• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : مازلنا في مرحلة (الفاء) فلا تستعجلوا! ألجزء ألأول .

مازلنا في مرحلة (الفاء) فلا تستعجلوا! ألجزء ألأول


          مازلنا في مرحلة (الفاء) فلا تستعجلوا!

                                              ألجزء ألأول

      - مدخل لتنزيه الرسول مما تلصقه به داعش ورموزها -

ههناك آية كريمة لا ينتبه لها أكثر الناس؛ وفيها السر! فيها سر ما مضى؛ وسر ما نحن فيه؛ وسر ماهو آت.. هل تصدقون؟
تعالوا نتدبر معاً؛ والرجاء التذكر بأن العجلة سلاح شيطاني في صدك عن القرآن.. الآية هي:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)
هذه سنة عامة؛ فماذا يحصل؟
(فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} [الحج: 52]
التدبر:
1- الآية تخبر عن سنة عامة (قانون عام) يسري على جميع الأنبياء والمرسلين .
2- أن تلك السنة (أمنية)؛ لا تلاوة كما تزعم الروايات.
3- أن الشيطان يلقي (في أمنية كل نبي ورسول).
لكن ماذا يلقي؟
أشخاصاً أم أفكاراً أم هما معاً ؟؟ = سيأتي.
4- أن الله ينسخ لاحقاً ما يلقيه الشيطان.
5- ثم بعد مرحلة نسخ الله لما ألقاه الشيطان (من أفكار أو أشخاص أو هما معاً) تأتي مرحلة متاخرة؛ وهي (الإحكام = ثم يحكم الله آياته).
نواصل؛ إذاً؛ فالآية الكريمة من سورة الحج تبين لنا أن هناك سنة عامة، وهي أن كل نبي وكل رسول يتمنى أمنية)؛ يا ترى ما تلك الأمنية؟ حاول أن تعرفها.. سهل.. وحتى تعرفها، تخيل أنك أنت نبي أو رسول؛ ماذا ستتمنى؟ أليست أمنيتك الكبرى أن يبقى هذا الدين بعيداً عن التشويه وأن ينعم الناس بخيره وبركته؟
كل نبي يتمنى أن يبقى الدين الذي أرسل به بعيداً عن (الكذب على الله)؛ أن يبقى صافياً ليكون رحمة وخيراً وبركة على الناس؛  أليس كذلك؟
هنا الشيطان عدو مبين، ولابد أن يعمل على (تعكير) هذه الأمنيات = أمنيات الأنبياء؛ طبيعي؛ فهو عدو لكل بني آدم؛ ولا يريدهم أن يستفيدوا من دين؛ فماذا يعمل الشيطان للحيلولة دون تحقيق (أمنيات الأنبياء)؟ سيلقي فيها ما يعكرها؛ فما هو؟
يأتي.
ثم قال الله (فينسخ الله) ولم يقل (وينسخ)؛ فــ (نسخ ما ألقاه الشيطان) ليس مباشرة؛ وإنما يأتي بعد مدة؛ بدلالة (الفاء) الذي هو في زمن الله؛ قد يستمر قروناً طويلة؛ (ثم يحكم الله آياته)؛ فماذا فعل الشيطان بهذه الآية (الكاشفة) له ولخطته؟ زعم الشيطان - عبر الروايات الضعيفة - أن (ما ألقاه الشيطان) كان تلاوة آيات الغرانيق فقط! وأن النبي كان (يتلو)، فعندما وصل إلى قوله (أفرأيت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه :( تلك الغرانيق العلى)!
الشيطان بقصة (الغرانيق) أبطل معنى الآية، وحرمنا من الاستفادة منها؛ فقد حرف  (الأمنية) إلى (تلاوة)؛ وأشغل المسلمين بقصة الغرانيق! وأصبح المسلمون في جدل لا طائل منه؛ بين مثبت لقصة الغرانيق ومنكر لها؛ والفريقان ضلا بترك تدبر الآية؛ ولم ينتبهوا أن الشيطان قد حرف الآية كلها؛ وأصبح المسلمون - سواء من أثبت منهم قصة الغرانيق أو من نفاها - بعيدين عن الآية ولفظها وروحها، وكونها سنة عامة وليست خاصة بالنبي محمد الخ:
1- الله يتحدث عن سنة عامة = قانون عام. (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) و(من) هنا تفيد التعميم = كلهم؛ والشيطان جعلها خاصة في محمد.
