• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : الرد المفصل على بيان الضحايا (11) .

الرد المفصل على بيان الضحايا (11)

حذيفة بن اليمان ليس من سلفهم!

كانت فترة العيد فترة هدنة !

والآن عدنا...

الهدف من هذه السلسلة أبعد من هؤلاء الضحايا:

ونلخص قولنا بأن الهدف من هذه السلسلة أبعد من هؤلاء الضحايا، فالغلو السلفي في العالم الإسلامي كله، وكل خصوم هذا الغلو يحتاجون أن يمسكوا بأيديهم منهجاً في التخاطب مع هؤلاء ومنع مرور خداعهم وجهلهم، فإنما انتشر الغلو السلفي بالخداع والكذب والجهل فقط، فلولا هذا الثلاثي لما أقنعوا أحداً بدعمهم ولصحوا من غفلتهم الطويلة، والغفلة السلفية هي أقدم الغفلات وأعمقها.

وقد رأينا بوضوح في الحلقات العشر الماضية، أن البيان الذي كتبه الضحايا ( ضحايا التطرف والحزبية والجهل في بني مالك) لم يسلم بهم شيء

1-  فلم تسلم لهم فيه الحمدلة ( بصيغة عبد الله بن مسعود التي أوردوها لأن ابن مسعود كان يعرض بولاة بني أمية فيها).

2-  ولا البخاري الذي افتتحوا بيانهم بحديثه عن حذيفة - بعد الحمدلة،- ( فهو عند سلفهم مبتدع ضال ضعيف الحديث، بل يكون البخاري على منهجهم كافراً مرتداً عند سلفهم، لأنه من اللفظية واللفظية شر من الجهمية والجهمية عندهم كفار مرتدون، فالبخاري على منهج سلفهم الأول : جهمي كافر مرتد).

3-    ولم يسلم لهم حديث حذيفة عن دعاة جهنم ( لأن معاوية كان من أبرزهم لأكثر من حديث، بل هو أبرزهم على الإطلاق وإذا لم يكن من المقصودين في حديث حذيفة فلن يكون للحديث معنى)، وفي هذه الحلقة سنثبت لهم أنه لم يسلم لهم حذيفة نفسه ( هذا لو أنهم يعرفون حذيفة بن اليمان وسره الكبير الذي لم يكن يعرفه غيره، وسيأتي مفصلاً في حلقتين (11، 12) من الرد التفصيلي)!

4-  ولم يسلم لهم معنى التوحيد ( قرآنياً وما عندهم من التوحيد هو تشريك.

5-  ولا يعرفون  الشرك ( لأن التعصب المذهبي ضد النصوص فوق الشرك).

6-  ولم يسلم لهم معنى الصحبة والصحابي والصحابة.

7-  ولا إطلاق أمهات المؤمنين

8-  ولا حتى الألفاظ التي قد لا يتدبرها أكثر الناس كلفظة (الطعن) التي حاولت في دراستها أن تكون نموذجاً فريداً لبحث المزيج الشيطاني السياسي الروائي العقدي..الخ

9-  ... ولو شئت أن أستعرض بيانهم لفظة لفظة لما سلم لهم غير حروف الجر.

وهذه هي المأساة السلفية.
فهم يظنون أنهم يعلمون كل شيء، ولا يعلمون شيئاً حتى شرعية الانتساب السلفي من بدعيته، وشرعية اسم السلفية وشرعية التحزب هذه وأمثالها شرعيتها عندهم كشرعية الوشاية وشرعية الاستعداء الذي مارسوه، كل هذه الأمور لا شرعية لها، الشرعية لقال الله وقال رسوله فقط.

حذيفة معهم أم معنا؟ من سلفهم أم من سلفنا؟

الحديث الذي أوردوه في بيانهم هو حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ( صاحب السر الذي لا يعرفه غيره)، والسؤال: فهل حذيفة بن اليمان معهم أم معنا؟ وهل سيعدونه من ( السبئية إذا عرفوا موقفه من عثمان أم يبقى عندهم صحابياً جليلايً؟)

ذكرنا في حلقة سابقة أننا على منهجه في السؤال عن الشر وأهل الشر مخافة أن نقع في شباكهم وخداعهم ودهائهم، وأنهم ضد ذلك، ولكنني في هذه الحلقة سأكشف أمر حذيفة بن اليمان أكثر، ومن مصادر سنية بحتة، وبأسانيد صحيحة أو قوية في الجملة، وعلى منهج أهل الحديث، وسنبحث موقف حذيفة من عثمان بن عفان، الذي نرى عليه بعض الملحوظات والأخطاء لا تصل أبداً إلى الرأي الشديد من حذيفة فيه وفي ولاته كالوليد ومعاوية ومروان وأمثالهم ممن هم سبب الفتنة ( عند أهل السنة المتقدمين، وليس ابن سبأ كما اخترع ذلك راوي كذاب تبعته السلفية المحدثة واسمه سيف بن عمر)

ومثلما أثبتانا أن البخاري ليس على سلفيتهم، فسنثبت هنا أن حذيفة على غير سلفيتهم الأموية، بل مما يثبت أن البخاري على غير سلفيتهم أنه أورد في صحيحه عن حذيفة عدة أحاديث لم يجرؤ أحد على إخراجها، إذ أنها تفيد بأن حذيفة يرى  عثمان وولاة عثمان من ولاة الجور، ( ونحن لسنا على مذهبه في عثمان – ولنا تفصيل فيه-  ولكننا على مذهبه في ولاة عثمان، ولكن أريد بهذه المعلومات أن يتعلم الضحايا أن من يسردون أحاديثهم من السلف ليسوا على سلفيتهم وإنما على سلفيتنا نحن).

حذيفة بن اليمان يرى أن عثمان من ولاة الجور!

كان حذيفة من معارضي عثمان، وكان يسر آراءه الحادة في عثمان، ويرى أنه يشتري دينه ببعضه حتى لا يذهب كله! – حماية لنفسه من عثمان وحاشيته-.

