الآثار؟
الخلاصة: رجعوا أحداث القرن الأول؛ بل الفتن الثلاث التي قالها سعيد بن المسيب (ورواها البخاري في صحيحه)؛ وستعرفون أسباب ما نحن فيه من جهل وعصبية؛ ابحثوا عن الإسلام الأول في القرآن وأحاديث المقتولين؛ ولا تبحثوا عنه من روايات القاتلين؛ فالقاتل والمجرم لن يتقي الله في تطويع الدين لما يحب.
وللعامة تنبيه: ستجدون المدارس والشواع التي باسم الحجاج وأمثاله أكثر من أسماء الصحابة الذين أذلهم الحجاج وأمثاله؛ ففي كل وادٍ أثرٌ من ثعلبة!
الجهل البسيط ليس عيباً؛ لكن الجهل المركب؛ أو الغبطة بالجهل؛ هي المشكلة؛ والتجهيل المتعمد أكثر ضلالةً وأبعد غوايةً وأوسع أثراً وأعمق ضرراً.
السر الخطير؛ أن حب الحجاج على ما فعله بالصحابة؛ يبين أن النواصب قد يحبون من يبغض الصحابة بشرط أن يبقى على كراهية أهل البيت وشيعتهم.
عجيب!


مواضيع أخرى:
لمطالعة "خلاصات أموية." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "علم الحديث ليس العلم بأحوال الرجال وأسمائهم؛ هو علم متشابك بكل العلوم!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لن يصلح هذه الأُمة ما أفسد أولها!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "مناهج منسية عند أهل الحديث! - الجزء الثالث" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "معايير اهل الحديث القاصرة من اهم أسباب إنكار السنة!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الرد على فتوى البراك في موضوع الاختلاط!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "كيف نفهم تأثير السياسة في الحديث؟" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "ما كتبه الرومان عن تاريخ العرب والمسلمين... هل هم أصدق أم نحن؟!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "ما معنى (خير الناس قرني)؟!"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1602
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19