• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحداً ! .

المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحداً !


                المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحداً !


ولا ريب أن أم سلمة رضي الله عنها من صالحي الصحابة وسابقيهم؛ وهي وزوجها ممن شارك بني هاشم في الشعب؛ وهي لم تكتفِ بنصيحة عامة الناس عن سب رسول الله بالتضمن نتيجة اغترارهم بالصيغة الأموية، بل راسلت معاوية؛ وصدقت في النصيحة والإنكار والتصريح؛ فروت كتب التاريخ والأدب؛ ومنهم الزمخشري وابن عبد ربه وغيرهم؛ شيئاً من مراسلاتها وإنكارها على السلاطين، ومن ذلك: (وكتب معاوية إلى عماله أن يلعنوه علي المنابر ففعلوا؛  فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية انكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم؛ وذلك أنكم تلعنون على بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا اشهد أن الله احبه ورسوله.. فلم يلتفت أحد إلى كلامها اهـ

المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحداً.. بيتك لك؛ مزرعتك لك؛ سيارتك لك؛ نفسك لك؛ ولكن نسبياً،  فأنت لله (إنا لله)؛ أما المساجد؛ فهي لله خالصة.
اليوم؛ أكثر مساجد المسلمين تتخاطفها الدول والمذاهب والأحزاب؛ كل واحد يحاول أن يجعلها له؛ لا لله؛ فيتخذها منبراً للدعاية السياسية والمذهبية؛ وهذا التوظيف السياسي للمسجد (الذي شرع الله أن تكون له وحده لا شريك له) بدأ قديماً، ولعل الأمثلة الصارخة للتوظيف السياسي كان أيام بني أمية؛ فبنو أمية - وفق فهم السلف الصالح؛ كأم سلمة وابن عباس؛ بأسانيد صحيحة - كانوا يلعنون رسول الله على منابرهم، وهذا أبلغ وأبشع توظيف سياسي للمسجد؛ فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، وقبله أبو بكر بن أبي شيبة - شيخ البخاري ومسلم - وغيرهم، إنكار أم سلمة وابن عباس هذه الجريمة البشعة؛ وسأحاول توثيق بعض ما روي من ذلك في مصادر أهل السنة القديمة، مع بيان صحة أسانيدها، حتى يعلم المسلمون اليوم - رغم التفرق - أن أيامنا أفضل؛ وفهم السلف الصالح؛ كأم سلمة وابن عباس؛ أولى من فهم السلف المتأخر من التابعين أو أتباعهم، وفهم السلف الصالح أولى بالتقديم من فهمنا اليوم.
سأنقل لكم فهم أم المؤمنين أم سلمة وابن عباس رضي الله عنهما، للمكر الأموي؛ وأنهم كانوا يسبون الرسول بصيغة ماكرة، لا يذكرون رسول الله بالاسم.
روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة - شيخ البخاري ومسلم - في المصنف؛ والإمام أحمد في المسند وفضائل الصحابة؛ وأبو يعلى وغيرهم؛ بسند صحيح عن أم سلمة؛ أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: «يا أبا عبد الله , أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ثم لا تغيرون»
قال: قلت: ومن يسب رسول الله؟
قالت: «يُسبُّ عليٌّ ومن يحبه, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه» اهـ
فكشف لنا فهم أم المؤمنين أم سلمة حقيقة شمول الصيغة للنبي؛ وقد أن نذكر القرائن على ذلك - من تكليف بني أمية من جمع الأشعار التي هجي بها النبي؛ وما ظهر منها على لسان بعض ملوكهم؛ كيزيد الخ - سنوثق الحديث:
الحديث في مصنف ابن أبي شيبة - فضائل علي (12/ 76) وفي مسند الإمام أحمد (44/ 329) - مسند أم سلمة - حديث  26748 وصححه شعيب الأرناؤوط؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 121) وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي؛ والطبراني؛ وأبو يعلى؛ وغيرهم؛ وأصل الحديث من حيث صحة اللعن متواتر؛ أعني؛ من حيث لعنهم لعلي؛ لكن الجديد هو فهم السلف الحقيقي من كبار الصحابة - كأم سلمة وابن عباس وغيرهم -  للهدف من الصيغة الأموية (ومن يحبه)! وهذا اللعن لرسول الله كان على المنابر؛ وليس من العامة أو الجهلة؛ كان توظيفاً سياسياً للمساجد كما في حديث الطبراني في المعجم الأوسط (6/ 74) ونصه عن الجدلي: ((قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: «أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيكُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ؟))!!
