• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : الفاظ قرانيه: المهاجرين، الانصار والاتباع. .

الفاظ قرانيه: المهاجرين، الانصار والاتباع.



              الفاظ قرانيه: المهاجرين، الانصار والاتباع.



فكيف نعرف من هاجر إلى الله ورسوله ممن هاجر للدنيا والمصلحة؟  نقول: ليس بالضرورة أن نعرف الآن، أهم شئ ألا نهمل تعريف القرآن، أهم شئ هنا ألا نلغي قيود القرآن؛ ولا قيود السنة المتفقة مع القرآن؛ ولا نضرب القرآن والسنة بأقوال الرجال ونؤمن بهذه القيود كما قال الله.


تغريدات من شهر ابريل 2012

)لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (117) [سورة التوبة]
الآية الأولى والثمرة في تدبر هذه الآية أن القرآن لا يقطع صكوك بالجنة إلا بشرط الاستقامة على الهدى؛ وبشروط موجودة في النص نفسه؛ وبهذا الفهم نفهم لماذا لم يكفر الإمام علي الخوارج (وإنما قال إخواننا بغوا علينا) مع أنهم كفروه؛ لأنه عاقل؛ ويفهم شبهة هؤلاء، فليس هؤلاء الخوارج منكرين للآيات في فضائل المهاجرين والأنصار حتى يكفرهم؛ ولم يحتج الإمام علي بآية واحدة على إسلامه؛ وإنما ناقشهم، نعم ناقشهم في حجتهم؛ وحاول رفع شبهتهم في التحكيم؛ وهذا هو العلم؛ كما أن الصحابة - الذين كانوا مع علي؛ كأبي أيوب وابن عباس - لم يكفروهم، ولم يقولوا لهم: نحن المهاجرون والأنصار؛ فكيف تردون الآيات في فضلنا وتبشيرنا بالجنة ووعد الله لنا.. الخ، لم يفعلوا هذا؛ لماذا؟
لأنهم يعلمون أن الآيات ليست مطلقة هكذا بلا قيد ولا شرط! وكانوا يخافون على أنفسهم من النار؛ ومن الإحداث بعد النبي؛ ومن الإحداث.
نعم؛ المهاجرون والأنصار ورأسهم الإمام علي في خلافته ليسوا كهؤلاء الحمقى الذين أنتجهم الفكر الأموي الجاهل المنافق؛ فكر لا يفهم آية! الإمام علي ومن معه من الصحابة كانوا يعرفون أن الآيات لا حجة فيها يقينية على أن الصحابي لن يكفر ولن ينافق ولن يتغير ولن يظلم.. الخ، لذلك لم يتهموا الخوارج بأنهم كفروا لأنهم كذبوا بالقرآن ؛ هذا كلام فارغ؛ يتنزه عنه الإمام علي وابن عباس وأمثالهم؛ ومن ثمرة تدبر هذه الآية وغيرها من الآيات أنها ترفع التكفير عن كل مسلم متأول له قراءته وتدبره لهذه الآيات؛ فلا نجعله من الكافرين.
