• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : الديمقراطية القادمة.. والفتاوى الفرعونية! .

الديمقراطية القادمة.. والفتاوى الفرعونية!

مقالات الاسبوعية-جريدة الكويتية

تجتاح العالم العربي موجة من التشدق بالحرية والعدالة وكرامة الإنسان..

إلخ، ولا يرفع الضغط والسكر إلا عندما ترى وحشا دمويا طائفيا يردد هذه الشعارات بكل أريحية! ولا يجد له من يقول: أنت كاذب منافق، أنت مع كتم الحرية والتمييز وهدر كرامة الإنسان..
ثم يكون مستعدا أن يثبت له ذلك بالبرهان من تلك الأيديولوجية المذهبية التي يؤمن بها ويعمل على تطبيقها يوما ما، نعم على القائل أن يكون على علم قوي بما ينطوي عليه التراث المذهبي من مضادة لدين الله ورحمته وعدله وصدقه ومعرفته.. إذن فماذا يعني أن يتحدث دموي عن الحرية والعدالة والكرامة والحقوق والمساواة؟ الجواب: هذا يعني نفاقا بخمسة قرون! وأغلب الناس ساكت وراضٍ بهذا النفاق، إما من باب مشاركة النفاق لنفاق آخر، أو خوفا من ذلك النفاق الذي لا يبقي مخالفا إلا اتهمه بكل القاموس الكاذب الذي يمتلكه، نعم فهذا النفاق الذي يكتسح العالم الإسلامي له رجاله وقنواته وأمواله وألوانه الزاهية.

هؤلاء الديمقراطيون الجدد (من الدمويين المخادعين) يتذاكون بترديد اللغة المألوفة العالمية (ثورة، حرية، عدالة، مساواة.. إلخ)، ولكنهم من أعدى أعداء الحرية والعدالة والمساواة. إذن نحن أمام أزمة صدق وأزمة ضمير.. حتى أنك لا تكاد تجد إلا كاذبا أو ساذجا أو ساكتا.
لقد استطاع الدمويون أن يأخذوا عقول كثير من الناس وقلوبهم بالنفاق والكذب فقط.. بأن يرضوكم بأفواههم وتأبى قلوبهم كما ذكر الله عن آخرين (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)» (التوبة 8 - 10)، لو كان هؤلاء الديمقراطيون الجدد جادين لراجعوا تراثهم وأدبياتهم وعقائدهم المليئة بالتمييز الطائفي والمذهبي، والتحريض على قتل المخالفين وكبتهم وإذلالهم.. إلخ، ولكان همهم الأول وثورتهم الكبرى هو إخراج دين الله من سجون أحقادهم وجهلهم وحماقاتهم، إلى سعة الإسلام وعدله ورحمته وحقوقه، لقد أحال المسلمون دينهم من كونه رحمة للعالمين إلى نقمة على المسلمين، ويحسبون أنهم مهتدون بهذا الضغط للإسلام الراحم العادل الصادق داخل المذهب الظالم الكاذب الدموي.
هذه لب مشكلات العرب والمسلمين من القرن الأول إلى اليوم، ومن يقرأ (موسوعة العذاب) يعرف أن السلف قد سبقونا إلى هذا التشريع للمظالم، مع أن الله لم يأمرنا باتباع سلف ولا خلف، إنما أمر باتباع كتاب الله وسنة رسوله، ولا يجوز اليوم أن يكون السؤال: متى نطبق الإسلام؟