2- الشيطان جعل الموضوع (تلاوة)؛ بينما القرآن يتحدث عن (الأمنية لا التلاوة).
3- التلاوة والأمنية لفظتان قرآنيتان؛ لكنهما مختلفتا المعنى.
4- ثم طمأننا الشيطان بأن الله قد نسخ ما ألقاه الشيطان (مباشرة)، فلا ضرر منه.
5- وأن الله قد أحكم آياته مباشرة؛ فلا تنتظر مستقبلاً. فتحريف الشيطان كان سريعاً وواضحاً جداً؛ لقد أبطل معنى الآية وأصبحت تاريخية لا فائدة منها عند من طاوعه؛ وهذا ينفيه السياق؛ فاسمع ما بعدها؛ اسمعوا لما بعد الآية مباشرة: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ)!!
الله أكبر!
إذاً؛ فــ (ما ألقاه الشيطان) ما زال له وظيفة في إرادة الله التكوينية! وهي (أن يكون فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم)! إذاً؛ سيبقى ما (ألقاه الشيطان فتنة)؛ وهذا  يعني أنها ليست الغرانيق، التي لم تؤثر على أحد، ولم يفتتن بها منافقاً ولا ظالماً؛ كلا كلا؛ فما ألقاه (الشيطان) في (أمنية  النبي) كان قد ألقاه في (أمنيات الأنبياء والمرسلين كلهم)؛ ولم يكن عند بعضهم (كتب) حتى يلقي في تلاوتهم!
كل الأنبياء يتمنون؛ وليس كل الأنبياء عندهم كتب يتلونها؛ فأكثر الأنبياء مبعوثون على شريعة وكتاب نبي سابق؛ والكتب محدودة جداً؛ الموضوع أمنية.. بمعنى؛ كل نبي أو رسول سيتمنى، سيتمنى أن يعبد الناس الله وحده (لا شريك له)؛ أن (يتجنبوا الطاغوت)؛ أن (يسلم الدين) من الكذب عليه والظلم به الخ؛ والشيطان يريد (تعكير هذه الأمنية) فلابد أن يلقي فيها ما يجعل الناس في شقاء؛ وحرج؛ وعنت؛ وتفريط في غايات القرآن؛ واتباع لمشروع الشيطان..  كيف؟
أعطيكم مثالاً: بجوار بيتك نهر عذب صافٍ صحي جداً؛ وعندك (جار عدو)  يدفعه الحسد لك وطلب الشقاء لك إلى أن (يلقي في النهر) ما يعكره من سم ونحوه.
مثال آخر للتوضيح: تخيل عندما (تلقي) صخرة في نهر عذب؛ ماذا يحصل؟ هل يتصفى مباشرة أم يأخذ وقتاً؟ ذلك الوقت هذا هو (الفاء) = فينسخ الله.
وحتى نستفيد من الآية ؛ لابد أن نؤمن بأن الشيطان قد ألقى (في أمنية النبي) كما قال القرآن، وليس في تلاوته؛ وأن النبي كان يتمنى لنا كل خير؛ فماذا ألقى الشيطان؟ هل ألقى أشخاصاً  أو أفكاراً - تحول دون تحقق الأمنية - أم ألقاهما معاً (أشخاصاً بأفكارهم)؟
الجواب الثاني هو الصحيح. فليس هناك أفكار تسير وحدها في الهواء؛ إنما الأفكار تكون في أدمغة أناس؛ فالشيطان ألقى في أمنيات كل الأنبياء (من يحرفون الأديان عن وظيفتها)؛ ثم يكون هؤلاء (الأشخاص وأفكارهم) فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم - أي؛ اختبار لهم أيعبدون الله أم يعبدونهم هم - هذه هي الفتنة؛ وهؤلاء الأشخاص (الفتنة) سيفتنون الناس؛ فمنهم من يرتد بسببهم؛ ومنهم من يقسو بسببهم؛ ومنهم من يمرض قلبه؛ وبهم يتم الالتفاف على الدين وتعطيله؛ والآيات التي تتحدث عن الانحراف بعد الأنبياء تدعم هذا التفسير..