فلا يستطيع غير السلطة يومها لعن علي ومن يحبه (أي رسول الله وسائر المؤمنين = فلا يحبه إلا مؤمن) على المنابر، هو لعن لكل مؤمن إلا المنافقين..
فهم أم الؤمنين أم سلمة للصيغة الأموية أن الصيغة لعنت كل المؤمنين (لا يحب علياً إلا مؤمن) ورأسهم رسول الله، ولم ينجُ إلا المنافقون فقط. هذا هو فهم السلف الصالح بحق، وليس فهم من اعتذر عن (المنافقين) وهاجم (المؤمنين)؛ ككثير ممن غسلوا أدمغة طلبة العلم اليوم بهذا النفاق الخفي؛ ولو فهم طلبة العلم اليوم ما فهمه كبار الصحابة - كأم سلمة وابن عباس - من أن مقصد بني أمية هو لعن النبي نفسه؛ لما تبعوا أفهام غيرهم من الخلف. وإخراج فهم الصحابة من (فهم السلف الصالح) هي جريمة علمية؛ ضل بسببها ناشئة طلبة العلم، الذين تربوا على تراث اعتذاري عن كل ظالم.
فهم السلف الصالح معتمد؛ إلا إذا خالف النص الشرعي أو العلم الحديث؛ لكنهم أعلم منا وأذكى في مراقبة (نفسيات) أهل عصرهم ومقاصدهم؛ وفي فهم النص.. فهم الصحابة هو رأس فهم السلف الصالح؛ ولابد من تفعليه وإعادة إحيائه، بدلاً من الأفهام المحدثة التي انقلبت على (فهم السلف الصالح بحق)؛ ولذلك؛ أنا هنا مع السلفية باعتماد (فهم السلف الصالح)؛ ولكني اختلف معهم في تقديمهم (فهم الخلف على فهم السلف)؛ أو فهم الظالمين على الصالحين.
المنهج السلفيين  سليم جداً؛ وإنما الخلل في تطبيقهم؛ أتفق معهم ضد أهل الاعتباط؛ وأن النص بفهم السلف - وخاصة فضلاء الصحابة - هو أصح من فهم غيرهم؛ والدليل على هذا؛ فهم أم سلمة هنا، رضي الله عنها؛ فأغلب السلفية يعارضون فهمها بفهم ابن تيمية؛ وأن اللاعنين مجتهدون؛ وأن لهم أجراً!
أيهما الأصح؟!
السلف الصالح؛ إذا استبعدنا منهم كبار الصحابة؛ كأم سلمة وابن عباس؛ فليسوا سلفاً. الصراع مع السلفية هنا لنصيحتهم وإعادتهم للسلف الحق وفهمهم؛ والصالح من الصحابة يعرف بصدقه في سيرته؛ ولا ريب أن أم سلمة رضي الله عنها من صالحي الصحابة وسابقيهم؛ وهي وزوجها ممن شارك بني هاشم في الشعب؛ وهي لم تكتفِ بنصيحة عامة الناس عن سب رسول الله بالتضمن نتيجة اغترارهم بالصيغة الأموية، بل راسلت معاوية؛ وصدقت في النصيحة والإنكار والتصريح؛ فروت كتب التاريخ والأدب؛ ومنهم الزمخشري وابن عبد ربه وغيرهم؛ شيئاً من مراسلاتها وإنكارها على السلاطين، ومن ذلك: (وكتب معاوية إلى عماله أن يلعنوه علي المنابر ففعلوا؛  فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية انكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم؛ وذلك أنكم تلعنون على بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا اشهد أن الله احبه ورسوله.. فلم يلتفت أحد إلى كلامها اهـ
وفهم أم سلمة صحيح؛ تدعمه النصوص؛ مثل حديث خيبر في الصحيحين (لأعطين الراية رجلاُ يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)؛ فكلام السلف الحق؛ كأم سلمة؛ تجدونه هو عينه النصوص الشرعية؛ بل بلغ من جرأة أم سلمة في الحق أن إنكارها على معاوية أشد؛ فلم تقل (أتلعنون رسول الله) فقط؛ بل قالت (تلعنون الله ورسوله)! وشاهدها حديث خيبر؛ فمن من السلف المتأخر يجرؤ أن ينكر كما أنكرت أم سلمة؟ ومن يستنبط استنباطها؟ ومن يفهم فهمها؟
لا أحد.
نعم؛ لفهم السلف الصالح بحق لا للأدعياء؛ وفهم أم سلمة بأن الصيغة الأموية ( ومن يحبه ) المراد بها إدخال الله ورسوله؛ وافقها ابن عباس بتصريح أصرح؛ فقال للسبابين ( أيكم الساب الله)! والحديث رواه أهل السنة في مصادرهم وصححوه؛ فأهل السنة – بحق - أيضاً نحن معهم؛ ومع السلف – بحق - وإنما ابتلينا بمن لا يلتزم بنص ولا سنة ولا سلف؛ وأنا أعول على - الصحوة العلمية - التي تعيد تعريف السنة وتعريف السلف وتعريف فهم السلف الصالح؛ وتعيد تعريف الصلاح أيضاً.. يمنع ذلك الهوى فقط.
