• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : المتوكل ناصر السنة - الجزء الأول!؟ .

المتوكل ناصر السنة - الجزء الأول!؟


لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!!
                  المتوكل ناصر السنة - الجزء الأول!؟


                                    - الجزء التاسع -


توضيح لعنوان المقالات:(لسان حال السلطة:اعطوهم من هذا الدين..)


المقصود بالسلطة هنا: السلطات أيام كتابة الأحاديث؛ أي؛ الأموية والعباسية. أما السلطات المعاصرة؛ فأراها ضحية مثلنا؛ للثقافة الموروثة.
نعم؛ ما زال أكثر السلطات المعاصرة يوظفون الدين في أمور أخرى؛ أما الحديث؛ فقد تم.

لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الاول -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الثاني -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الثالث -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الرابع -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الخامس -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء السادس -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء السابع -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لسان حال السلطة : اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم!! - الجزء الثامن -"على هذا اللرابط «««


المقصود بالسلطة هنا: السلطات أيام كتابة الأحاديث؛ أي؛ الأموية والعباسية. أما السلطات المعاصرة؛ فأراها ضحية مثلنا؛ للثقافة الموروثة.
نعم؛ ما زال أكثر السلطات المعاصرة يوظفون الدين في أمور أخرى؛ أما الحديث؛ فقد تم.
أعني؛ أن نشر السلطة الأولى - الأموية والعباسية - للأحاديث التفصيلية في الأمور الثانوية؛ كان مقصوداً عند الترجيح، حتى ينشغل المسلمون بالتفاصيل.
السلطات المعاصرة هي مثلنا، عالة على هذه الكتب الروائية، التي تهتم بآداب الطعام والأذكار وتغفل عن غايات القرآن! أما السابقة؛ فأظنها تعرف..
السلطات القديمة - الأموية والعباسية - هي سلطات تاريخ رواية وكتابة الأحاديث والأخبار والتفاسير والأشعار ...الخ؛ وكان معظم السلاطين دهاة كبارا؛ فمن دهاة بني أمية؛ معاوية وعبد الملك بن مروان  وهشام ابن عبد الملك؛ ومن دهاة بني العباس؛ المنصور والرشيد والمأمون والمتوكل؛ لن ننجو منهم.
السلطات الأموية والعباسية لا يطيقون سيرة عمر وعلي؛ فكيف يطيقون شدة محاسبة القرآن للنفس وأطره الناس على العلم و العدل والبرهان؟ هذا صعب؛ والناس في عصرهم متدينون في الجملة، وخاصة ذوي الرأي والأثر؛ وما من متدين يقرأ القرآن إلا ويجد الحلال والحرام؛ الأمور العظام ودونها؛ فما العمل؟
هنا؛ لابد أن يشجعوا على الأشعار والتهاجي بها؛ والعصبية القبيلة والتفاخر بها؛ والغناء والمجون والدعوة إليها؛ والحديث في التفاصيل وترك الغايات..
يظن الناس أن أثر السلطات  يومئذ محدود.. وأنهم لا يتدخلون في الثقافة ولا في معايير الفقيه والمحدث والعالم وذي الاعتبار ..الخ؛ هذا وهم! السلطات كان لها الأثر العظيم على الثقافة؛ العادل منها - قليل - ينصر الثقافة الناصرة للعدل؛ والظالم - وهم الأكثر - ينصر الثقافة الناصرة للظلم؛ والأمثلة كثيرة جداً؛ ولكن؛ لأني أكثرت عليكم الليلة؛ قد نستعرضها في مناسبات قادمة. أعني؛ تدخل السلطات في الثقافة العامة؛ وتأثيرها على مسارها.
لذلك؛ لم يلتفتوا للعلوم النافعة؛ كالطب والمنطق والفلسفة - باستثناء المأمون - كان شغلهم ينصب على العامة وطاعتهم لهم؛ لم يفكروا باستراتيجية..
تستطيعون قراءة مجالس أهل الحكم يومها؛ لن تجدوها إلا لفقيه مكعوم؛ أو شاعر مذموم؛ أو واعظ أبله؛ أو سامر مرفه..