سبب الانقلاب على رسالات الأنبياء  وتحريف الأديان هم هؤلاء (إلقاء الشيطان)؛ خذوا من القرآن الكريم سبب الانحراف عن النبوات؟ سبب عدم إقامة كتب الله المنزلة؟ سبب الكذب على الله؟ سبب الاشتراء بآيات الله ثمناً قليلاً؛ الله نفسه ذكر سنة الناس بعد أنبيائهم؛ وأن سبب ذلك (الذين أوتو العلم) ومن بعد (ماجاءهم العلم) ومن بعد (ما جاءتهم البينات)؛ وبسبب (البغي). خذوا بعض الآيات التي تشرح لنا سنة الله في أتباع الأنبياء؛ وأن أهل البغي منهم هم سبب إفساد الأديان وزوال بركتها والكذب عليها..
يقول تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)} [سورة البقرة].
إذاً؛ هذا هو الهدف العام، وهو من أمنيات الأنبياء = أي أن يتفق الناس، ويتعانوا على البر والتقوى وعمارة الأرض؛ ولكن ماذا يحصل؟ اسمعوا بقية الآية:
(وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ)!!
الله أكبر. يعني الأمر ليس سببه (العامة)؛ ولا (الاجتهاد = بذل الوسع)؛ ولا كون الدين غير واضح أو طلاسم؛ ولا كون بلاغ الأنبياء مشوشاً؛ كلا كلا؛ ما ألقاه الشيطان - من أشخاص وأفكار - هو الذي يريد أن يقنعك بأن الله وكتبه ورسله هم المسؤولون عن الاختلاف.. كلا، لا تطعه؛ اسمع جواب الله جيداً؛ جواب الله هو: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.
هنا مسألتان:
الأولى : أن المسؤولون عن (الاختلاف في دين الله) هم الذين أوتو العلم.
الثانية: أن سبب هذا الاختلاف هو بغيهم وظلمهم وليس شيء آخر.
بلاغ مبين.
إذاً؛ نحن المسلمون كسائر الأمم؛ الذي أقام الاختلاف في الدين ونشره ودعمه هم (الذين أوتو العلم) وليسوا عامة؛ وأن سبب ذلك هو (البغي) لا غيره؛ بمعنى أن كتاب الله مبين وآياته بينات = ليس مصدر الاختلاف ولا البغي؛ ورسول الله صاحب (البلاغ المبين) = ليس مصدر الاختلاف ولا البغي؛ وعلى هذا؛ فما نراه اليوم من فساد في الأرض ليس بسبب دين الله ولا كتابه ولا رسوله؛ وإنما بسبب  أهل العلم الذين فرقوا دينهم وبغوا؛ هم السبب؛ وبالتالي: فالذين بغوا من (أوتوا العلم)؛ هم بالضبط (ما ألقاه الشيطان) في أمنية كل نبي وكل رسول؛ وهم سبب تعطيل الأديان والكذب على المرسلين. وبالتالي؛ لا تقولوا أن السبب هم الجهلة والعامة؛ ولا أن النص غير واضح وغايات الأديان غير واضحة؛ ولا أن الاجتهاد هو السبب؛ قولوا كما قال الله؛ وإذا لم تقل كما قال الله فمعنى هذا أنك من الذين (في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم)؛ لماذا؟! لأن (ما ألقاه الشيطان) هو فتنة لهم كما في الآية؛ ولذلك؛ فالمفتونون من (الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم) يرفضون معاني الآيات التي تحمل (أهل العلم وبغيهم المسؤولية)؛ هم يحمونهم فتنة..
الله يخبر عن سنة عامة في المرسلين والأنبياء؛ فيقول المفتونون، لا؛ هو محمد فقط؛ الله يخبر عن (امنيات الأنبياء) والمفتونون يقولون: "لا هي تلاوة"! والله يخبر أن السبب في الاختلاف في كتب الله وعلى أنبياء الله - حتى أصبحت أدياناً متعادية - هم (الذين أوتوا العلم) وليس عن جهل؛ وإنما عن بغي.