كل من قال (فلان الصحابي) كافر فهو بين أمرين: إما أن يكون صادقا او كاذبا؛ فإن كان كاذبا فهو ظالم لنفسه؛ والله أعلم به؛ وحسابه عليه؛ وليس تكفير أبي بكر وعمر أعظم من تكفير علي بن أبي طالب؛ فالذين يكفرون الشيعة لتكفيرهم أبا بكر وعمر؛ ولا يكفرون الخوارج والنواصب؛ يتناقضون، والمنصف إما أن يكفر الثلاث فرق أو يحكم بها بظاهر الإسلام؛ إلا إذا أتى نص خاص بنفاق رجل منهم؛ أو لارتكابه مكفرا يقينا؛ فهذا حكم خاص بنص، أما الحكم على فرقة كاملة بأنهم كفار لأن لهم قراءة وتدبرا للنصوص غير تدبرك أنت وغير فهمك أنت فهذا ذنب مماثل لذلك الذنب. والكفر له علامات تدل على نبذ الدين من الداخل (من القلب)؛ كتصريح الكافر بأنه يبغض هذا النص أو يسخر منه سخرية واضحة لا شبهة فيها، فمن تدين بحب منافق جهلا, هو كمن تدين ببغض صالح جهلا، والذين يذمون مكفري بعض الصحابة هم يكفرون أيضا؛ بغض النظر عن فضل بعضهم على بعض، فالذي يكفر أبا طالب جهلا واغترارا بمرويات وأحاديث أموية؛ هو كمن يكفر صحابيا صالحا بروايات واشتباهات شيعية أو ناصبية أو خارجية؛ وعلى هذا؛ فالخارجي الذي يكفر عليا ومن معه من الصحابة؛ والشيعي الذي يكفر أبا بكر وعمر ومن معهم؛ لا نكفرهم بظلمهم؛ وأمرهم إلى الله، وهذه أعظم ثمرة تفيدنا حقوقيا؛ وهي تفتح البحث على مصراعيه لقراءة التاريخ بلا خوف؛ وتدبر القرآن بلا ترهيب، فالخارجي والناصبي والشيعي كل هؤلاء من حقهم أن يبحثوا ويقولوا قناعاتهم؛ فالإسلام الجامع في قواطعه فوق الأشخاص مهما علوا؛ وحقوق الإنسان في الإسلام أرحب مما يتصورون! بل حتى هذا المنافق الذي قال في حق النبي (ليخرجن الأعز منها الأذل) لم يستتبه النبي ولم يقنله ولم يحرمه من العطاء.. الخ.
والثمرة الأخيرة التي أنبه إليها هي إعادة قراءة النص الأصلي (القرآن الكريم) دون نظارات ولا رتوش ولا صرف عن الدلالة ولا عناد الجمهور مدلل الحمقى!
الجمهور او القراء عليهم مسئولية كبرى هذه الأيام، لم تكن تتوفر في العامة من اتباع أحمد وابن تيمية وابن عبد الوهاب، فالجمهور اليوم يستطيع معرفة الحقيقة - حقيقة هؤلاء الحمقى - بسهولة! ويستطيعون ملاحقتهم بالأسئلة البسيطة..
  سأعطيكم نماذج؛ فهذا الجمهور متاح له المعلومة؛ ويستطيع أن يجدها بسهولة؛ وخاصة طلبة الجامعات، فهم يستطيعون إحراج الحمقى، وهذه نماذج منها:
نموذج 1 قولوا لهم: لماذا تنكرون قرآنية البسملة وهي في كتاب الله؟ هل يحوز نفي المتواتر القرآني برواية قتادة؟
نموذج 2 قولوا لهم: لو كنتم مخلوقين وسط السيخ هل ستخرجون سلفيين؟ ولو كنتم مخلوقين في اليابان فهل ستكونون مسلمين؟ فكيف تفهمون عدل الله؟
نموذج 3 قولوا لهم: هل تظنون أن الله سيجاملكم باستحلال الدماء التي أباحها سلفكم ولم يبحها الله؟ هل تظنون أن الحجة البالغة لله أم لكم؟
نموذج 4 قولوا لهم: لماذا تنكرون سب الصحابة وتجعلون سابّهم كافرا بينما تجعلون معاوية مأجورا على قتلهم وسبهم؟ هل لكم حجة عند الله بهذا؟
قولوا لهم: لماذا لا تصدقون الله في وصفه للصحابة بأن (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)؛ ولماذا تجعلون هذا متناقضا مع آيات أخرى؟
قولوا لهم: هل جمعتم كل الآيات في وصف الصحابة حتى تعرفون التفصيل؛ أم أنكم تضربون القرآن بعضه ببعض؟ لماذا تعادون نصف القرآن بنصفه الآخر! لماذا تخرجون من التعميم من شئتم وتدخلون فيه من شئتم - وهذه سأشرحها؛ لأنه أساس التخلف السلفي؛ وهي ضرب من تطويعهم القرآن لنصرة المذهب - فمثلا: إذا أتت الآية الكريمة (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) ؛ لماذا تتكلفون وتعممونها في كل الصحابة؟ مع أن هؤلاء أقلية، أعني أن المهاجرين والأنصار؛ كانوا خمسة آلاف من ثلاثين ألفا، فلماذا تريدون تقويل الله مالم يقل؟ لماذا تفسرون كلام الله بالمذهب رغم وضوحه؟ لماذا تحرفون القرآن بأنه قال: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار والطلقاء والأعراب والمنافقين الذين اتبعوه في ساعة العسرة)؟! لماذا لا تقتصرون على كلام الله حرفيا؟! ( أتعلمون الله بدينكم)! هل تظنون أن الله عاجز عن البيان وأنه بحاجة إليكم لتستكملوا نقصه؟!!
