• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : مناهج منسية عند أهل الحديث! - الجزء الثالث .

مناهج منسية عند أهل الحديث! - الجزء الثالث



                    مناهج منسية عند أهل الحديث!
                              الجزء الثالث




لمطالعة "مناهج منسية عند أهل الحديث! - الجزء الأوّل" على هذا اللرابط «««

لمطالعة "مناهج منسية عند أهل الحديث! - الجزء الثاني" على هذا اللرابط «««

لمطالعة " سلسلة علم الحديث " على هذا اللرابط «««


الأمم الأخرى تجاوزت تخلفها وتطورت؛ لأنها تدرس ثقافتها الموروثة وتدرس المؤثرات فيها؛ فتستبعد الثقافة المزيفة؛ وتعمق الثقافة الأصيلة؛ ولكن المسلمين صنعوا لهم آلهة؛ تحرمهم من معرفة الثقافة الأصيلة؛ وتمنعهم من تناول الرموز التي افسدت عليهم دينهم ودنياهم..
اختاروا الأرباب!


ذكرنا أن إهمال أهل الحديث للثقافة القرآنية - تبعاً للثقافة السائدة في عصرهم - انعكس على الحديث نفسه؛ لذلك تجد للقرآن وادياً وللحديث وادياً آخر؛ سواء فيما أهمله أهل الحديث من أحاديث غايات القرآن؛ أو لم تصلهم؛ أو في ما وصلهم من وسائل وتفاصيل. وقلنا بأن هجرهم للقرآن وثقافته وغاياته ليسوا هم المتسببين فيه؛ وإنما اتبعوا الثقافة السائدة التي تشكلت عبر السلطات والمجتمع والمذاهب؛ فأصبح جرحهم وتعديلهم وتصحيحهم وتضعيفهم وانتقاءاتهم للحديث تحتاج لأعادة نظر وتحكيم المناهج المنسية التي اهملوها  لجهل أو اضطرار.
نعم؛ أهل الحديث ليسوا سواء؛ نعم للاستفادة مما انتجه أهل الحديث؛ نعم للاعتذار عنهم باعتدال؛ نعم لنقدهم باعتدال؛ ولا تزر وازرة وزر أخرى.
أهل الحديث تعبوا في طلب الحديث؛ ورحلوا؛ وانتجوا؛ وظنوا أنهم أهدى الأمة؛ واخطؤوا في ذلك؛ فليسوا أهدى الناس؛ إنما أهداهم قد بينه الله في كتابه؛ أهدى الناس موصوفون في القرآن بغير هذا؛ والله أعلم بالمهتدين.
الأهدى يجب معرفته من القرآن؛ وقد تحدث القرآن عن الهداية وخصالها؛ ولم نجد منها الرحلة في طلب الحديث؛ ولا تتبع العوالي؛ ولا جمع حديث الزهري؛
ولو نحاكم أهل الحديث لآية واحدة من الآيات التي تصف الهداية؛ لكانت عليهم لا لهم؛ بل على الأمة كلها؛ لأنها تبعت منهجهم في الاعراض عن القرآن.
خذوا هذه الآية مثلاً؛ واعرفوا أن من علامات المهتدين أنهم لا يصدفون عن آيات الله ؛ ثم قارنوها بأهل الحديث وانتاجهم:
{أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)} {سورة الأنعام}
أهل الحديث لا نريد أن نظلمهم؛ فهم نتيجة لأسباب سابقة؛ ولكنهم أيضاً أسهموا في إشغال الناس عن كتاب الله والصدوف عن آياته؛ والله يسامحهم؛ أهل الحديث لم يتدبروا كتاب الله ليعرفوا منه خصال الهداية؛ وصفات المهتدين؛ لذلك أهملوا الأحاديث في غايات القرآن؛ وشوهوا سيرة النبي وسنته؛ وكل ما يطعن به الناس في الإسلام والنبي؛ حتى وصل مداه هذه الأيام؛ إنما يأخذونها من أهل الحديث؛ وما دونوه من ثقافة السائد عن الاسلام والرسالة؛ والمسلمون - لأنهم تبع لأهل الحديث وما أنتجوه - لا يستطيعون الدفاع عن الإسلام ولا عن النبوة؛ لأنهم يرون أن انتاجهم حق لا شبهة فيه. كما أن خصومهم من القرآنيين لا يمتلكون منهجاً مقنعاً في نقد منهجهم بعلم؛ وإنما يتهمونهم هكذا؛ دون غوص في تلك المناهج المنسية وأثرها عليهم.