ومن دلائل معارضته السرية الشديدة أنه كان ينتهر جواسيس عثمان من مجلسه بالكوفة، ويرى أن من يرفع الحديث لعثمان فهو قتات لا يدخل الجنة كما في صحيح البخاري – وسيأتي-!

وهذا رأي خطير أورده البخاري في صحيحه، وهو يفيد أنه لو عثمان عند حذيفة عادلاً  لما خشي رفع كلامه إلى عثمان، وإنما لأنه يعرف أن هذا الكلام المرفوع لعثمان غالباً يكون سبباً في مظالم كبيرة تقع على الناس، من قتل أو حبس أو نفي أو تسيير أو حرمان العطاء .. وكل هذا حصل لمعارضي عثمان، كعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وجندب الخير وعبد الرحمن بن الحنبل والمسيرين من أهل الكوفة وعامر بن عبد قيس الزاهد وغيرهم كثير، وإذا رأى حذيفة أن ناقل الحديث لعثمان ممن لا يستحقون الجنة، فكيف بعثمان نفسه عند حذيفة؟!

لا شك أن هذا رأي شديد من حذيفة.. لو كان يعرفه هؤلاء الضحايا لكفروا حذيفة ولم يستشهدوا بحديثه، مثلنا لو أنهم يعرفون أنم البخاري جهمي كافر عند سلفهم لما رووا من صحيحه.

بل كان حذيفة لا يرى شرعية الصلاة خلف ولاة عثمان على الأقل، - وإنما أقول على الأقل لأنني أخشى أنه لا يرى الصلاة خلف عثمان نفسه- وكان يصلي سراً خائفاً على دينه وكأنه في بداية العهد المكي، وهذا ذم شديد منه لعهد عثمان بلا شك والخبر في صحيح البخاري كما سيأتي.

بل كان حذيفة  يحدث من أخبار الفتن  بأكثر من هذا، كان يحدث بأن الدجال إذا خرج يتبعه كل من كان يحب عثمان، وأن أصحاب عثمان من الموتى يؤمنون بالدجال في قبورهم، ويقصد النواصب.

وقد حرف الحديث شبابة بن سوار لنصبه وضعفه فجعله في حق من رضي بقتل عثمان، أعني إيمانهم بالدجال في قبورهم، فحرفه إلى حذيفة وابن مسعود وعمار وأشباههم.

وبعضهم طعن في راوي هذا الخبر عن حذيفة ( وهو زيد بن وهب) لكن زيد بن وهب ثقة ومن رجال الصحيح ودافع عنه الذهبي، ولم يضعف الحديث..

أما العثمانية والنواصب فلا يعرف أتباعهم من غلاة السلفية اليوم أنهم إنما استعادوا حذيفة بعد زمن، ورووا ما يفيد أن حذيفة كان راضياً عن عثمان، ومستنكراً على الثوار ومبشراً لهم بالنار ..الخ والأصح هو ما ذكرناه من نقده له لوجوده في الصحيح، وقد يكون قال حذيفة بعض ما يوهم الرضا عن عثمان تقية، فقد كان يستخدم التقية مع عثمان خشية أن يذهب دينه كله! كما صرح حذيفة نفسه وسيأتي..

فالنواصب استعادوا حذيفة أيام الضعف، و استعاجوا علياً بعد أن كانوا يلعنونه على المنابر، واستعادوا أبا حنيفة بعد أن كانوا يكفرونه ( استعادوه في القرن الثامن فقط!) واستعادوا البخاري في القرن الرابع ... وسيستعيدون حسن المالكي في القرن الخامس عشر الهجري! وينسبونه إليهم!

وأشد ما رواه أهل السنة عن حذيفة أن بعض أهل السنة روى عن حذيفة أنه يرى كفر عثمان حتى بعد مقتله، ولكنهم تكتموا على حديثه هذا حتى وجدته في بعض المصادر القديمة الغريبة على أكثر طلبة العلم ككتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان وهو سني خالص كما سيأتي.

وحتى لا أتعبكم بهذه المفاجأت وأمثالها دون توثيق، فلابد من التوثيق والتنفيس بالدخول في الروايات مباشرة، وأنا لي رأيي الخاص فيها، وإنما هنا أنا أورد رأي حذيفة الذي استشهدوا بحديثه، حتى يعرفوا من هم ( دعاة النار) الذي يقصدهم حذيفة، هل منهم ولاة عثمان أم حسن المالكي؟!.

تفصيل الروايات:

الرواية الأولى: صحيح البخاري - (ج 5 / ص 2250)  قال:

حدثنا أبو نعيم ( الفضل بن دكين)حدثنا سفيان ( هو الثوري) عن منصور ( ابن المعتمر) عن إبراهيم ( هو النخعي) عن همام ( هو ابن الحارث بن قيس) قال: كنا مع حذيفة فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان  فقال حذيفة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يدخل الجنة قتات ) ! اهـ

التعليق:

قلت:  السند صحيح جداً، كلهم ثقات أثبات، سمع بعضهم من بعض، ( وما بين الأقواس من عندي لبيان رجال الإسناد وحديثهم يملأ الصحيحين)، وهذا الذم الشديد من حذيفة لهذه النميمة ( رفع الحديث إلى عثمان) دليل على أنه يرى أن عثمان بن عفان من سلاطين الجور عنده وليس من سلاطين العدل، وإلا فما الضرر لو راقب عثمان حذيفة وأصحابه ولم يجد عندهم معارضة؟!

ونشر الجواسيس في عهد عثمان على الصحابة الكبار كحذيفة وابن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي ذر خطأ كبير، لأنهم إن لم يكونوا مؤتمنين على الدين والدولة فمن سيكون؟ مروان ومعاوية وبقية دعاة النار؟!