لا تستعجلوا في نقل الآيات الأخرى، وسنثبت لكم أنكم تحرفونها كما حرفتم هذه الآية، فمن أكبر حماقاتكم هذه العجلة! كتاب الله لا يتناقض يا قوم..
قولوا لهم: نريد حكم الله لا حكم المذهب، عقيدة القرآن لا عقيدة المذهب، نص القرآن لا نصوص سلفية ولا شيعة، هو المرجع فوق المذاهب والحماقات.
إذن؛ سنبقى في هذه الآية لنعرف حكم الله فيها، ثم نأتي لبقية الآيات والأحاديث، نعم؛ سنبقى هادئين متدبرين؛ فتدبر العقلاء يناقض عجلة الحمقى.
آية التوبة نحن نؤمن بها؛ وبكل الآيات؛ ولكنهم يضربون الآية بالأخرى؛ بل الآيات بأقوال الرجال؛ وكأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم!
الآية تخبر: أن الله تاب على ثلاثة:
1- النبي .
2- المهاجرين.
3- الأنصار.
الذين تجمعهم صفة (اتباع النبي في ساعة العسرة)؛ يجب ان نقف هنا نتدبر، وقبل أن نحدد معنى المهاجرين والأنصار من القرآن؛ ونحدد معنى الاتباع من القرآن؛ يجب تحديد معنى (توبة الله عليهم) ما معناها؟ 
توبة الله على العبد - ياسادة يا كرام - لا تعني الجبر؛ ولا أنها متحققة بلا توبة من العبد نفسه! بمعنى؛ أن توبة الله هي بمثابة فتح الباب، بدليل قوله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا)؛ فتوبة الله على العبد لها 50٪ ؛ وتوبة العبد لله لها 50٪؛ والتوبتان تحققان التوبة الكلية المقبولة، لاحظوا أني أتدبر القرآن ولا أفسره؛ فالقرآن واضح؛ لا يحتاج إلى تفسير؛ فماذا أضفت من عندي على قوله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا)؟ 
لم أضف شيئا؛ سوى أنني أحترم الفاظ القرآن؛ وأتوقف عند اللفظة الواحدة؛ ثم الآية؛ ثم السياق؛ ثم بقية الالفاظ في الموضوع، فالله هو الذي يعلمنا..
مازلنا في اللفظ الأول من الآية الأولى؛ وهي لفظة التوبة (لقد تاب الله على ...)؛ فأثبتنا - من القرآن - أن صدور التوبة من الله يعني فتح الباب، أي فتح الباب للعبد ليتوب؛ وهذا يعني (باللغة الدارجة) استعداد الله ليعفو إذا تاب العبد وأناب، وليست توبة الله على العبد؛ يعني أن التوبة جبر.
دليل آخر من القرآن على معنى التوبة من الله، يقول تعالى في المائدة (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا)!..