والله يخبر بأنه سينسخ ما يلقيه الشيطان؛ ثم سيحكم آياته؛ والمفتونون قالوا، كل شي قد حصل في نفس اللحظة! فلا داعي للــ (فاء) ولا (ثُم)!! والله يخبر أن (ما يلقيه الشيطان) سيجعله الله نفسه فتنة (للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم)؛ والمفتونون قالوا، كلا لم يحصل؛ فاطمئنوا!..
وعندي بشرى لمن منكم زاده هذا التدبر إيماناً؛ وشعر بحب للقرآن المبين وللنبي الكريم؛ البشرى موجودة في سياق الآية التي نحن بصدد تدبرها؛ اسمعوا؛ سأذكر الآيات مرقمة لإيضاح معانيها، وستأتيكم البشرى:
1- { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى
2- أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
3-  فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
4-  ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ
5-  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
6- لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والقاسية قلوبهم
7- وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
والبشرى:
8- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
9- فَيُؤْمِنُوا بِهِ
10- فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ
11- وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
بشائر.
فالآية السابقة هي تبشركم يا من هزكم بيان القرآن ووضوحه؛ ويا من فرحتم بالتخلص من قصة الغرانيق وتلبيسها؛ ويامن ازددتم إيمانا وخشعت قلوبكم.
الذين يعرفون معاني هذه الآيات كما هي - وكما اراد الله - سيفرحون بهذا التدبر الذي لا فضل لنا فيه، إنما الفضل لبيان القرآن ووضوحه؛ يفرحون لأنهم سيرون أن الله قد أوضح كل شيء؛ وأن القرآن هو من عند الله فعلاً؛ وأن هذه الآية ستفتح لهم باباً كبيراً لتصحيح معرفة هذا الدين.. كل مسلم - غير ما ألقاه الشيطان - سيعجبه أن يكون المعنى ويراه معقولاً جداً؛ وسيرتاح لهذا الهدي والبيان والعلمية والكشف؛ إنها آية كاشفة بحق؛ أما المفتونون بما ألقاه الشيطان (في أمنية النبي) لتعكيرها والحيلولة دونها، فسيبقى ما ألقاه الشيطان فتنة لهم، ولن يروا (تبيان القرآن).
إن وجدتَ أن هذه الآية مريحة؛ وأن هذا التدبر قد كشف لك ظلمة؛ وأصبح قلبك أكثر حباً للقرآن وللنبي؛ فاعلم أن الله سيهديك إلى صراط مستقيم؛ كما وعد؛ ستجد المفتونين بما ألقاه (الشيطان) خائفين جداً (على أشخاص يعظمونهم)؛ وهذا التعظيم سيحرمهم من رؤية كتاب الله كما هو؛ وهذه فتنة لا شك.
لم أقصد (شخصنة الأمور)؛ كلا؛ أريد أن نعرف أولاً من أين أتى بلاؤنا على وجه الإجمال؛ وهل انتبهنا إلى ما حذرنا الله منه أم لا؛ فالبحث لاحقاًَ؛ بمعنى؛ ليس قصدي الآن أن استدل بالقرآن ضد أشخاص؛  أريد تشخيص مشكلتنا من القرآن نظرياً بالدرجة الأولى؛ التعيين قبل الإيمان بالنظرية عبث وعصبية؛ الواجب أن يجتمع المسلمون على (بيان القرآن)؛ فيؤمنوا بما ذكره الله على وجه الإجمال؛ ثم بعد أن يؤمنوا إيماناً استشعارياً صادقاً؛ يمكنهم البحث.
نصيحتي لكل مسلم من أي مذهب؛ لا تستعجل في المخاصمة؛ لا تكن من الصادين عن كتاب الله من حيث لا تشعر؛ تعاونوا في تقرير (البيان القرآني) أولاً؛ ولا يجوز لمسلم أن يكون احتجاجه بالقرآن من باب المخاصمة؛ كلا؛ إنما تعاون مع أخيك وبلطف، في معرفة البيان القرآني والإيمان به أولاً..
لا تخاصم.
فمثلاً؛ عندما تدبرت هذه الآيات، إذا كان قصدي من تدبره (قهر) طرف معين؛ فأنا فاسد النية؛ وإذا كان قصدي تنزيه القرآن والنبي من التشويه؛ فهذا حق.. لا تجعل القرآن لمذهبك ولا ضد المذهب الاخر؛ اجعل القرآن لكما معاً؛ للهداية؛ للمعرفة؛ لاكتشتاف الخلل؛ لاكتشاف أدوية المسلمين؛ جاهد نفسك أنت..