وهذا التجسس على كبار الصحابة في عهد عثمان  كان بسبب استيلاء الحاشية على عثمان ووشايتها وتحريضها عثمان في التجسس على كبار الصحابة وترك والتجسس على ولاته وهم الأغيلمة السفهاء الذين حذر منهم النبي صلوات الله عليه، ( وهذه السنة خالف فيها عثمان سنة عمر) فعمر لم يكن يتجسس على الصحابة بقدر ما يتجسس على ولاته، وعثمان بالعكس ترك التجسس على الولاة وأصبح التجسس على كبار الصحابة ومعاقبتهم هو الواقع، فالحاشية بهذه الأعمال والتصرفات بعلم عثمان أو بلا علمه، بأمره أو بتحريض الحاشية، بقوته أو بضعفه، قد أدى في نهاية الأمر لفصل الصحابة عن عثمان باستثناء طلقاء بني أمية وأهل الريب من ثقيف، ثم هذه الحاشية تتصرف مستقلة وتقطع الأمور دون عثمان وهي تنسق مع أمراء عثمان على ترحيل هذا الصحابي ونفي هذا الزاهد ومنع عطاء ذاك التابعي وسجن ذاك الناصح ...الخ، فالثورة على عثمان هذه هي أسبابها الطبيعية الصحيحة ( أمراء عثمان وحاشيته وليس تلك القصة الخرافية عن عبد الله بن سبأ التي فرح بها النواصب والسلفيون بعد أن كانت مجهولة تماماً عن سلفية القرون الثلاثة الأولى، لأنه لا حقيقة لها، فهذه مصنفات السلفية وغيرهم في القرون الثلاثة الأولى ليس فيها حرف واحد عن عبدالله بن سبأ وإنما فيها مثل هذه الروايات التي يرويها البخاري ومسلم في صحيحهما، من اضطهاد الصحابة إلى إضاعة الصلاة ..الخ).

ولذلك قلنا أن الوعي بحقائق التاريخ الصحيحة يؤدي للاعتدال، وأن الوعي المزيف يؤدي للكراهية وشدة الخلاف والوشايات والكراهية لأن الجاهل يكره الحقيقة المخالفة لما في عقله من خرافات وأساطير، لأن التصور السلفي عن فتنة عثمان يأخذونه من راوٍ كذاب، ونحن نأخذ تصورنا عن الفتنة في عهد عثمان من الصحيحين وما صح سنده من كتب السنة المتقدمين في القرون الثلاثة الأولى.

أتحدى هؤلاء أن يجدوا لي رأياً خرج عن مصادر أهل السنة في القرون الثلاثة الأولى، ومنها موقف حذيفة من عثمان وعهد عثمان وولاة عثمان وحاشية عثمان، وأتحداهم مع شيخهم سليمان العودة أن يجدوا لابن سبأ مشاركة في فتنة عثمان من غير طريق الزنديق الكذاب سيف بن عمر.

ولا ريب أن ولاة عثمان وحاشيته تسببت في عدة مظالم من قتل ونفي وتسيير للصالحين وقتل بعضهم وحرمانهم للعطاء ..الخ، فهذا واقع ومحل إجماع ( راجعوا بحثي مواقف الصحابة من فتنة عثمان)، وهذه مظالم بلا شك.. لكني أنا شخصياً أحملها حاشية عثمان وولاته لا عثمان، فهو مستضعف كبير في السن محباً لقرابته محسناً الظن بها، ولكن مصادر السنة المتقدمة يحملونها عثمان نفسه، بل الصحابة الكبار مثل حذيفة عمار وابن مسعود وأمثالهم يحملونها الجميع عثمان وولاته وهم رأس السلفية الأولى، وإن خرجوا من السلفية فليس في الدنيا سلف ولا سلفية.

وكون أخطاء عثمان وولاته مظالم كانت محل إجماع سني قديم، قبل أن يولد سيف بن عمر ( 170هـ) الذي أخرج السلفية من ورطتها بقصة عبد الله بن سبأ المخترعة، فهذا صحيح البخاري ينطق، وهو أوثق من تاريخ سيف بن عمر الزنديق الكذاب، نعم الحنبلية كانوا يميلون للسكوت لكن أحمد روى في مسنده الكثير من ملحوظات الصحابة الكبار على عثمان ( تجدون بعضها في بحثي: مواقف الصحابة من فتنة عثمان) ومنهج أحمد السكوت حتى عن الأحاديث وتفسيرها فكيف بالروايات التاريخية التي تضمنتها مناسبات مسنده وكتابه الآخر فضائل الصحابة، ومع ذلك فقد رواها لصحتها وكثرتها وشهرتها.

والقاعدة السلفية تقول ( الحجة في رواية الراوي لا في رأيه) فنحن نحتج بالأحاديث والروايات التي أوردها أحمد وصحت أسانيدها ولا نحتج برأيه، فأنا هنا سلفي المنهج وهم تلفيق من آراء شتى لم أجد أحداً على مذهبهم إلا تلك الشرذمة التي بدعت البخاري وضعفته وهجرته وكفرت أبا حنيفة وبدعته ...

هؤلاء شرذمة قديمة ليس لهم مذهب إلا سوء الخلق:

هي شرذمة داخل أهل السنة للأسف، لكن الاعتدال السني هو الأصل، ولولا علمي بالاعتدال السني الذي لا يعلمونه هم لانتسبت لأي مذهب آخر ( إمامي إباضي زيدي ... أي مذهب، بل ربما أي دين يحمي لي عقلي وضميري من هذه التشوهات النفسية والعقلية التي تتمتع بها عقول غلاة السلفيين، والصحويون عالة عليهم ويظنون أنهم معهم ضد الحاكم!)

لكنني أتحرك بحرية داخل التراث السني والقواعد السنية النظرية في مجملها صحيح، لكن السلفية تشوهها بسوء التطبيق، كما رأيتم تركبيهم لحديث حذيفة في ( الدعاة على أبواب جهنم) على حسن المالكي! فالتطبيق السلفي المغالي هو الذي يدفع أبناء السنة للتفلت إلى أي مذهب آخر، وربما لأي دين آخر أو للعلمنة والإلحاد، لأن المنهج السلفي المغالي ضد العلم والمعرفة والوعي والعقل والضمير والتاريخ وتدبر القرآن والاحتكام للنصوص وحسن تفسيرها، وضد معرفة الآخر معرفة حقيقة، وإنما يحبون تشويه صورة الصورة الآخر [أي شكل من الأشكال، بالكذب والزور والتضخيم ونسبته لمذاهب أخرى ...الخ،.