ألا تلاحظون - في الآية - ان الله قد تاب على أناس ولم يستفيدوا من تلك التوبة؟ فهم (عموا وصموا) بعد أن تاب الله عليهم!  وهذا خلاف فهم الحمقى، إذن فالحمقى لم يفهموا (أول) لفظة في (أول) آية يستدلون بها على عدالة وفضل كل الصحابة من مهاجرين وانصار وطلقاء واعراب ومنافقين الخ!.. فالتوبة من الله عند الحمقى هي حتم بالرضا الأبدي، لا تحتاج من العبد لتوبة، وتنفي كل عمى وصمم؛ وأنها في من ذكرهم الله وفي من لم يذكرهم!..
أرأيتم أنهم - لكبرهم وغطرستهم وعبادتهم لأقوال شيوخهم - قد حرمهم الله من تدبر القرآن واحترامه وملاحظة تقييداته وتدبر ألفاظه؟ أليس هذه حماقة؟!.. وسر هؤلاء الحمقى أنهم يعبدون المذهب والخصومة مع الشيعة؛ ولا يعبدون الله ولا يحترمون ألفاظ القرآن ولا يرونهم بحاجة لهذه اللغة العلمية.
إذن؛ اللفظة الأولى في أول آية يستدلون بها لا يعرفون معناها قرآنيا؛ وإنما يجعلون المذهب هو حكم عليها؛ وأن الله ملزم بعقائدهم وجهلهم!..
الذين يستعجلون الآن في تفسير الآيات الأخرى كأنهم سلموا بأن فهمهم السابق لهذه الآية - آية التوبة -  كان خطأ! وهذا جيد؛ لكن لا يستعجلوا، والواجب على المسلم أن يفرح إذا انكشف له معنى آية؛ أو حتى لفظة من ألفاظ القرآن؛ لكن هؤلاء الحمقى يغضبون إذا تعلموا شيئا جديدا! وهذه حماقة.
أتعرفون لماذا يغضبون؟ لأن معبودهم في حقيقة الأمر هو المذهب لا الله، لكن الجاهل لا يعرف نفسه، أما العابد لله فيفرح بأي معلومة؛ ولا يخاصمها، والحمقى يسارعون باتهامك بما هو فيهم؛ بأنك تضرب القرآن بعضه ببعض! وهنا يصبح القارئ البسيط في حيرة، هل نصدقه أم نصدقهم؟! لذلك أطالب بالتأني، فالقارئ إذا تأنى في موضوع واحد فقط - أو حتى لفظة واحدة - سيعرف من الذي يأخذ القرآن كله ويؤمن به كله؛ ومن الذي يضرب بعضه ببعض؛ جهلا وتعصبا.
إذن؛ بعد أن تدبرنا (التوبة) من الله قرآنيا؛ وعرفنا أنها لا تقتضي الغفران أصلا إلا بشرط توبة العبد، وأنها لا تعصم من العمى والضلالة مستقبلا بعد اللفظة الأولى؛ يأتي تفسير بقية الألفاظ في الآية نفسها، فهم لا يعرفون معنى المهاجرين ولا الأنصار ولا الاِّتِّباع - بتشديد التاء - معنى المهاجرين!  ليس المهاجر من انتقل من مكة إلى المدينة بعد الفتح (لا هجرة بعد الفتح)؛ وإنما يقال لهم (طلقاء وأعراب) - هذا اولا؛ بل ليس كل من هاجر قبل فتح مكة مهاجرا - إذا كانت نيته (لدنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها) - لابد من خلوص النية لله.. هذا ثانيا.