صحيح أنني عندما أتحدث عن ( أهل البغي مثلاً)؛ قد يكون في عقلي أن فلاناً وفلاناً منهم؛ لكن؛ يجب أن أرى ما قاله الله بعيداً عن قراءتي للتاريخ؛ ولذلك تلحظون، أنني نبهت على أمور عظام انشغل عنها المسلمون؛ من منهم طرق غايات القرآن مثلاً؟ أو موضوع الشيطان وعداونه؟ أو النفاق وثقافته؟.. صحيح أنني في بداية الطلب، كنت أهتم بالتاريخ أكثر؛ ثم بالحديث - ولم أندم على هذا ولا هذا - لكن الله هداني أخيراً  إلى تدبر القرآن الكريم؛ وجدت القرآن أكثر بركة ومعرفة وكشفاً وترتيباً لأمور الدين ونصرة للحقوق؛ وأكثر عمقاً وبياناً؛ لذلك؛ إن تدبرت، أرى فيه أمراض الجميع؛ وأولهم أنا..
القرآن علمني التواضع والصبر والصدق - ما أمكن - والنفس ضعيفة؛ علمني ألا أراقب الناس كثيراً، ولا أدافع عن هذا المذهب ولا ذاك؛ فالشهادة لله.
لذلك؛ إذا تعلمنا من القرآن قيمة محورية واحدة؛ كالصدق مثلاً؛ صدقوني لو التزم المسلمون بالصدق فقط لاتفقوا..
الدين يسر وصدق وعقل وفهم وبساطة؛ فعندما أجد أن هذه القيم المحورية؛ مثل (الصدق) مفقودة بين المتخاصمين من أصحاب سياسات ومذاهب وتيارات  الخ؛ فلماذا نطمع في تفعيل ما هو دونه؟ ثم سألت نفسي؛ ما أسباب هذا التباعد؟ رغم أن ربنا واحد؛ ونبينا واحد؛ وكتابنا واحد؟.. هنا لنبحث عن أعدائنا من قول الله، لا أقوال رموزنا؛ لماذا؟.. لأنني أريد أن أنطق من معلومات يقينية عندي كمسلم؛ وجدت أهل التيارات واقعون في فتنة الخصومة؛ لا يعرفون الأعداء من الله نفسه؛ أو يقللون منهم. فوجدت أن الله يقول (والله أعلم بأعدائكم)؛ ثم فصل وذكر منهم أصنافاً؛ كالشيطان والمنافقين واليهود والذين أشركوا؛ هنا أجد أن اعتقاد الناس آخر؛ مثال أوضح؛ أجد السلفية  مثلاً يقولون : أعظم أعدائنا هم الشيعة؛ وأجد الشيعة يقولون: أعظم أعدائنا هم الوهابية؛ سؤال: وأين ما ذكر الله؟
القرآن لم يذكر الشيعة ولا الوهابية؛ ذكر الشيطان والمنافقين ووالخ؛ فهل اتفق الفريقان على إهمال ما ذكره الله؟ هل هم أعلم بأعدائهم من الله؟ إذاً؛ فالحل الأول هو الإيمان بما ذكره الله على وجه الإجمال أولاً؛ دون تخصيص؛ ثم عند البحث؛ لك أن تقول بصدق أن هذا المذهب فرع من هذا العدو؛ أنا أن تجزم بأن هذا المذهب من المنافقين؛ أو هذا المذهب من المشركين قبل البحث عن الشيطان ومشروعه  في القرآن أوعن الشرك  ومعناه؛ فهذه عصبية.