أين أهل العقول والعلوم؟
أيضاً؛ ماذا تجدون في ثقافة مجالس السلاطين يومئذ - أيام الأمويين والعباسيين -؟ كلها عن السمر والندماء؛ وطرائف الشعراء؛ ومعافسة الإماء والنساء..؛ اعطوني خليفة همه من الناس عقولهم قبل طاعتهم العمياء؛ أو استشرف المستقبل من القرآن وأخبار الأمم؛ أو نصر الحرية وآلف بين الناس على المشتركات؟
نعم؛ كان هناك عادلون؛ لكنهم قلة؛ ومجهوداتهم فردية؛ كمحاسبة عمر لعماله؛ أو تثقيف علي بالإسلام الأول؛ وإصلاح عمر بن عبد العزيز في المال العام؛ لكن؛ أغلب السلاطين كانوا كما ذكرنا سابقاً؛ تمسك بالسلطة؛ محاربة للتنوع - وهي سنة من سنن الله - تفرد بالقرار؛ وعيشة خمور ونمور وإماء وندماء..
نعم؛ لعل المأمون هو من حاول إنعاش الثقافة؛ وعمل مكتبة الحكمة؛ وقرب أهل العقول؛ وحاور الفقهاء والمحدثين؛ لكن؛ كانت الثقافة العامة قد تشكلت. ولذلك؛ كان اضطهاد المأمون لأهل الحديث عمل له طابع سياسي وفكري معا؛ لأنه كان يراهم عائقاً من عوائق الثقافة الجديدة؛ وأراد إسقاطهم أمام العامة؛ ولكن المأمون فاته أهم شرط من شروط الحضارة؛ وهي الحرية. فالحرية في الأفكار - وخاصة المسالمة - من أهم أسس النمو الحضاري المتكامل.
كان الإمام علي قد فاق المأمون في التسامح؛ حتى مع الأفكار غير المسالمة؛ فكان الخوارج يكفرونه؛ وهو يذكرهم بالحقوق؛ ولم يقاتلهم حتى مارسوا العنف؛ ولكن المأمون مات سنة 218هـ ؛ وترك المعتصم بعده، وهو خليفة عسكري جاهل؛  لم يرعَ من مشروع المأمون إلا ظلمه لأهل الحديث!
المأمون تولى عشرين عاماًُ - من 198 إلى 218 هـ ؛ ولعله الخليفة القوي الوحيد الذي كان له مشروع شبه متكامل؛ لكنه؛ أفسده بإهماله الحرية والتسامح.
المعتصم والواثق - من 218 إلى 232 هـ - كانا جاهلين؛ يقلدان المأمون في سجن بعض أهل الحديث وقتل بعضهم، فأصبح لهم مكانة بين العامة فيما بعد.
أتى المتوكل عام 232 هـ ؛ ومال مع العامة ضد الأتراك والثقافة السابقة برمتها؛ فعظم أهل الحديث - وعلى رأسهم أحمد - وأضطهد المعتزلة والشيعة؛ وتعرض المعتزلة ومن شايعهم؛ من أهل الفلسفة والمنطق وعلوم اليونان؛ لاضطهاد أيضاً؛ احرقت كبتهم؛ ولاحقتهم السلطات؛ وكان الأثر على العامة كبيراً؛ وما زال أثر المتوكل قائماً إلى اليوم؛ في التيار السلفي والأشعري معاً؛ فقد عظم المتوكل أهل الحديث؛ وأجزل لهم العطايا؛ وتشكلت العقائد من ايامه.. العقائد والتصورات اليوم، عن الدين والعقائد والمذاهب،  هي من آثار عصر المتوكل. فقد كان جاهلاً ظالماً كالمتعصم والواثق ، ولكن على الضد.
المتوكل لم يكن رجلاً صالحاً؛ حتى بمقياس أهل الحديث؛ فقد كان غارقاً في الشهوات، مبغضاً لعلي والحسين، قاتلاً ظالماً؛ إلا أنه نصر الإمام أحمد.