إذن؛ فالمهاجر بالمعنى الشرعي المقصود في الآية لها شرطان: 1- أن تكون هجرته قبل الفتح؛ 2- وأن تكون هجرته لله ورسوله..؛ وهذا ماذا يعني؟ يعني أن فتح المجال للتوبة لا تشمل الطلقاء ولا المنافقين ولا أصحاب المصالح، فهذه الآية في ذم هؤلاء وليس في مدحهم، لأن فتح الباب للتوبة نعمة عظمى من الله، وهي مخصوصة بمن سارع إلى الهجرة أيام الضعف والذلة، ومن أخلص النية، وليست التوبة من الله مفتوحة لكل من هب ودب وطمع ونافق واسلم خوفا أو طمعا، فهؤلاء يحتاجون لوقت طويل حتى يطهروا قلوبهم ويندموا بصدق ليفتح الله لهم بعد ذلك باب التوبة، لكن الحمقى - لأنهم عبدة معاوية - فإنهم يوجبون على الله أنه ما دام قد فتح التوبة للمهاجرين الصادقين والأنصار الصادقين فيجب فتحه لمعاوية!.. هؤلاء الحمقى لا يحترمون القرآن؛ ولا يعظمون الله حق عظمته، بل يريدون أن يفرضوا معاوية بالغصب على الله وكتابه ونبيه! قتل الإنسان ما أكفره! وهم لا يفعلون هذا رغبة في الكفر؛ إنما زين لهم الشيطان عقائدهم؛ وزخرف لهم الأقوال؛ وأشرب في قلوبهم حب معاوية؛ ودفعهم بهذا للكذب على الله!..
إذن؛ فالشيطان والعلم به ضروري جدا لطالب العلم، فهو قائد هذا الضلال كله! هو لا يأتيك من حيث تحذر! لا يأتي ليقول لك انكر الصلاة والصوم!  كلا.. إنما يأتيك من تأكيد عقيدتك! ويقول لك: لابد أن تقمع هؤلاء الرافضة الذين يتهجمون على أصحاب رسول الله! أنت في جهاد! أنت صلب في العقيدة! أنت الذاب عن الصحابة! سيفرح الله بعملك! وسترضي رسول الله في قبره! أنت على ثغر! هنيئا لك محبة أصحاب نبيك! فيندفع المسكين للكذب على الله!.. فيفهم المسكين (التوبة من الله) فهما مذهبيا، ويفهم (المهاجرين والأنصار) فهما مذهبيا، ويفهم (الاتِّباع) فهما مذهبيا، ويسارع في الردود!.. وبهذا ينجح الشيطان في صدك عن التدبر - فالتدبر مقتله - وفي تصديقك بآيات وتكذيبك أخرى بقلبك؛ وإن لم ينطق لسانك! وبهذا تكفر وأنت ساجد!.. لأن الشيطان أفهمك بأنك فالح! وأنه غير معقول أن يكون شيوخك وكثرة الناس على باطل! وأنك إن خالفتهم فقد خالفت الدين! لأنهم أهل الدين! ولذلك من أراد أن يعصي الشيطان فليفتش عن كل الآيات التي تتحدث عنه؛ وأن يصدق تحذير الله منه وتعظيمه لفتنته؛ فإن الله لا يعظم فتنة صغيرة!
إذن؛ فالمهاجرين لهم شرطان أساسيان سبقا، وقد أهملنا شروطا وتقييدات أخرى حتى لا نتوسع؛ كالفقر مثلا (للفقراء المهاجرين... الخ)، ولانها ظنية، فقوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ...) ؛ هنا؛ هل هذه قيود جديدة أم وصف لهم؟.. هذا محل بحث، فإن بعض المهاجرين لم يُخرجوا من ديارهم؛ وإنما خرجوا لدنيا يصيبوها؛ فهؤلاء؛ هل يدخلون في ( المهاجرين) هجرة شرعية؟ .. وأول حديث في البخاري يقول (إنما الأعمال بالنيات؛ ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله؛ ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه، وهذا الحديث يشبه القرآن (يبتغون فضلا من الله ورضوانا).
قد تقول: فكيف نعرف من هاجر إلى الله ورسوله ممن هاجر للدنيا والمصلحة؟  نقول: ليس بالضرورة أن نعرف الآن، أهم شئ ألا نهمل تعريف القرآن، أهم شئ هنا ألا نلغي قيود القرآن؛ ولا قيود السنة المتفقة مع القرآن؛ ولا نضرب القرآن والسنة بأقوال الرجال ونؤمن بهذه القيود كما قال الله، نؤمن بهذه القيود والتخصيصات التي لم يذكرها الله ولا رسوله عبثا؛ سواء عرفنا لها مصاديق وتطبيقات خارج النص أو لم نعرف، فالإيمان يقود للعلم.