وكل هذا بسبب جهلهم بالسنة المحمدية ومشتركات السلف الصالح الي يحق أن نقول عليه ( السلف الصالح) وتقوقعهم في بقايا من السلفية المزورة،  التي تعتمد الانتقائية والبتر والتحريف والكذب والوشاية والتحزب والتخفي والجبن والتفاخر على لا شيء والتكفير والتبديع والتضليل والاستعداء والنفاق لكل تربة يطئون عليها ...الخ، فجمعهم لمساويء الأخلاق وتسمية هذه المساويء ( سنة ) لابد أن ينفر الناس من السنة، وأنا أعرف الكثير ممن تركوا المذهب السني بسبب أنهم تساءلوا عن أمر معين فجاءه المجيبون ( أنت رافضي وأبن متعة  ... الخ ) فيكتشف المتسائل أن هذا المذهب لا يمكن  يكون حقاً  أبداً مادام أن أتباعه على هذه الجرأة  في الكذب والبهتان، فينصرفون عن المذهب السني كله لأنهم يظنون أن هؤلاء الحمقى سنة، وسنة محمد بريئة منهم، إنما هم أتباع سنة مذهبية أموية عباسية سلطانية تلفيقية مزورة ملعونة.

عودة لحذيفة وعثمان:

إذن قلنا أن هذه مظالم حصلت لبعض كبار الصحابة والتابعين من ضرب ونفي وتسيير من بلد لبلد وقطع عطاء وتمكين القرابة من الإدارة والمال ...الخ – حتى لو اختلفنا هل كانت هذه الأخطاء من عثمان أو من ولاته أو هما معاً فهذا تفصيل-  لكن لابد شرعاً أن نقر بأن مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعلقمة بن قيس وزيد بن صوحان وكعب بن عبدة وأبي ذر وعبادة بن الصامت وجندب الخير  وكميل بن زياد وعلقمة بن قيس ..الخ وغيرهم الكثير ممن سيرهم عثمان من بلد إلى بلد أو قطع عنهم رزقهم أو تعرضوا للضرب بفعل وشايات حاشية عثمان وولاته صلحاء أهل مصرهم ( البصرة – الكوفة – المدينة) وكانوا ممن أنكر على عثمان وولاته تلك المظالم وغيرها، وهذا الفرار من حقائق التاريخ هو الذي أبقى السلفية في حماقة تاريخية غير معقولة.

إذن فما نقلته من صحيح البخاري أصح رواية في علاقة حذيفة وعثمان ( أنه يرى أن من يرفع الحديث إليه فهو قتات من أهل النار)، ولرأيه في عثمان قرائن وشواهد كثيرة، كما أن لها روايات تخالفها ضعيفة، لكن لو أسقطنها الأضعف فالأضعف من روايات علاقة حذيفة بعثمان الإيجابية والسلبية، لبقيت أصح الروايات الصحيحة التي في البخاري والتي تحدد علاقة حذيفة بعثمان هي هذه الرواية ورواية أنه لم يكن يصلي خلف ولاة عثمان ( هاتان أصح ماروي في علاقة حذيفة بعثمان، ولا ريب أنها تصب في ذم حذيفة لعثمان وليس في اتفاقه معه أو ثنائه عليه) فإذا كان هذا رأي حذيفة في عثمان فكيف برأيه في ولاة عثمان كمعاوية والوليد وابن أبلي السرح وابن عامر وابن أبي السرح ومروان الذين على أيديهم جرت فتنة عثمان ( وليس على يد ابن سبأ كما يزعم الراوي الكذاب سيف بن عمر، لكن السلفية يهربون مما في صحيح البخاري إذا خالفهم ويذهبون لرواية من اتفق أهل الحديث على أنه كذاب زنديق لأنها تتوافق مع عقيدتهم في الجمع بين المتخاصمين بدلاً من الفصل بينهم بالشرع).

حذيفة كان معارضاً لسياسة عثمان وولاته:

ومعارضته لعثمان أشد من معارضتي لهؤلاء، فأنا أرى الصلاة خلفهم ولا أجل من يتجسس لهم من أهل النار، ولا أتخذ التقية خوفاً من شرورهم، بينما حذيفة فعل هذا كله، إذن فكان عليهم واجبان:

الواجب الأول:  ألا يستدلوا بحديث لحذيفة بن اليمان فهو ضد منهجهم، وإنما كان عليهم أن يأتوا بحديث عن صحابي قريب من منهجهم ( ليس معارضاً لعثمان وذاماً لمعاوية، أي كابن عمر وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن سلام وزيد بن ثابت وأبي هريرة).

الواجب الثاني: حذيفة لم يكن على منهج السلفية اليوم في تبرئة عثمان وولاة عثمان من الجور، أو الظلم أو حتى الأخطاء، فحذيفة لابد أن يخرج من هذا السلف على الأقل ( وعند دراستنا الصحابة صحابياً صحابياً ونبدأ بالأفضل الأفضل سنجدهم كلهم في صف حذيفة وعمار وابن مسعود وليس في صف عثمان إلا من هو أقل منهم فضلاً وعلماً وسابقة، هذه هي الحقائق الأولى التي يهرب منها السلفيون مع وجودها في أصح الكتب عندهم بعد القرآن الكريم).

ثناء حذيفة على عثمان ضعيف/ والأقوى الذم للأسف:

نعم جاء عن حذيفة من طريق ضعيفة أنه أثنى على عثمان في كذا وكذا رواية، وحكم على قتلته بالنار.. ولكن هذه ضعيفة مثل تلك التي روت عنه أنه كفر عثمان وحكم عليه بالنار.. فهي أيضاً ضعيفة الأسانيد وإن كانت مندرجة تحت أصل صحيح من معارضة حذيفة لعثمان.

إذن  فلنسقط المتدافع الضعيف في المدح والذم.

وليبقى الصحيح المفيد المتفق على ثبوته عن حذيفة.