وللقرآنيين نقد آخر؛ ليس هنا مجال بيانه؛ ولكن لعل من أبرزها مكابرتهم؛ بترك الحديث والسيرة جملة؛ مع أن كل عظيم لابد أن يثبت عنه أقوال وافعال؛ ومن عرف الحديث ورجاله وامتلك تلك المناهج المنسية؛ أمكنه معرفة ما صح منه وما لم يصح؛ وماز بين ذلك؛ ولكن بمناهج أخرى؛ غير معايير أهل الحديث.
أما من تعمق في الحديث ورجاله دون معرفة بتلك المناهج المنسية؛ فسيكون من أكثر الناس تطرفاً وبلادة؛ ويسيء إلى الدين عندما يتحدث باسمه؛ هذا واقع.
من أهم تلك المناهج المنسية:
١- الإلمام بثقافة القرآن - وهذا موضوع كبير جداً.
٢- الوعي التاريخي- وخاصة بالسيرة وبيئتها وفئاتها.
٣- العلم بالنفس البشرية وضعفها وإمكانية أن تخدع نفسها وتخادع الله وتظن أنها من المهتدين.
٤- العلم بتأثير ثقافة أهل الكتاب؛ وحلفهم القديم.
٥- العلم بالأثر السياسي الكبير؛ الذي انتج عسكرة الإسلام؛ وعمم ثقافة سلطانية جاهلة؛ اعلت من الرواية وهجرت القرآن وأنشأت المذاهب المتعادية.
٦- العلم بعدو بني آدم؛ وعدو الرسل والرسالات = الشيطان؛ ودراسة مشروعه؛ ومعرفة سبل مكره؛ وما انتج هذا المكر من أولياء يظنون أنهم مهتدون.
٧- تصنيف معلومات القرآن وترتيبها ترتيباً قرآنياً إلهياً وليس ترتيباً بشرياً؛ فسوء ترتيب الواجبات والمحرمات لا يقل عن هجر القرآن كله.
٨- دراسة المنافقين والثقافة النفاقية وأثرها من أيام النبي (وفيكم سماعون لهم)؛ إلى أن تمددت واستولت على مراكز القوى والتأثير وحرفت الدين.
٩- دراسة الحالة الاجتماعية؛ وخاصة العامة وعلاقتهم بالثقافة؛ ودورهم في الضغط الثقافي نحو تسطيح المعرفة؛ والاهتمام بصغائر الأمور دون كبارها.
١٠- دراسة السلطة وسلوكها الثقافي من بعد وفاة النبي؛ إلى استحكامها في العهدين الأموي والعباسي؛ وتسجيل زحف الاسلام البشري على مواقع الإلهي.
هذه المناهج - أو المعارف - منسية تماماً؛ رغم أهميتها ومحوريتها في فرز الثقافة؛ ولا يمكن لأهل الحديث أن ينتجوا ثقافة سليمة بدون إدراكها.
الأمم الأخرى تجاوزت تخلفها وتطورت؛ لأنها تدرس ثقافتها الموروثة وتدرس المؤثرات فيها؛ فتستبعد الثقافة المزيفة؛ وتعمق الثقافة الأصيلة؛ ولكن المسلمين صنعوا لهم آلهة؛ تحرمهم من معرفة الثقافة الأصيلة؛ وتمنعهم من تناول الرموز التي افسدت عليهم دينهم ودنياهم.
اختاروا الأرباب.
الآلهة والشفعاء والشركاء والأنداد في القرآن الكريم لا تعني الأحجار والأخشاب؛ وإنما تعني أشخاصاً ورموزاً مضلين؛ ولهم قوانين معبودة ايضاً! ومع ذلك بقي في المسلمين الخير إن شاء الله؛ ولا تزال طائفة منهم منصورين بالحجة والبرهان؛ يدعون لكتاب الله ويطالبون بتفعيله والاستضاءة به؛ ليست الطائفة المنصورة عسكر معاوية - كما يزعم ابن تيمية وسفر الحوالي - ولا أهل الحديث كما يظن أحمد بن حنبل؛ وإنما أهل القرآن وثقافته.
سنكمل لاحقاً؛ القاء الضوء على هذه المناهج المنسية؛ لعل الله يفتح بها؛ ويهيء لها من هو أقوى على إحكامها مني؛ فأنا في الأخير فرد ضعيف مذنب.


يتبع في الجزء الرابع«««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1287
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19