إذن؛ فهناك شروط قطعية في المهاجر؛ وشروط ظنية، أنما القطعية فشرطان: الهجرة قبل الفتح؛ وصدق النية لله، وأما الظنية فالفقر والإخراج دون الخروج، ومن الشروط الظنية التعرض للظلم والإيذاء والفتنة بمكة؛ كما في قوله تعالى (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم ... الاية)، وكذلك في قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) ؛ فهنا عدة قيود للمهاجر الشرعي، فالهجرة الشرعية وفق القرآن لا تنطبق على كل من انتقل من مكة للمدينة؛ ولابد من:  1- سبق بالهجرة . 2- صحة نية لله ورسوله . 3- الإخراج نتيجة أذى وظلم وفتنة الخ (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا).  4- جهاد بالمال والنفس.  5- صبر.  6- نصر الله ورسوله. فهؤلاء هم المهاجرون المقطوع بتحقيقهم شروط الهجرة الشرعية، وبالتالي هم القسم الأول ممن تاب الله عليهم، والقرآن يفسر تفسه، وهو مبين بنفسه، وإنما قلت بأن الشرطين الأولين (صحة النية والسبق) قطعيين؛ وأن البقية شروط ظنية لاحتمال أن تكون الشروط الظنية أوصافا ونعوتا لا شروطا، لكن لا يجادل عاقل بأن النفاق أو إرادة الدنيا محبط للهجرة الشرعية - وإن أبقى على الهجرة الإسمية - كما أنهما يحبطان النصرة الشرعية أيضا.
والخلاصة؛ أن الأسماء - كالمهاجرين والأنصار والمجاهدين والمتصدقين.. الخ - يشترط فيه (صدق النية)، والنصوص في ذلك ملء السمع والبصر والكتاب والسنة، ولا تستطيع أن تجزم بأن فلانا بعينه اجتمعت فيه شروط (الهجرة الشرعية) و (النصرة الشرعية) إلا بحسب الظاهر، (فالله أعلم بمن اتقى لا نحن)، نعم نستطيع الحكم على الباطن إذا صح عندنا نص في فلان بخصوصه، كقوله صلوات الله عليه في حق الإمام علي ( يحبه الله ورسوله) ؛ فهذا خبر متواتر، والله ورسوله لا يحبان منافقا ولا مريدا للدنيا ولا مهاجرا لدنيا يصيبها ولا فارا من الزحف ولا مدخول النية ولا مشكولا فيه.. الخ، فهنا نقطع. أما كل المهاجرين والأنصار فنحسن الظن؛ ونحبهم في الجملة؛ ونترضى عنهم في الجملة؛ دون جزم بأن كل أفرادهم تحققت فيه شروط الاسم القرآني، وبالدراسة والبحث قد نجد بعض هؤلاء الأفراد؛ كعبد الله بن أبي مثلا (الذي شهد بيعة الرضوان) يخرج من العموم؛ بدليل خاص أو بأدلة خاصة، سواء كانت تلك الأدلة الخاصة نصوصا أخرى تستثنيه؛ أو بسوء سيرة؛ أو إساءات متتابعة للنبي ص،  مع التأكد من صحة تلك النصوص أو الأحداث، فإخراج عبد الله بن أبي من الأنصار الشرعيين ليس من باب ضرب (آيات الثناء على الأنصار) بـ (أحاديث وروايات) ؛ وإنما بـ (القيود القرآنية) أيضا! وإذا صح لنا آخراج عبد الله بن أبي من الآيات المثنية على الأنصار (وقد أسلم بعد بدر)، فإخراج الطلقاء كمعاوية من باب أولى؛ بل هو خارج (المهاجرين) اسما وحقيقة؛ وخارج ( الأنصار) اسما وحقيقة؛ وخارج (التابعين بإحسان) اسما وحقيقة؛ مع كثرة