أهل الحديث - وسط ما يشعرون به من انتصار سياسي - نسوا مظالم المتوكل، وسموه (ناصر السنة)؛ ونشطوا في هذه المرحلة؛ وغلوا وتطرفوا ضد الجميع.. هذه المرحلة هي التي دونت تكفير أبي حنيفة؛ وكان فيها  الظلم كله؛ ونبش قبر الحسين؛ وإعلان بغض الإمام علي؛ وأهل الحديث ساكتون لأنه نصر أحمد! وكنت أقول لبعض الفضلاء من أهل الحديث؛ هل سنة المتوكل؛ في نصر الإمام أحمد؛ تغطي على بدعته في بغض علي والحسين؟ وأنتم تعترفون أنه ناصبي.. فكيف؟
بعض المحققين؛ من أهل الحديث؛ يعرفون هذا؛ وكان من عرف منهم هذا، كان السؤال محرجاً له بالمرة؛ فالسنة لا تتجزأ ولا تتمذهب؛ وأحمد لا يبلغ علياً..
نعم؛ نحن ضد ظلم المأمون للإمام أحمد وأهل الحديث؛ ونوافق على إدانته؛ لكن؛ يجب أن نكون ضد ظلم المتوكل للإمام علي والحسين؛ فهما أولى وأفضل.
المتوكل العباسي مات سنة 247هـ ؛ بعد أن قام بأفعال لا تقوم بها داعش اليوم؛ ولكن؛ العمى عند أهل الحديث؛ وشدتهم في الخصومة؛ نسوا كل جرائمه وبدعه! فأفعاله القبيحة عندي؛ في الجانب الجنائي؛ أبشع من بغضه لأهل البيت؛ ولكن؛ حتى من أنصف من أهل الحديث؛ يذكرون عنه النصب؛ ولا يذكرون جرائمه؛ فمثلاً؛ يقول بعض أهل الحديث  المعاصرين  في ترجمة المتوكل: المتوكل على الله: الخليفة العباسي التاسع، كان ناصبياً، ومات على شرب الخمر، ت 247 هـ .
لاحظ أنه لم يذكر؛ مثلاً؛ ما فعله المتوكل من جرائم أشد؛ مثل:
1-  سل لسان اللغوي  الكبير يعقوب بن السكيت من قفاه؛ وقطعه فمات.
هذه لم تعملها داعش!
هذه القصة الشنيعة؛ عندي؛ هي المؤثرة في قبح سيرة المتوكل؛ أكثر من النصب. لكن؛ أهل الحديث؛ غفر الله لهم وهداهم؛ فقراء في الجانب الحقوقي؛ إلى اليوم؛ والسبب الذي من أجله استل المتوكل لسان ابن السكيت من قفاه - حفروا للسانه من القفا وأخرجوه من هناك وقطعوه - لأنه فضل الحسن والحسين على ابنيه!
فأهل الحديث تذكروا النصب وذموه عليه - أعني علماء أهل الحديث ومنصفيهم – ولكنهم؛ لم يذموه على هذا التفنن في المثلة بإمام العربية في وقته.
وهذا  شيء من توثيق القصة: ففي النجوم الزاهرة لابن تغري بردى (2/ 285) - عن ابن السكيت - قال له (المتوكل) يوما: أيّما أحبّ إليك: ولداى المؤيد والمعتزّ أم الحسن والحسين أولاد علىّ؟ فقال ابن السكيت: والله إنّ قنبرا خادم علىّ خير منك ومن ولديك؛ فقال المتوكل : سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات من ساعته اهـ.
ومع هذا؛ يصفه أهل الحديث بأنه نصر السنة وقمع البدعة؟
يا ناس ... اشهدوا لله.
وقد اعترف بهذا  معظم المؤرخين؛ ومنهم الحنابلة المعتدلون - كابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (3/ 204) (( فقال له (المتوكل) يا يعقوب: أيّما أحبّ إليك، ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فغض من ابنيه، وذكر محاسن الحسن والحسين، فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه؛ وحمل إلى داره فمات من الغد.
وروي أنه قال له: والله إن قنبرا خادم عليّ خير منك ومن ابنيك، فأمر بسلّ لسانه من قفاه، رحمه الله ورضي عنه اهـ .
وبعض المؤرخين؛ كياقوت الحموي؛ للأسف، عد جواب ابن السكيت من التشيع! وهذا فيه تبرير لما فعله المتوكل، مع أن ابن السكيت سني بالإجماع..
قال ياقوت؛ في معجم الأدباء (6/ 2841)؛ (وكان يعقوب يتشيع، فأمر المتوكل الأتراك فسلوا لسانه وداسوا بطنه وحمل إلى بيته فعاش يوما وبعض آخر)).