يجب ألا نترك الشيعة يستولون على الأدلة؛ فكثير من الغوغاء الآن سيظنون أنني نقلت من شيعة؛ أي؛ يظنون أن ابن أبي شيبة وأحمد وأبي يعلى من الشيعة!
حتى لا أطيل؛ أنقل لكم حديث ابن عباس وفهمه - وهو من علماء الصحابة الأذكياء الذين عاصروا تلك التوظيفات السياسية؛ ويفهم القوم أكثر منا - فقال:
قال ابن عباس فيما رواه الحنبلي الآجري في كتاب الشريعة  (4/ 2061): مر على قوم من أهل الشام في صفة زموم يسبون علي بن أبي طالب فقال لسعيد بن جبير وهو يقوده: ردني إليهم؛ فقال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله، مافينا أحد يسب الله! قال: فأيكم الساب رسول الله؟ قالوا: والله مافينا أحد يسب رسول الله! قال: فأيكم الساب علياً؟ قالوا: أما هذا فقد كان. فقال ابن عباس : فإني أشهد لسمعت رسول الله يقول: «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي , وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ ,.. الحديث)؛ وقد روي بإسنادين؛ كلاهما حسن عن ابن عباس.
هنا ابن عباس يوافق أم سلمة في الكشف لهؤلاء المساكين من السبابين للإمام علي، أن من يأمرونكم بهذا السب لا يعلمونكم أنه يتضمن سب الله ورسوله؛ لأنهم عندما يلعنون (علياً ومن يحبه)؛ فالله رسوله يحبان علياً - كما في حديث خيبر - ومعاندة النص نفاق؛ ولا يظنن أحد أن كبار الآمرين باللعن لا يفهمون ما فهمه أم سلمة وابن عباس؛ فقد كانوا دهاة أذكياء؛ وتمت مراسلتهم بهذا؛ لكن الأتباع ربما..
لذلك؛ كان فضلاء الصحابة يصدمونهم بالأمر الجلي بناء على فهم النصوص الثابتة؛ ومعرفتهم بحقيقة أهل عصرهم؛ فيصدمون العامة بحقيقة ما يخفى عليهم؛ وهناك زيادة لطيفة عند ابن الشجري - في قصة ابن عباس مع الشاميين - تشبه ما عليه بعض الجهلة اليوم؛ ممن يتبجحون بفهم السلف ولا يعرفون السلف؛ فقال في الأمالي:(1/ 178) ثم تولى عنهم ابن عباس وقال لابنه علي: كيف رأيتهم؟ - يعني الشاميين - فأنشأ يقول: نَظَرُوا إِلَيْكَ بِأَعْيُنٍ مُزَوَّرَةٍ ... نَظَرَ التُّيُوسِ إِلَى شِفَارِ الْجَازِرِ؛ قَالَ: زِدْنِي فَدَاكَ أَبُوكَ، فَقَالَ: قال: خُزْرُ الْحَوَاجِبِ نَاكِسُوا أذَقْانِهِمْ ... نَظَرَ الذَّلِيلِ إِلَى الْعَزِيزِ الْقَاهِرِ. قَالَ: زِدْنِي فَدَاكَ أَبُوكَ! قَالَ: مَا أَجِدُ مَزِيدًا، قَالَ: لَكِنِّي أَجِدُ:
أَحْيَاؤُهُمْ خِزْيٌ عَلَى أَمْوَاتِهِمْ ... وَالْمَيِّتُونَ فَضِيحَةٌ لِلَغَابِرِ!
تذكروا أن أم سلمة وابن عباس ومن يسمع لهم؛ كانوا أقلية في وسط القرن الأول؛ نحن اليوم أفضل؛ انتهى لعن علي وانتهى معه التضمين بلعن الله ورسوله؛ إذاً كان لعن بني أمية لعلي على المنابر أول توظيف سياسي فج؛ وقد انتهى؛ وإن شئت فقل (انتهى لعن الله ورسوله بالتضمن)؛ وهذا فهم السلف الصالح؛ وبقيت أمنية لكل صادق؛ أن تبقى (المساجد لله وحده)؛ و أن يبقى (الدين كله لله)؛ فلا يتم توظيفهما لأوساخ قلوبنا وأفعالنا؛ لا مذهبياً ولا سياسياً.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1482
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28