النصوص في ذمه والتحذير منه، فإذا ذمننا عبد الله بن أبي بالنصوص الخاصة فلا يجوز لأحمق أن يقول (أنتم تردون النصوص في مدح الأنصار والصحابة والقرن الأول)؛ فهذا كذب، لأن النصرة الشرعية لها شروط قرآنية لا تتحق إلا بها، والصحبة الشرعية لها شروط لا تتحقق إلا بها، والصحبة أعم من النصرة، والقرن الأول أوضح! فالذين لم يتدبروا الكتاب سيضطرون للكذب على القرآن وهما، ثم يجعلونك مكذبا للقرآن افتراء، إلا إذا تابعتهم في الكذب على القرآن متعمدا!.. وهذه الخلطة الإبليسية الشيطانية هي من أهم أهداف إبليس (في التحريش بين المؤمنين)، لأن هذا التحريش ينسينا إبليس ومكره وعداوته! وهذا كافٍ!.. لذلك نقول: الله أمرنا بتدبر القرآن، وهذه اللفظة التي جذرها اللغوي (دبر) تفيد بوجوب اتباعه في ثنائه وذمه وتقييداته وشروطه.. الخ، أي أن نكون  (دبر القرآن) لا نتقدمه بحكم أو عقيدة أو قول أو حكم مسبق.. الخ، وإنما نفهمه ثم نتبعه (نكون دبره)؛ وهذا لن يتم مع العجلة الحمقاء.
بقيت لفظة (الاتِّباع) في قوله (اتبعوه في ساعة العسرة)، فما معنى الاتباع قرآنيا؟ وهل لها شروط؛ أم أنه يكفي أن يخرجوا بأجسادهم مع النبي ص ؟
معنى الاتِّباع - مازلنا في تدبر (آية التوبة) التي يستشهد بها هؤلاء على أن الله قد تاب على كل المهاجرين والأنصار والطلقاء والمنافقين الخ - إذن فالاتِّباع له معنى قرآني؛ وليس مجرد خروج إلى غزوة تبوك، فليس كل مهاجري وأنصاري خرج مع النبي إلى تبوك تكون التوبة مفتوحة أمامه، بدليل قرآني أيضا في السورة نفسها؛ إذ استهزأ بعض هؤلاء الخارجين إلى تبوك بالله وآياته ورسوله؛ كما في قوله تعالى (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)،  فهؤلاء؛ هل هم من (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) أم لا؟! أرأيتم أننا نحن من نؤمن بالقرآن كله؟! ولا نخفي لا آيات الثناء؟! ولا التقييدات والشروط؟! أما هؤلاء فيسصدمون الآن! فشيوخهم لم يخبروهم بهذه الآية، شيوخهم يخفون عليهم الآيات الصريحة، أفلا يخفون عليهم الحق في تفسيرها؟ بل قراءتها؟ هؤلاء الشيوخ هم من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض!.. هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم (في سورة التوبة) ؛ ألم يكونوا في تبوك؟! أليسوا من المهاجرين والأنصار عند التحقيق؟!
إذا فلكل قاعدة استثناء، أعني: حتى لو أهملنا معنى التوبة من الله ومعنى الهجرة والنصرة ومعنى الاتباع؛ وجهلنا الآية عامة في من ذكرهم الله وفي من لم يذكرهم، لو فعلنا هذا كله، فإن هذه الآية التي تخبر بكفر بعض من خرج مع النبي يوم تبوك تجعلنا نراجع كل اعتقاداتنا وافكارنا السابقة،.. إن القرآن يعلمنا، نعم؛ القرآن يعلمنا كيف نفهم الإطلاقات ونقييدها بالقيود الموجودة في القرآن نفسه؛ بل في الآيات نفسها التي قد نتوهم منها ثناء دون قيود.