وإنما السؤال المشروع والعلمي والمعرفي هو: متى نعرف الإسلام؟ نعم متى نعرفه ونخلّصه من أمراضنا وحماقاتنا وأحقادنا، متى نخلصه من هذا التوظيف الإجرامي الذي هو من أبلغ الذنوب «ومن أظلم ممن افترى الله كذباً»؟ متى يتواضع السجانون؟ متى يعرفون أن سجنهم للإسلام قد تجاوز كل الأرقام القياسية، فالإسلام أقدم سجين في التاريخ! نحن بحاجة قبل التطبيل للأغلبية والديمقراطية والكلام النفاقي والتذاكي المكشوف أن نكون صادقين مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين، ولنتذكر قوله تعالى «هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم»، فمعيار الصدق هو أكبر معيار يتم على أساسه الثواب والعقاب يوم القيامة كما في الآية. وما دعاني لهذا الكلام أنني شاهدت أحد الطائفيين على قناة من القنوات يتحدث عن الحرية والعدالة، وهو يقطر حقدا وطائفية مع صوت جهوري مزعج! كأنه يتكلم من جسمه كله! فتذكرت حوارا جرى مع أحد (دعاة الثورة) في بلد عربي - كنت في حوار معه على الخاص قبل شهر تقريبا - فقلت له نحن ضد الاستبداد ومع أي ثورة سلمية بشرط أن يكون لها مشروع حقوقي أفضل من الاستبداد القائم، ولكننا نبرأ إلى الله من كل تلك الدماء.. ثم قلت له ما معناه: نحن معكم بشرط أن نثق فيكم، لكننا للأسف لا نصدقكم في مزاعمكم أن (الشعب واحد لا فرق بين طوائفه ومذاهبه وعرقياته.. إلخ)
هذه اللغة مللناها منكم.. إلخ، فأخذ يؤكد بأنه صادق كل الصدق، وأنني إنما أحقد على الثورة لسبب مذهبي (هكذا أدخلني في مذهب لا أقر بانتسابي إليه)! فأردت أن أختبر صدقه فذكرت له فتوى لابن تيمية (بالجزء والصفحة) بوجوب قتل المخالفين وسبي نسائهم وفصل ذراريهم وأخذ أموالهم وتحريم الأكل معهم أو النوم معهم في مكان واحد.. إلخ، ولا سيما أنه يثني بإطلاق على ابن تيمية فقلت كيف سيخرج من هذه الفتوى؟ فأنا لا أعقل أن يكون رجل مع الحرية والعدالة والكرامة والمساواة بين فئات الشعب مع ثنائه الكبير وذوبانه في شخص له فتاوى كهذه؟ فهذا عندي تناقض. فماذا فعل الرجل الثائر للحرية والعدالة والمساواة والكرامة؟ لقد حكم على الفتوى في أول النهار بأنها (فتوى فرعونية) ثم حكم عليها آخر النهار بأنها (فتوى شرعية)!

وأنه لا إشكال فيها إلا أنها لا تصلح لهذا الزمان)! سبحان الله! وكأنها تصلح في زمان قائلها، وكأنه يضمن ألا يأتي أحد أعلى منه شأنا ليقول بل هي صالحة ولم يقيدها شيخ الإسلام بزمان ولا مكان! ولكن طبقوها أنتم بشكل تدريجي - لا ينتبه له الآخرون- من تهميش الفئات الأخرى واغتيالهم وسرقة أموالهم.. إلخ). هذا التخريج الأخير للفتوى سيكون أكثر قبولاً عند من يرون أن (فهم السلف الصالح) أولى بالتقديم من أي قوانين حقوقية وأنظمة عالمية (كفرية)! إذن فالمشكلة مع هؤلاء مضاعفة، إنهم من جهة يذوبون في الغلاة الذين لا يؤمنون بتلك الشعارات، إضافة إلى مشكلة أخرى، وهي سرعة تبدلهم وانتقالهم من التشدق بالمبادئ المقبولة إعلاميا إلى تشريع أعمال فرعون في يوم واحد (والحوار منشور على النت فقط أخرجه بلا إذن من الحوار الخاص للعام قبل أن يتورط). إذن، عندما تتحول الفتوى الفرعونية إلى فتوى شرعية، في يوم واحد فهو أمر مقلق، وهذا التبدل والتغير السريع هو الذي يدعو الآخرين للشك في كل الكلام النظري الذي يصدر من الإسلاميين (الذين هم في جلهم متمذهبون لا إسلاميون، فالإسلام مع وجود هذا التشويه لم يكتشف بعد!).
نحن أمام أزمة صدق، وهي أزمة قديمة، والجميع يأبى مناقشتها، كأن الجميع متفقون على أن الخداع والكذب أفضل من الصدق والمصارحة.

هل هناك اتفاق بين الإسلاميين والليبراليين والحمقى والعقلاء على ترك هذه (الكوامن المدمرة) تسري تحت الأرض حتى تجد أغلبية يقتنعون بها ثم يطبقونها؟ ولا سيما أنهم ما استولوا على حي من الأحياء إلا استعجلوا وطبقوا فيها هذه الجرائم باسم الإسلام؟

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=134
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29