بل إن ترجيح الرواية الضعيفة الذامة لعثمان بشدة أولى من تصحيح ما يضادها مما يماثلها في القوة،  لأن الروايات الذامة مندرجة تحت هذه الرواية الصحيحة ( في صحيح البخاري) وأمثالها، وترجيحها أولى من جعلها نافية لما في الصحيحين، لكن نقول من باب المنهجية ( لتبقى الروايات الأقوى ونسقط ما دونها من مدح  أو ذم من حذيفة لعثمان).

وأساس انحراف المتعصبين هو تقديمهم الضعيف على الصحيح، فهذا الخلاف إن نشأ لا ينتهي أبداً، وإنما قد يخف مع العلم ويزداد مع الجهل والتسييس.

ثم هذه الرواية الصحيحة – التي في صحيح البخاري-  ليست الوحيدة التي تؤكد على موقف حذيفة  في معارضة عثمان وولاته وسياساته، بل والمبالغة في ذلك أيضاً، وإنما هناك روايات أخرى في الصحيحين وغيرهما تسير في هذا الاتجاه، ومنها:

الرواية الثانية: صحيح البخارى - (ج 11 / ص 134)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « اكْتُبُوا لِى مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ » . فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ ، فَقُلْنَا نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّى وَحْدَهُ وَهْوَ خَائِفٌ  اهـ

التعليق:

هذه الرواية تؤكد أن حذيفة كان يصلي وحده في عهد عثمان، ولا يصلي خلف ولاة عثمان كالوليد بن عقبة وسعيد بن العاص، فما سبق يؤكد معارضة حذيفة لعثمان وربما يؤكد لتزعمه المعارضة العراقية مع  عبد الله بن مسعود.

ونحن نرى بوضوح أن هذه الرواية تعكس التغير الكبير الذي حصل في عهد عثمان، لدرجة أن وصل هذا التغيير إلى الصلاة من تأخير عن وقتها مثلاً (  كما في قصة الوليد بن عقبة)، وكذلك التغيير في صفة الصلاة وهيئتها، كما في مطرف بن الشخير وغيره عن عمران بن حصين في الصحيحين ( لقد ذكرنا هذا الرجل – يعني علياً- صلاة كنا نصليها مع رسول الله (ص)- وكان صلى بهم في البصرة ورأوا الفرق بين صلاته وصلاة ولاة عثمان فتذكروا صلاة رسول الله بصلاة علي بن أبي طالب..

فهذا يدل على أن الصلاة في عهد عثمان ( في الولايات الإسلامية) كانت قد تغيرت عن صفتها وهيأتها في عهد النبي (ص)، والتغير ليس صغيراً، لماذا؟

لأنه ذكر الصحابي عمران بن حصين نفسه بعض تلك الفروق بين صلاة النبي (ص) التي صلاها علي بن أبي طالب بعد فتح البصرة، وتلك الصلاة التي كان عليها أمراء عثمان قبل مقدم علي للعراق، ومن تلك الفروق قول عمران: ( أنه كان يكبر كما رفع ووضع)!

وهذا عجيب!

لا أدري أي صلاة كانت قد بقيت في عهد عثمان وقد ذهب منها التكبير؟!

فهذا تغير كبير جداً وليس هيناً كما يظن البعض، وإذا وصل التغير إلى الصلاة فهو في ما سواها أوصل وأبلغ ( في السياسة والأموال والعدالة والحقوق ..الخ).

ليتذكر هؤلاء الضحايا عندما يكبرون تكبيرة الإحرام أن الذي أعاد التكبيرات للصلاة هم سلفنا ( علي بن أبي طالب) لا سلفهم ( ولاة عثمان) الذين كانوا يصلون صلاة عجيبة ضاع منها حتى التكبير ( كل هذا وفق صحيح البخاري ومسلم)! إضافة لفسق الولاة وشربهم الخمر كما ثبت في الصحيح من قصة الوليد بن عقبة.

والحديث في الصحيحين – أعني صلاة حذيفة سراً- 

كما جامع الأصول من أحاديث الرسول - (ج 10 / ص 7570)

(خ م ) حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - : قال : كنا مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : « احصوا لي كم يَلْفِظُ الإسلامَ ؟ فقلنا : يا رسولَ الله أتخافُ علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة ؟ قال : إنكم لا تدرون ، لعلكم أن تُبْتَلوْا ، فَابتُلينا ، حتى جعل الرجل منَّا لا يُصَلِّي إلا سِرا ».أخرجه البخاري ومسلم.

وللبخاري أنه قال : « اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل ، فقلنا : أتخاف ونحن ألف وخمسمائة ، فقد رأيتُنا ابتلينا ، حتى إن الرجلَ ليصلي وحده وهو خائف » اهـ.

وجاء  الحديث في مصدر أقدم من الصحيحين،  كمصنف ابن أبي شيبة ومسند أحمد ( من طريق أبي معاوية عن الأعمش به)، وجاء في مصادر بعد الصحيحين كسنن النسائي وابن ماجة وصحيح ابن حبان و الإيمان لابن مندة وغيرها من المصادر ( وجاء تخريج الحديث في المسند الجامع - (ج 11 / ص 257):  حديث رقم 3378- عَنْ شَقِيقٍ بْنِ سَلَمَةَ , أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ. قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ , أَتَخَافُ عَلَيْنَا , وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِئَةٍ إِلَى السَّبْعِمِئَةٍ ؟ قَالَ : إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ , لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا. قَالَ : فَابْتُلِينَا , حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يُصَلِّي إِلاَّ سِرًّا.- وفي رواية : اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ , فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِئَةِ رَجُلٍ ، فَقُلْنَا : نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِئَةٍ ؟ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُْوَ خَائِفٌ. قال المحقق: أخرجه أحمد 5/384 (23648) قال : حدَّثنا أبو مُعَاوِيَة. و"البُخَارِي" 4/87(3060) قال : حدَّثنا مُحَمد بن يُوسُف ، حدَّثنا سُفْيان (ح) وحدَّثنا عَبْدَان ، عن أَبي حَمْزَة. و"مسلم" 1/91(294) قال : حدَّثنا أبو بَكْر بن أَبي شَيْبَة ، ومُحَمد بن عَبْد اللهِ بن نُمَيْر ، وأبو كُرَيْب ، قالوا : حدَّثنا أبو مُعَاوِيَة. و"ابن ماجة" 4029 قال : حدَّثنا مُحَمد بن عَبْد اللهِ بن نُمَيْر ، وعلي بن مُحَمد ، قالا : حدَّثنا أبو مُعَاوِيَة. و"النَّسائي" ، في "الكبرى" 8824 قال : أخبرنا هَنَّاد بن السَّرِي ، عن أَبي مُعَاوِيَة. ثلاثتهم (أبو مُعَاوِيَة ، وسُفْيان ، وأبو حَمْزَة) عن الأَعْمَش ، عن شَقِيق ، فذكره./  قال البُخَارِي : حدَّثنا عَبْدَان ، عن أَبي حَمْزَة ، عن الأَعْمَش ؛ (فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَمِئَةٍ. / قال أبو مُعَاوِيَة :مَابَينَ سِتِّمِئَةٍ إِلَى سَبْعِِمِئَةٍٍ..) اهـ