وأعيد السؤال لأهميته: هل تاب الله على كل من خرج يوم تبوك؟  إن قلتم : نعم،  قلنا: والذين كفرهم الله هل هم منهم؟ فإن قلتم : لا، قلنا: بماذا أخرجتموهم من المتوب عليهم؟ ستقولون: بدليل آخر وهو أن الله كفر هؤلاء! قلنا: فهل الآيتان عندكم متناقضتان؟ ستقولون: لا؛ نقول: بلى؛ هما عندكم متناقضتان؛ لأنكم تعتبرون الآية الآولى شاملة لكل من خرج إلى تبوك! فتراجعوا عن دعوى (الشمول لكل فرد) لنصدقكم!.. فإن أصررتم أن الآية الأولى شاملة لكل فرد بلا استثناء؛ ثم تجعلون الثانية تستثني منهم؛ فقد قلتم بتناقض الآيتين، شئتم أم أبيتم!.. ولو أنكم ارحتم أنفسكم وأرحتمونا بتدبر الآية الأولى وتعمقتم في معنى (المهاجرين والانصار والاتّباع) لما وقعتم في هذه الورطة والمكابرة. سيكتشف الحمقى بأن كل الآيات التي بستشهدون بها على تبرئة المنافقين والظلمة لا تدل على شمولها لكل أفراد المهاجرين والأنصار، هؤلاء الحمقى لا يستطيعون ترديد ألفاظ القرآن نفسها؛ لأن عقولهم مملوءة بروايات! والنتيجة تكذيب القرآن!
نواصل معنى الآية؛ بقي معنى الاتّباع في قوله (اتبعوه في ساعة العسرة) ؛ وليس (تبعوه)؛ ولو يجتمع هؤلاء ليفرقوا بين (اتبع) و(تبع) لعجزوا! الاتِّباع من (اتبعوه) "بالتشديد" يفيد معنى الممازجة والالتصاق والتشرب لروح النصرة والجهاد؛ أما (تبعوه) فهناك مسافة؛ فهذا قيد آخر أهملوه، وكل القرآن اتى بلفظ (اتبع) ؛ نحو عشرين مرة؛ وأتى بلفظ (تبع) في مورد واحد؛ فليتهم يعرفون السر في ذلك! فلفظة (تبع) وردت في قصة آدم فقط (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم)؛ أما البقية ففيها اللفظ المشدد (اتَّبَع).. حاولوا أن تتعلموا دقة القرآن.
الخلاصة في آيات التوبة أن التوبة من الله لها معنى قرآني يرفضه المذهب؛ لأنه لا يتفق مع عقيدته، وقد شرحناه (قرآنيا)، وهو القيد الأول.
الخلاصة في الآية الأولى؛ وأن الهجرة والنصرة والاتباع كلها لها معان وشروط وقيود قرآنية يرفضها المذهب ولا يصدق بها لمخالفتها أصوله، المذهب يريد أن يلزم الله بالرضا والتوبة عن كل المهاجرين والأنصار فردا فردا، بل وعلى كل المنافقين الذين خرجوا في ساعة العسرة! ومن هنا افترق المسلمون، فكل مذهب يريد إلزام الله عز وجل بعقيدته المحدثة التي لم تنبع من تدبر القرآن ولا السنة الصحيحة، وهذا شرك! والحمقى حريصون على إهمال وتقطيع القرآن والسنة والسيرة لجعل المنافقين والظالمين فوق النصوص! ليصبح المنافقون هم المرجع وإليهم الأمر كله! فلذلك؛ أدخلوا في هذه النصوص المقيدة بالمهاجرين والأنصار بقيودهم الشرعية؛ أدخلوا الطلقاء والأعراب والمنافقين رغما عن الآية وعن المحكمات! بينما هم إن قرءوا شعرا للمتنبي أو لأمرئ القيس نجدهم يتفننون في التقيد بدلالات الالفاظ ودقتها؛ وكأن القرآن خال من الدقة والدلالة!

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1239
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28