يعني ماذا؟
يعني أن إمام العربية يستاهل؛ فالرجل يتشيع!
هذه الاتهامات لا تكمن خطورتها في التقييم؛ إنما تمكن خطورتها أنها تعطي العامة تبريراً للجريمة؛ لأن العامة؛ غالباً؛ إذا علموا بجريمة في حق شيعي أو متهم بالتشيع  ظلماً؛ فإنهم يبررونها؛ ويعدونها عقوبة شرعية! ولو سألناهم بأي نص؟ لن يجدوا.
نعم؛ قد تقول : إن جواب ابن السكيت جاف، وقد نعقل معاقبته عقوبة بسيطة، من غضب أو انتهار أو حتى سجن لأيام؛ أما بهذه الطريقة البشعة؛ فأعوذ بالله.
يقول الذهبي في النبلاء (12/ 16): (شيخ العربية، يعقوب بن إسحاق البغدادي النحوي المؤدب مؤلف كتاب إصلاح المنطق دّين خيّر ، حجة في العربية).. فالرجل سني، وأول من اتهمه بالتشيع ثعلب، ولهذه القصة؛ وكان ثعلب ناصبياً - له جزء في فضائل معاوية يفرض على التلاميذ قراءته قبل كل درس - وثعلب - وهو نحوي-  ظلم ابن السكيت في النحو وفي المذهب. وهذا الظلم بسبب نصب ثعلب الذي لا نراقبه، وليس بسبب تشيع ابن السكيت الذي لم يصح؛ إلا إذا كان الدفاع عن الحسن والحسين يعد تشيعاً .... فالله المستعان! فكيف إذا رأوا أنه يستحق به تلك العقوبة الشنيعة؟ أو على الأقل تبريرها.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 18) تعليقاً على جريمة المتوكل في حق إبن السكيت؛ (وكان في المتوكل نصب نسأل الله العفو)! اهـ .
فقط!!
ولو كان الذهبي ممتلئاً بثقافة الحقوق؛ لكان نقده للمتوكل أبلغ من هذا؛ لا سيما وأنه متأخر عنه (بينهما 600 سنة)؛ لكن؛ النصب كان في الشام أيضاً؛ والنصب له جمهور؛ يصرف به العلماء للتهوين من الجريمة ضد أي مختلف؛ شيعياً أو غير شيعي؛ وللأسف؛ يستجيب العلماء للعامة، وتتقارب ثقافتهم في الظلم.
ومن قصص المتوكل (الذي ما زالوا يلقبونه بناصر السنة رغم جرائمه ونصبه وموته على شرب الخمر والشهوات) / أمره بجلد المحدث الكبير نصر بن علي؛ أمره بجلد نصر بن علي الجهضمي ألفي سوط! - وهو محدث مشهور من طبقة  أحمد وابن معين – والسبب؛ أنه روى حديثاً في فضل علي؛ وظن المتوكل أنه شيعي!
قال الخطيب البغدادي في  تاريخ بغداد (15/ 389) لما حدث (نصر بن علي) بهذا الحديث، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبد الواحد؛ وجعل يقول له؛ هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه!
قلت: إنما أمر المتوكل بضربه لأنه ظنه رافضيا، فلما علم أنه من أهل السنة تركه اهـ .
وهذه القصة لها دلائل كبيرة ومؤسفة:
الأولى: أن المتوكل يحكم بجهله أن هذا شيعي وهذا سني، تبعاً لجهله بمعنى السنة ومعنى التشيع ومعنى النصب.
ثانياً: وهذا يدل على أن أهل الحديث؛ فضلاً عن المعتزلة والشيعة  في عهد المتوكل؛ كانوا في مجازفة شديدة إذا رووا شيئاً في فضل أهل البيت.
ثالثاً: الحديث الذي رواه نصر بن علي الجهضمي هو صحيح بشروط أهل الحديث؛ وقد رواه أحمد في المسند، وربما لو سمعه منه المتوكل لجلده 2000 سوطاً!
لفظ الحديث؛ أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله؛ قال لفاطمة
(إني وإياك وهذين - الحسن والحسين - وهذا الراقد – علي - في مكان واحد يوم القيامة).