ولن أشرح الحديث فهو واضح... وأنا أأسف لهذا الخلاف وهذه الفتنة، لكن حذيفة معه الحق في خلافه مع عثمان، وقد وافقه أكثر أهل بدر والرضوان، وهذا فصلناه في فتنة عثمان، والحق المر لابد من قوله حتى ينتبه المغفلون وينتبه المخدوعون بهم.

و من الروايات التي تسير في هذا الاتجاه ( معارضة حذيفة لعثمان):
وتكشف عن جانب من جوانب معارضته السرية ( تلك المعارضة السرية التي كانت جواسيس عثمان ترفع له وقائعها، وهو ما كاشف به عثمان حذيفة كما يلي) وهي:

الرواية الثالثة: المعارضة السرية لحذيفة

  تهذيب الكمال للمزي - (ج 5 / ص 508).

وقال الاعمش ( ثقة من رجال الجماعة) ، عن عبدالملك بن ميسرة ( ثقة من رجال الجماعة) ، عن النزال بن سبرة ( تابعي ثقة وقيل له صحبة من رجال البخاري والسنن)قال:  كنا مع حذيفة في البيت ( بيت عثمان)، فقال له عثمان: يا أبا عبدالله ما هذا الذي يبلغني عنك ؟  قال: ما قلته، فقال عثمان: أنت أصدقهم وأبرهم،  فلما خرج قلت: يا أبا عبدالله ألم تقل ما قلته ؟ قال: بلى، ولكني أشتري ديني ببعضه مخافة أن يذهب كله اهـ!

التعليق:

تهذيب الكمال مصدر سني والسند صحيح ( ولكن لم  يذكر المزي كل الإسناد) وأما المتن فخطير، فكلام حذيفة هنا كلام خائف من ظالم وليس كلام ناصح لعادل، لا يفعل هذا أحد من الصالحين إلا إذا خشوا قتلاً أو سجناً، لا غضباً أو عتاباً، وهذه إدانة من حذيفة لعثمان، وكأنه من كبار سلاطين الجور، وله شاهد ذكره المزي.. سنتركه ونذكر الإسناد كاملاً من مصدر أقدم:

والإسناد كاملاً في تاريخ دمشق - (ج 12 / ص 294)

من طريق أبي نعيم ( وهو صاحب الحلية):  أنبأنا احمد بن إسحاق نبأنا إبراهيم بن متوية نبأنا عبيد الله بن اسباط نبأنا أبي عن الاعمش عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال:  كنا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان يا أبا عبد الله ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال ما قلته! فقال عثمان أنت أصدقهم وأبرهم فلما خرج قلت يا أبا عبد الله الم تقل ما قلته؟ قال بلى ولكني اشتري ديني ببعضه مخافة أن يذهب كلهاهـ

التعليق:

سبق دراسة الإسناد، ورجاله ثقات، وبقية الرجال هنا ثقات، ولا يأتي متجاهل أو جاهل ليقول ولكن لم تذكر الإسناد من ابن عساكر إلى أبي نعيم! فهذا قول جاهل أو مضلل، ونحن إنما نخاطب خواص طلبة العلم بالحديث والتاريخ والتدوين وليس هؤلاء الضحايا،  فإن طلبة العلم يعرفون بأن ابن عساكر يروي  تلك الكتب المتقدمة بأسانيد صحيحة، ولو لزمنا ذكر إسناد ابن عساكر إلى أبي نعيم للزم هؤلاء ذكر إسنادهم إلى البخاري ومسلم وأحمد وبقية السنن، فهي يعرفونها بالإسناد؟، ولكن تم إهمال ذكر إسناد هذه الكتب لأن ذكره مجرد عبث  وتحكم، إلا لمن يشكك في هذه المصادر مثلاً وأنها إنما كتبت في عهد العثمانيون أو المماليك، فهذا يلزمنا الرد عليهم وإقناعهم.

وخشية حذيفة أن يذهب دينه كله، يظهر لي أنه يقصد أنه قد يعتقل أو يسجن أو يقتل فيضيع حديثه وجينه كله، وهو حريص على تعليم التابعين ذلك الخير ودلائله وذلك الشر ودلائله التي تعلمها من النبي صلوات الله عليه.



الرواية الرابعة: حذيفة يؤيد منهج عمار في الثورة على عثمان..

