• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : متى يطغى الإنسان؟؟ وماذا ينفق؟ (ألجزء الأوّل) .

متى يطغى الإنسان؟؟ وماذا ينفق؟ (ألجزء الأوّل)



                  متى يطغى الإنسان؟؟ وماذا ينفق؟
                            (ألجزء الأوّل)



متى يطغى الإنسان؟؟
الجواب: إذا استغنى (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
أعوذ بالله من غنىً يوصلنا للطغيان؛ ومرحباً بفقر يبقينا في الرحمة.
انتبهوا لدقة الآية الكريمة! ما قال (إن الإنسان ليطغى إن استغنى)؛ قال (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)؛ فلابد من الشعور الداخلي ليحصل الطغيان! وبهذا قد يطغى الفقير إن شعر أنه مستغنٍ عنك؛ فيشتمك ويتمنى موتك؛ ثم إذا شعر أنه بحاجة إليك؛ ولو في أمر تافه متملقاً!

الشعور بالاستغناء مرض كبر؛ ومن هذا الباب أتى في الحديث ما يفيد أن ممن يبغضهم الله؛ عائل مستكبر! أي  فقير ومتكبر ؛ فلا ماضي ولا مستقبل؛ ولا دنيا ولا آخرة!
ضلالة كاملة.
نعم؛ الاغنياء على خطر عظيم؛ أكثر من الفقراء؛ فالطاغي من الفقراء قليل؛ يجبرهم الفقر على العدل؛ والا فالاستعداد للشر موجود؛ لكن رحمهم الله بالفقر؛ أما الأغنياء فمعظمهم - والله أعلم - على خطر عظيم؛ يدفعهم المال للمظالم؛ لم يجربوا الصبر ولا كظم الغيظ ولا الحلم؛ ولا يعرفون آثارها في الهدي.
لو لم يكن في الاغنياء إلا كنز الأموال وحبسها في الأرصدة  لكفى به جرماً؛ بنص القرآن.
من منهم يبالي بهذه الآية؟ من؟
(۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)){التوبة}
لا يجوز كنز الأموال؛ بنص القرآن؛ يجب انفاقها؛ أي تفعيلها؛ سواء في الصدقة أو الاستثمار؛ كنز ما زاد عن حاجتك وعائلتك لمدة سنة  محرم؛ هذا الأصل القديم؛ ولكن معظم سلاطين المسلمين كانوا تجاراً؛ فسهلوا الأمر على أنفسهم بالمرويات؛ التي تبطل الآية السابقة؛ والتي تقول ما أدي زكاته فليس بكنز! وبها أبطلوا آيات وأحاديث كثيرة؛ أزاحوها من طريقهم ليكنزوا كما شاءوا؛ ولعل من المناسب التذكير بالآيات والأحاديث التي ابطلوها بما وضعوه من زور؛ من الآيات التي أبطلوها آية العفو؛ كما في الآية؛ والعفو ما زاد عن الحاجة؛ وليس ما أُدِّيت زكاته؛ وعلى هذا الجمهور:
(۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)){ألبقرة}
ومن الآيات التي ابطلها السلاطين التجار وفقهاؤهم عبر التاريخ - غير آية الكنز والعفو؛ وهما متفقان في المعنى - آية البر:
(۞ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)){ألبقرة}
فآية البر كلها واجبات؛ وفيها واجبان في المال؛ أحدهما الزكاة؛ وليس واجباً واحداً كما أشاع سلاطين المال وفقهاؤهم منذ القرن الأول.
هذا القرآن ينطق؛ والآيات التي أبطلوا معناها ببعض الأحاديث السلطانية كثيرة جداً - أبرزها ما سبق - فما هي الأحاديث التي تتفق معها والتي ابطلوها أيضاً؟؟
ستأتي؛ ولكن قبل سرد بعض الأحاديث المتفقة مع القرآن؛ والتي تم إبطالها بأحاديث مخالفة للقرآن؛ يحسن حشد مزيد من الآيات في موضوع آية الكنز؛ تأملوها؛ منها آية التطويق (سيطوقون ما بخلوا به)؛ وهي واضحة أنها عامة في من يبخلون؛ وليست خاصة في من منع الزكاة; لكنها منسية:
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)){آل عمران}
وآية سورة النساء في البخل والأمر به؛ وأن ذلك من الكفر؛ وهذا عام؛ لا يجوز تخصيصه.
تدبروها بقلب سليم وصدق؛ كأنها نزلت عليكم:
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)){ألنساء}
وآية التوبة التي جعلها رواة السلطات خاصة بأحد أهل بدر- ثعلبة بن حاطب؛ خصصوها في زكاة - والصواب أنها في موضوع آية الكنز:
(فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76)) {التوبة}
وآية الندامة في سورة المنافقين؛ وهي متفقة تماماً مع آية الكنز؛ وكذا العفو والتطويق الخ؛ ولا وجه لتخصيصها بالزكاة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)){ألمنافقين}
وآية الإنفاق بالليل والنهار - في سورة البقرة - لا وجه لتخصيصها بصدقة التطوع؛ ولا بالزكاة الحولية؛ وإنما بالليل والنهار!
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274))[/color {ألبقرة}
وآية الإنفاق في السراء والضراء؛ في سورة آل عمران؛ لا وجه لتخصيصها بزكاة الحول؛ والوعيد في الكانزين والبخلاء عام:
[color=497418](الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134))
{آلا عمران}
وأخف آيتين على الاغنياء وأرباب الأموال؛ هي آية الفرقان وآية الإسراء؛ وغاية ما تفيدان وجوب انفاق ٥٠% ؛ فأين هم منهما؟
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)) {ألإسراء}
( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67))
{ألفرقان}
كل هذه الآيات تم طمسها من العقول والقلوب بأحاديث جعلوها مستجيبة لرغبة الناس العامة في الكنز وحبس الأموال عن الانفاق والتفعيل والاستثمار؛ وبهذه الأحاديث المخالفة للقرآن طمسوا بها أحاديث صحيحة متفقة مع القرآن؛ وزعموا أنها منسوخة؛ ولكن علماء الصحابة - كعلي وأبي ذر وابن مسعود – يعارضون؛ وفي الجزء الثاني سنبحث الأحاديث الصحيحة المتفقة مع القرآن؛ وأن كبار الصحابة وعلماءهم لم يكونوا يرونها منسوخة كما زعم الأقل منهم علماً وفضلاً.
الانفاق في سبيل الله يتبادر غالباً إلى الانفاق مجاناً؛ ولكني أرى أن الاستثمار بمشاريع قليلة الربح تتيح فرصة العمل للعاطلين هو من الانفاق؛ وقد نتحدث لاحقاً ما الفرق بين الكنز والاستثمار؛ من شغل أمواله قد ينجو من آية الكنز؛ أما من احتفظ بالأرصدة وحبسها وعطلها فالآية تتناوله.
هناك فرق بين اثنين من أصحاب الملايين؛ أحدهما ملايينه يشغل بها العاطلين ويدور المال دورته ويربح؛ والآخر ملايينه مكنوزة..
الخطر على الثاني.


يتبع في الجزء الثاني.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1303
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29