وهو حديث وسط؛ وهو صحيح السند عند أهل الحديث؛ وقد روي قبل المتوكل وبعده؛ رواه أهل السنة والشيعة؛ أحباب المتوكل وخصومه؛ بل حتى أحمد؛ فكان ماذا؟
رواه الطيالسي (مات قبل حكم المتوكل)؛ وأحمد أيام حكم المتوكل؛ وابن أبي عاصم والبزار والطبراني بعده.. وصححه أحمد شاكر والالباني وغيرهم..
ليس هنا فائدة القصة؛ إنما المشكلة: أن المتوكل وظف الدولة في خدمة النصب بتلك العقوبات الشنيعة؛ وحاصر فضائل أهل البيت وخوف رواتها؛ وهذا له أثر؛ فهذا نصر بن علي الجهضمي - من شيوخ البخاري ومسلم وطبقتهم -  ومن أئمة أهل الحديث؛ لا شيعي ولا معتزلي، كاد  المتوكل الناصبي أن يبطش به..
وكان المتوكل آخر الخلفاء العباسيين ألأقوياء، وقد بقيت آثاره السياسية في بعض أهل الحديث الذين كانوا يبالغون في الحساسية من محبة أهل البيت. وأثر نصب المتوكل وأثره على الحكم؛على؛ كان قوياً على أهل الحديث، وقد استمر أثره إلى اليوم، ولم ينتبه لهذا أهل الحديث. وإذا أردنا للمجتمع خروجاً نحو الاعتدال والموضوعية، فلن يتم دون أهل الحديث؛ وهم لن يستطيعوا التجديد إلا بمناقشة هذه المؤثرات بموضوعية وكشف.
هناك فترات محورية في التاريخ السياسي - كمرحلة المتوكل مثلاً - إذ لها ظلالها على الحديث والرواة والعقائد والفقه والتصورات ... ولابد من بحثها..
لا أجد مرضاً عند أهل العلم، من الظلم في القول أو الهجر والتبديع والتضليل والتكفير واستباحة الدماء..الخ؛  إلا وقد تم كتابتها في عهد المتوكل؛ بل؛ حتى الآن؛ العامة يستغربون؛ لماذا بعض أهل الحديث كفروا أبا حنيفة؟ ولماذا بعضهم ضعف البخاري وهجره وبدّعه؟
ادرسوا عهد المتوكل وستعرفون السر. فكل هذا الغلو والتطرف والعجلة وسوء الظن وضيق الأفق وانتقاء أحاديث دون أخرى
وتكفير أهل الرأي والمذاهب، كله تم تأسيسه من عهد المتوكل؛ وهذا سر إصرار الغلاة؛ ومن قلدهم؛ في الثناء الكبير على المتوكل العباسي؛ وأنه (ناصر السنة)؛ وقامع البدعة.. والخ؛ مع التكتم على جرائمه البشعة؛ فالغلاة يريدون منا أن نسلم بأن المتوكل كان سنياً وليس ناصبياً! لسبب وحيد، وهو أنه أخرج الإمام أحمد من السحن!
هل الدين لله أم لأحمد بن حنبل؟
عذراً، الحديث الذي رواه نصر بن علي لفظه مشابه؛ واللفظ هو (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)؛ وهو أيضاً حسن. وحتى من تشدد واستنكره؛ كالذهبي؛ استدرك بقوله : (وقد تواتر قوله عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب)؛ وأما نصر؛ فمن أئمة السنة الأثبات اهـ .
يقصد الذهبي، إنه حتى مع الكلام في أحد رواة الإسناد - كان صدوقاً؛ ولكن له أوهام - إلا أنه الحديث يقع تحت أصل صحيح متواتر. والمحبة لها لوازم؛ وأقول: حتى لو كان المحب مع من أحب في درجته في الجنة، إلا أن النعيم ليس مادياً فقط؛ فالنعيم في معرفة الله ورضوانه متفاوت بينهم؛ وهم في مكان..
فالنبي مثلاً؛ لو كان معه أهل بيته وأمهات المؤمنين وكبار الصالحين، في أعلى الفردوس، فهل بالضرورة يتماثل إحساسهم بالنعيم؟
ليس بالضرورة..