تاريخ المدينة - (ج 4 / ص 1249)

حدثنا أبو أحمد ( وقد توبع من عبيد الله بن موسى وأبي نعيم وسيأتي) قال، حدثنا سعيد بن أويس ( صوابه سعد وهو صدوق = التقريب) ، عن بلال ابن يحيى (العبسي= صدوق) قال: بلغني أنه لما قتل عثمان رضي الله عنه أتي حذيفة وهو بالموت فقالوا له: يا أبا عبد الله، ما تأمرنا، فإن هذا الرجل قد قتل ؟ قال فقال: أما إذا أبيتم فأجلسوني، وأسند إلى صدر رجل، فقال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة ولا يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم –

( قال ابن شبة) :

وقد روي هذا في عمار رضي الله عنه بغير هذا الاسناد أيضا، فإن كان ما رووي عن عمار رحمة الله عليه من قتله عثمان رضي الله عنه وإصراره على أنه كان كافرا حقافهو من قبل الهرم الذي استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ

( لمعرفة موقف عمار من عثمان راجع بحثي عن : مواقف الصحابة في الفتن، وعمر بن شبة هنا سني من أهل السنة القديمة، فلا يقول كما يقول هؤلاء: هذا مستحيل ولا يمكن لعمار أن يكفر عثمان أو يشارك في قتاله ...الخ، وإنما احتمل ابن شبة ذلك، ونحن نثبت معارضة عمار لعثمان دون مشاركته في قتل عثمان وأما رأيه في عثمان فشديد، هؤلاء كلهم سلف حذيفة وعمار وأهل بدر والرضوان والأنصار – ومعظمهم مؤيدون للثورة على عثمان-  ومنهجنا أن الصحابة كلهم المؤيد والمعارض ليسوا محلاً للتشريع، والنص فوقهم، وهو يحكم بينهم، وهذه هي السلفية المنهجية وأما السلفية الجاهلة أو الخائفة فتصدها مثل هذه الأخبار في المصادر السنية القديمة، ولكننا هنا نخاطبهم بشرعهم.

وهو في مصدر أقدم ألا وهو الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 262)

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين قالا: أخبرنا سعيد بن أوس العبسي عن بلال بن يحيى العبسي قال: لما حضر حذيفة الموت، وإنما عاش بعد قتل عثمان أربعين ليلة، فقيل هل يا أبا عبد الله إن هذا الرجل قد قتل، يعني عثمان، فما ترى؟ قال: أما إذ أبيتم فأجلسوني، فأسندوه إلى صدر رجل ثم قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول أبو اليقظان على الفطرة، أبو اليقظان على الفطرة لن يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم.

أمالي المحاملي  - (ج 1 / ص 334)

حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا مسلم بن قتيبة أبو قتيبة قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة قال :

« لم يبق من الذين قال الله : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) إلا رجلين أو ثلاثة »! اهـ

التعليق:

والسند قوي، وحذيفة كأنه يلمح إلى بني أمية في عصره،  فهم الذين ورد فيهم ( إذا بلغ بنو أمية – وفي لفظ بنو أبي العاص-  ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دخلاً ( يعني خداعاً) وعباد الله خولاً ( يعني عبيداً) ومال الله دولاً ( يتداولونه فيما بينهم) والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وبناء على مواقف حذيفة من الوليد بن عقبة وحاشية عثمان وولاته - وأن الناس اتخذوهم أولياء مع أنهم أعداء الله، وقد يقول قائل: إن عثمان سيكون منهم عند حذيفة بطريق الأولى، فهو الذي مكنهم من الولايات.

الرواية الخامسة: حديث حذيفة: ( يتبع الدجال من يحب عثمان):

قاله حذيفة، في مصادر السنة لا مصادر الشيعة، بل الشيعة عالة علينا في مثل هذه الأخبار، والسند صحيح أيضاً، وله حكم المرفوع  فمثله لا يقال بالرأي، وانشغل أهل الحديث مرة بتضعيف زيد بن وهب، ومرة بالسكوت عن اسم عثمان وحذفه، وثالثة بتحريفه إلى ( من أحب قتل عثمان ..)

وقد رواه على الصواب يعقوب بن سفيان واستنكره، وكذا رواه الذهبي ودافع عن راويه ( زيد بن وهب ) عن حذيفة، وحرّفه شبابة بن سوار الناصبي للضد في (من يبغض عثمان)، وكان شبابة ناصبياً ضعيف الحديث ليس في ثقة زيد بن وهب ولا جلالته، فزيد بن وهب من رجال الصحيح وشبابة بن سوار ضعيف.

أصل الحديث في المعرفة والتاريخ - (ج 1 / ص 364)

حدثنا ابن نمير حدثنا محمد بن الصلت حدثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة قال: من كان يحب (...) وخرج الدجال تبعه، فأن مات قبل أن يخرج آمن به في قبره. ( هكذا النص فيه حذفهم اسم عثمان هنا، وهذه من خيانات أهل الحديث ولي فيها بحث كامل، نصف أهل الحديث خونة يبترون النصوص)

قال المؤلف : (( ومما يستدل على كذب هذا الحديث الرواية الصحيحة عن حذيفة إنه قيل له في عثمان: إن قتل فأين هو ؟ قال: في الجنة. وقوله: ما مشى قول إلى سلطان ليذلوه إلا أذلهم الله حينما قيل له ساروا إلى عثمان ... الخ اهـ

قلت: هكذا ورد في المطبوع فقد حذف المحققون كلمة ( عثمان) ولكن نسي المحققون فلم يحذفوا (عثمان) من موضع آخر في كتاب يعقوب بن سفيان نفسه، وهو :

في المعرفة والتاريخ - (ج 1 / ص 365)

قال يعقوب بن سفيان: وهذا مما يستدل على ضعف حديث زيد كيف يقول في الحديث الأول: إن أُخرج الدجال تبعه من كان يحب عثمان، وإن كان قد مات آمن به في قبره، ثم جعل قتله أول الفتن؟ اهـ

قلت: لا تناقض بين الأمرين، فقد ثبت عن حذيفة وغيره أن قتل عثمان أول الفتن، فما المنكر في ذلك؟ بل أصبح قولهم (فتنة عثمان) عنواناً إسلامياً عاماً..

أما الشطر الثاني من اتباع  العثمانية الدجال، فالمقصود بهم من يغلون في حب عثمان ( النواصب) وحذيفة رأس العلم بالملاحم والفتن بعد علي بن أبي طالب.