أنا لا أطالبك بتعطيل عدواتك لأخيك المسلم، مع أن هذه غاية ؛ إنما أطالبك بتأجيل الجزم بذلك حتى تعرف الأعداء الذين حذر الله منهم.. رتب عقلك؛ ومن هذا الباب؛ لابد أن تؤمن بعداوة الشيطان وأوليائه وخطورة مشروعه؛ ومن ذلك؛ خطورة ما ألقاه في (أمنية النبي)؛ وماهي مصاديق ذلك؛ وكيف تعرف.. الخ
إذا أنت جزمت من البداية - قبل بحث في القرآن - بأن هذا المذهب أو هذا الشخص من أولياء الشيطان قبل أن تتعرف على الشيطان من القرآن؛ فأنت معه. أما إذا أنت قلت: "أجد أن فلاناً يشارك الشيطان في ( العداوة والبغضاء والسوء والفحشاء) بدليل كذا وكذا وكذا.."؛ وتكون صادقاً لا مخاصماً، فهذا حق.
أيضاً؛ من المشترك بين المسلمين تنزيه إسلام الله وكتابه ونبيه من كل الشنائع التي نسبت إلى النبي وسيرته.
السؤال: كيف لنا أن نعرف من فعل ذلك؟
ستجد الشيعة يقولون : أصحاب السقيفة ومعاوية.
وستجد السنة يقولون: عبد الله بن سبأ والشيعة.
سبحان الله. لماذا القفز على الشيطان والمنافقين؟ أنا أيضاً لا أدعوا لتعطيل التاريخ؛ لكن تاريخاً يستعبد الشيطان والمنافقين واليهود والذين أشركوا من (العداوة والأثر)؛ فهذا تاريخ مذهبي.
لا تنسوا ربط كل كذب وتشويه بالأعداء الذين ذكرهم الله؛ الأعداء الذين ذكرهم الله أولى من الأعداء الذين تقفزون إليهم؛ سواء أصبتم أو أخطأتم؛ ومن هذا الباب؛ فأنا أدعوا كل الأخوة الباحثين أن يحييوا ما أحياه القرآن أولاً؛ أن يعرفوه؛ أن يبحثوه؛ أن يؤمنوا به؛ فهو من يعلمهم ويفتح الآفاق..
تصوروا لو أن هناك مؤتمرات إسلامية علمية  عناوينها: (الشيطان في القرآن)؛ (النفاق في القرآن)؛ (الظالمون في القرآن)؛ (المجرمون في القرآن).. الخ؛ أنا على يقين أن المسلمين بجميع أطيافهم سيجبرهم القرآن على الاعتراف بــ (حقائق صلبة) تكون معينة لهم على ترتيب الدين  وفهمه واستجلاب بركته.
كان هذا الاسترسال بعد أن رأيت البعض يوظف تدبري للآيات الكريمة توظيفاً خصومياً؛ وهذه الخصومة والتوظيف قد تفسد المقدمات وما تحمل من الهدى. وحتى أريحكم ، لا أريد بهذا التدبر نصرة هذا أو ذاك؛ أريد نصرة رسول الله  بمعرفة أعدائه، وما ألقاه الشيطان من أعداء له، يفترون عليه ويفتنون؛ أيضاً؛ لا أرى مذهباً سلم من تحريف الشيطان وإلقائه ما ألقى من ظلم أو غلو أو أشخاص؛ ما من مذهب إلا وفيه شيء من أثر الشيطان؛ ولو على أطرافه؛ ولكن الفرق هو أن يتمكن الشيطان من (إلقاء قديم) في مذهب ما؛ ثم يتبع المذهب الآخر بإلقاء (حديث)..
الشيطان لا ييأس؛ فاحذروه؛ هو عدونا كلنا.

يتبع في الجزء الثاني..
لمطالعة "مازلنا في مرحلة (الفاء) فلا تستعجلوا! ألجزء ألثاني"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "مازلنا في مرحلة (الفاء) فلا تستعجلوا! ألجزء ألثالث"على هذا اللرابط «««


مواضيع أخرى:
لمطالعة "ما كتبه الرومان عن تاريخ العرب والمسلمين... هل هم أصدق أم نحن؟!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الرد على أحاديث الأقباط" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "علم الحديث - التوثيق.. بين الاهواء والسياسه (ألجزء ألتاسع)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لغلاة السلفية: كلا؛ لم يرتكب النبي مفسدة!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "بلاؤنا في ماذا؟"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "علم الحديث - أمانة أهل الحديث ... في الميزان!(ألجزء السادس)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "علم الحديث - أبو هريرة وألأثر السياسي (الجزء الرابع)‏"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1594
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29