والحديث رواه نصر بن علي مسلسلاً بأهل البيت؛ رواه عن علي بن جعفر عن الكاظم عن الصادق عن الباقر عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن النبي مرفوعاً؛ بل؛ هذا من أصح الأسانيد على وجه الأرض؛ ولعل الإسناد هو الذي دفع المتوكل للأمر بضرب نصر بن علي 2000 سوطاً؛ فالتوكل ناصبي؛ ويبغض هذه الأسماء.
كان أثر المتوكل واضحاً في هجر أحاديث أهل البيت؛ فعصر المتوكل نقطة تحول في الافتراق بين السنة والشيعة بسبب عصبية السياسة؛ لا بسبب المذهبين؛ ودراسة عصر المتوكل سيجيب على الأسئلة الكبيرة؛ مثل: لماذا أهل الحديث تركوا أحاديث أهل البيت؟ لماذا افترقت رواية السنة والشيعة؟ وغيرها..
وهذا السند المسلسل بأهل البيت؛ هم ثقات أثبات عند أهل الحديث؛ متقدميهم ومتأخريهم؛ ولكنهم قللوا من الرواية عنهم بسبب الضغوط السياسية الناصبية؛ وقد بدأت المرحلة الأولى الشفوية في عهد معاوية - راجع كتابنا : مراسيم معاوية - واستكمل المتوكل المرحلة الثانية التدوينية على نهج معاوية..

لتحميل كتاب " مراسيم معاوية الأربعة وآثارها في الحديث والعقائد" على هذا اللرابط «««
ولو أن علماء السنة والشيعة؛ سلموا من السياسات الفاصلة بينهما؛ لكانوا إلى اليوم مذهباً واحداً؛ ولما شاعت الأحاديث الضعيفة والخرافات والتباعد؛ فالأثر السياسي؛ كما قلنا؛ كان كبيراً جداً على الثقافة وأهل الحديث والرواية؛ من جميع المذاهب؛ وإلا؛ فالأصل؛ أن المسلمين مذهبهم واحد؛ هو الإسلام.
والحديث رواه عبد الله بن أحمد في المسند؛ والترمذي في سننه؛ وغيرهم..
ثم نقول: حتى لو افترضنا أن نصر بن علي أو غيره، وهم  في  حديث في فضل أهل البيت أو غيرهم، فهل عقوبته 2000 سوط؟
هذا قانون متوكلي لا إلهي.
ثم؛ هذه كتب الحديث والتفاسير والفقه والملاحم والسير ... وما أكثر الأحاديث الضعيفة و المنكرة فيها؛ فالعقوبات البشعة جزء من نصب المتوكل فقط.
والخلاصة:
أن التأثير السياسي - الأموي والعباسي - على الثقافة الدينية؛ كان قوياً جداً، ولا بد من دراسة  لهذا الأثر وتتبع أضراره ومعالجتها؛ وقد تعمدت اليوم، أن آتيكم بخليفة عباسي هاشمي ظالم مستبد؛ حتى لا يقال أننا نركز على بني أمية عصبية ضدهم..
كلا.
بنو العباس ورثوا عنهم كل شي! والأهم من هذا؛ أنهم نشروا أحاديث التفاصيل والجزئيات؛ وأهملوا أحاديث  الغايات - غايات القرآن الكريم - حتى كأن الإسلام دينين؛ وليس ديناً واحداً؛ وأهل الحديث اليوم كثرة، ولكنهم غثاء كغثاء السيل؛ إلا ما ندر؛ إذ؛ يقلد آخرهم أولهم دون وعي، مع إهمال لعلوم النفس والاجتماع والسياسة والمنطق..
لذلك؛ تجد أهل الحديث هم أكثر المسلمين تصلباً وتوجساً من كل جديد؛ وسيطرة على العامة بالحديث والرواية، دون وعي بالمؤثرات؛ ويرون أنهم على شيء!
وأخيراً؛ وللتوازن؛ أوصي بكتاب ( السنة عند الشيعة الإمامية) للباحث حيدر حب الله؛ وفيه نقد واسع للأحاديث الشيعية الإمامية..
اعط الخبز لخبازه.

لتحميل كتاب "حجية السنة في الفكر الاسلامي قراءة وتقويم - تأليف: الشيخ حيدر حب الله" على هذا اللرابط «««

لمتابعة: "المتوكل ناصر السنة - الجزء الثاني!؟" على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1531
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29