وفي الواقع أن العثمانية ( المغالين في عثمان وهم من النواصب) اليوم  قد خرجوا وراء كل دجال قبل خروج الدجال!  بل يستسيغون كل دجل في تشييد مذهبهم ورموزهم وكل دجل في ذم خصومهم وتشويه صورتهم.

دفاع الذهبي عن زيد بن وهب وذكره الحديث دون تضعيف:

ففي ميزان الاعتدال للذهبي - (ج 2 / ص 107)

زيد بن وهب [ ع ] من أجلة التابعين وثقاتهم، ومتفق على الاحتجاج به إلا ما كان من يعقوب الفسوى فإنه قال - في تاريخه: في حديثه خلل كثير، ولم يصب الفسوى.

ثم إنه ساق من روايته قول عمر: يا حذيفة، بالله أنا من المنافقين ؟

قال ( يعني الفسوي): وهذا محال، أخاف أن يكون كذبا.

قال ( يعقوب): ومما يستدل به على ضعف حديثه روايته عن حذيفة: إن خرج الدجال تبعه من كان يحب عثمان.

ومن خلل روايته قوله: حدثنا - والله  - أبو ذر بالربذة، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلنا أحد [ الحديث ].

قال الذهبي:

(( فهذا الذى استنكره  ( يعقوب بن سفيان) الفسوى من حديثه ( حديث زيد بن وهب) ما سُبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثير من السنن الثابتة بالوهم الفاسد، ولا نفتح علينا في زيد بن وهب خاصة باب الاعتزال، فردوا حديثه الثابت عن ابن مسعود، حديث الصادق المصدوق وزيد سيد جليل القدر، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وزيد في الطريق، وروى عن عمر وعثمان وعلي والسابقين، وحديث عنه خلق.

ووثقه ان معين وغيره حتى أن الأعمش قال: إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذى حدثك عنه، قلت: مات قبل سنة تسعين أو بعدها اهـ.

الرواية السادسة: عن حذيفة..

ففي المعرفة والتاريخ - (ج 1 / ص 363):  حدثني ابن نمير حدثنا أبي ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن الوليد بن صخر الفزاري عن جزى بن بكير العبسي قال: لما قتل عثمان، أتينا حذيفة فدخلنا صفة له قال: والله ما أدري ما بال عثمان، والله ما أدري ما حال من قتل عثمان إن هو إلا كافر قتل الآخر، أو مؤمن خاض إليه الفتنة حتى قتله فهو أكمل الناس إيماناً / حدثني محفوظ بن أبي توبة حدثني أبو نعيم حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن صخر بن الوليد عن جزي بن بكير قال: لما قتل عثمان، فزعنا إلى حذيفة في صفة له فقال: والله ما أدري كافراً أو مؤمناً خاض الفتنة إلى كافر يقتله اهـ..

التعليق:

المصدر سني، وفيه تكفير حذيفة لعثمان، وهو ما لم نقل به ولا نعتقده وإن خطأنا عثمان في سياساته وإدارته لكن لا نفسق ولا نكفر،  صحيح أن السند فيه ضعف، ولكن قد يأتي من يقول إن هذا يندرج تحت أصل صحيح من شدة معارضة حذيفة لعثمان، ويهمنا هنا أن المصادر السنية هي التي تروي مثل هذه الأمور وأنا أرى روايتها لهذه الاختلافات – حتى الحادة منها- أمر إيجابي وسعة أفق عند أهل السنة بل وشجاعة في نقل مثل هذه الأخبار، التي تورعت من نقل بعضها، فقد بقي أكثر من ثلاثين إسناداً عن حذيفة تسجل أحداثاً شتى من معارضته الشديدة لعثمان، كما رويت أخبار على الضد من ذلك ( ولي مبحث في مواقف حذيفة من عثمان وكيف تم وضع أحاديث وروايات في العهد الأموي منكرة ووضاعها معرفون) تركتها لضعفها أيضاً واقتصرت على الصحيح ونماذج مما يسير في ضوئه ممن لا نؤمن به إلا أن فيه إثبات أن أهل السنة المتقدمين كانوا أرحب وأكثر أمانة وأكثر علمية في تبنيهم الاحتمال في بعض الأخبار الشديدة ولم يسارعوا للإنكار، والفريق المتطرف كان معزولاً عن كتب أهل السنة إلا أنه لأسباب سياسية ومذهبية أمتزج مع الزمن بالفريق السني المعتدل ثم حكم على أفكار هذا الفريق بالبدعة والضلالة.

والخلاصة: أن الروايات في معارضة حذيفة لعثمان وبشدة كثيرة جداً، مثلها مثل الروايات في معارضة عائشة وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبي ذر وعبادة بن الصامت وعبد الرحمن بن عديس البلوي وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبد الله بن مسعود ...الخ وأغلب الصحابة يومئذ كانوا على هذا الرأي ( وقد فصلت هذا في بحثي : مواقف الصحابة من فتنة عثمان) وتصحيح النظرة لفتنة عثمان أول اليقظة من الدجل السلفي.
والمقصود هنا أن هؤلاء الضحايا وسلفهم لو كانوا يعرفون موقف حذيفة من عثمان – فضلاً عن معاوية وبني أمية- لما استدلوا بحديثه ولكذبوه واتهموه مباشرة، فقد اتهموا سبعة عشر بدرياًَ، مرة بالنفاق ومرة بالضعف في الحديث وليس صحيحاً أنهم يرون ( عدالة كل الصحابة) فهذه خدعتهم اللفظية النظرية أما واقعهم فنحن نعرفه جيداً ولن يتمكنوا من خداعنا، وهذا موضوع آخر سنكتب فيه حتى يتعلموا معنى ( العلم) وسنثبت لهم أن ابن تيمية يتهم بدريين بالنفاق فلا داعي للدجل السلفي والصحوي في هذا الزمان، انتهى ذلك الزمان الذي كان صوتهم فقط هو المسموع على حماقته، فهذا القرن هو قرن نهاية الدجل السلفي.

يتبع الجزء الثاني عشر...


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=136
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28