• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : الرد المفصل على بيان الضحايا (4) .

الرد المفصل على بيان الضحايا (4)

في حديث حذيفة / والشافعي أبتلي بسلف هؤلاء

نواصل ونريد من هذا الرد أن يكون مدرسة يتعلم منها أبناء المناطق النائية، ليعرفوا كيف يتخاطبون مع الحزبيات السرية والوعاظ الكذبة الذين يظهرون للناس بوجه ويمكرون بهم تنفيذاً لرغابات الحزاب والتيارات التي تحتقر الناس وترى أنهم مجرد أطفال نراعيهم بالبسمة وإظهار الخلق الكريم، ثم نمكر بهم في الخفاء وننقل أخبارهم للأسياد!

فهؤلاء الوعاظ الكذبة والحزبيون الضعفاء الذين لا يثقون بأنفسهم ولا بني قومهم، وينافقون للدولة وللعلماء وللمؤسسات يحتاجون إلى كشف مدى علمهم وتقواهم وتمسكهم بالنصوص.

إذن بعد هذه الموعظة التي أرجو أن تجد أثرها في كل قلب سليم، أعود للقول، بأن النبي لا يتناقض، وسنترك النبي صلوات الله عليه وسلامه يفسر كلامه في ( دعاة جهنم)، ومثلما القرآن يفسر بعضه بعضاً، فالحديث الصحيح أيضاًُ يفسر بعضه بعضاً.

أظن المقدمات حتى الآن واضحة، وأنا هاديء جداً، وسأتجنب كل الأوصاف التي كنت أرددها في حقهم سابقاً سواء كنت مصيباً أو مخطئاً، دعونا الآن في العلم والعلم فقط! لعل الله يهدي مضللاً أو جاهلاً أو مغتراً.. فلا يزال في العمر فسحة.

إذن هذا الحديث حديث حذيفة في الصحيح، وهم يعتقدون صحته، وأنا كذلك أعتقد صحته، وعلى هذا فنحن نتفقون هنا في صحته ولم يبق إلا معناه، وعلى هذا فلا يجوز أن نأخذه باستخفاف ونركبه على حسن فرحان المالكي! وأنا لن أركبه عليهم.

لا لا لا لا ..

تعالوا أولاً نذكر الحديث كاملاً، ونتدين بفهمه وفهم مراد النبي صلوات الله عليه وسلامه منه.

ثم بعد ذلك نرى:

هل هو معي في منهجي أم معهم في منهجهم؟.

وهل هو ضد من أحب أم ضد من يحبون؟

هل هو واضح أم غامض؟

هل النبي أدى ( البلاغ المبين) أم ذكر أحاديث لا يمكن فهمها؟؟

الخ

إذن فالأمور لا تؤخذ بهذا السلق السريع الذي فعلوه ببتر الحديث وتركيبه على رأس حسن المالكي، هذا لعب، والدين لا يجوز أن نلعب به كما نشاء، الدين لله، ليس لي ولا لهم.

إذن فالحديث الذي بتروه جهلاً بدلالة أوله على آخره، وفهموه خطأ أو أرادوا أن يفهموه خطاً، أو وجدوا أن بعض غلاتهم يستدل به هكذا مبتوراً فسرقوه منه هكذا دون تدبر.

على كل حال الحديث فيه الحجة لي عليهم، وهو الشاهد لمنهجي في التنقيب عن الشر وأهل الشر مخافة الوقوع فيه، ومعرفة الخير وأهل الخير.

هذا الحديث أصل في شرعية الوعي التاريخي، الوعي بالأضداد، بالخير والشر، بأهل الخير وأهل الشر، بالفصل بين سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، وهذا الفرز هو  غاية إلهية، بينما الجمع بين السبيلين غاية شيطانية، لأن الشيطان يحب منك أن تعبر الجميع قدوة ( الأخيار والأشرار) حتى يستطيع أن ينتقي لك من سنن الأشرار، الذين هم في عقلك أخيار...

نص حديث البخاري كاملاً غير مبتور:

دعونا الآن نؤجل الاستنتاجات ونقرأ الحديث كاملاً من صحيح البخاري وبهدوء ( وما بين الأقواس من عندي لإيضاح المعنى).

ففي صحيح البخاري  - (1 / 3534( - إضافاتي بين قوسين وتحتها خط للتوضيح فقط-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ:

كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي!  ( لاحظوا هنا شرعية البحث عن الشر وأهله، وهم يمنعون)

فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ( يقصد النبوة)

فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟؟

قَالَ نَعَمْ ! ( سؤال: ما هو ذلك الشر الذي حصل بعد النبي؟؟ يحتاج إلى بحث)

قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟؟

قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ !( خير فيه دخن أتى بعد الشر الأول)

قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ؟

قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي (هَدْيٍ) تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ( من هؤلاء؟! سيأتي)

قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟!

قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ( من هؤلاء؟؟ سيأتي)

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا؟

قَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ( من هم هؤلاء؟ سيأتي)

قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟

قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ

قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ

قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ اهـ

التعليق على معنى الحديث:

والآن لو أسال هؤلاء الأخوة وأقول :

الحديث تضمن شراً أول ( قبل النبي) وهذا واضح وهو الجاهلية.

ثم خيراً أول ( وهو النبوة كما في الحديث) وهذا واضح.

ثم شراً ثانياً ( أتى بعد النبوة كما في الحديث)

ثم خيراً ثانياً ( الذي في دخن )

ثم شراً ثالثاً ( دعاة جهنم(

وأموراً أخرى في الحديث... لكن سنختار بعض الأسئلة لهؤلاء:

السؤال الأول:

هل تعرفون رجلاً من رجال الإسناد؟ قطعاً لا تعرفون رجلاً منهم، فنحن نعرف بعضنا، حتى البخاري لا تعرفونه ولا تعرفون أن سلفكم بدعه وجعله من الجهمية، ولم يكن ينقل عنه حديثاً وإنما احتاجوا إليه كما يحتاجون إلى القرضاوي اليوم وقد كانوا يبدعونه ويقولون بجهميته أيضاً! والغزالي عندهم جهمي، والشعراوي جهمي، وشلتوت جهمي، وابن حزم جهمي، وابن العربي صاحب عواصمكم وقواصمكم جهمي والشوكاني جهمي وابن حجر جهمي والنووي صاحب رياض الصالحين جهمي ... كل هؤلاء عند سلفكم ومن سار على نهجهم جهمية.

نعم لا تعرفون الرواة – رواة الإسناد- اللهم إلا إذا رجعتم لبعض كتب التراجم الحديثية، وهل تعرفون كيف نشأت تلك الكتب وما هي أوائلها؟ وترتيبها الزمني؟ ومؤلفوها؟ وهل تأثرت بالسياسة والمذهب أم لا؟ وإذا تأثرت ما نسبة هذا الأثر؟ .. هذه بحوث كبيرة لا يقدر عليها حتى من تظنون أنهم قد بلغوا مبلغاً عظيماً في علم الحديث، بل ربما لم تخطر على بال أكثر هل الحديث للأسف، وهذا بحث عميق وكبير لا يتصدى له أي أحد، ولذلك لأن هذا البحث أكبر منكم ومنهم فسأتجاوزه، مع أني أشتهي الكتابة فيه وقد أنشر يوماً بحوثاً في هذا الأمر، ليكتشف الناس أن الحديث ورجاله لا يجوز أخذه  هكذا تقليداً بلا بحث كيف وثقوا هذا الراوي وكيف كذبوا ذاك، وهل كانت احكامهم على الرواة والأحاديث علمية معرفية أم مذهبية تقليدية؟ كل هذا من البحوث المشروعة التي فرط فيها أهل الحديث تقريباً.

ولكن حتى يتعلم هؤلاء معنى ( التوثيق العلمي والتوثيق المذهبي) وأن الثاني غير علمي.

وكذلك ( الجرح  العلمي والجرح المذهبي وأن الثاني غير علمي)، فقد ذكرت لهم طعون سلفهم المغالي في البخاري عقيدة ورواية، تجدون هذا في الجزء الاسبق الخاص بالبخاري، لعل الغافلين منهم يصحيهم ويصحصحهم قليلاً، لأنهم في سكرة المذهب لم يكونوا سيصدقون أن البخاري عند سلفهم ضعيف جهمي، وكذلك مسلم، ولم يكنوا ليشعرون بقيمة كلامي هذا في معنى ( الجرح العلمي) و( الجرح المذهبي)، وربما كانوا سيقولون مباشرة : تقسيمك أقوال أهل الجرح والتعديل إلى ( جرح مذهبي وجرح علمي) تقسيم مبتدع لا يعرفه السلف الصالح! فأهل الحديث بحمد الله لا يوثقون بهوى ولا يجرحون بهوى وإنما كل أقوالهم علم ونور وبعلم وصدق ونية صالحة وأنهم أبعد الناس عن التأثر بالسياسة والمذهب وأنهم وأنهم..الخ من الإنشائيات غير العلمية التي لا يعجز عنها أحد.

ومثل هذا الكلام العام الإنشائي التقليدي غير العلمي، هو أكبر ما ضر ثقافتنا الإسلامية والعربية، نحن نريد العلم، وأما الكلام العام العائم الإنشائي الجاهل فقد شبعنا منه من قديم بارك الله فيكم فلا تكرروه معنا، قولوه لطلابكم في المتوسطة والثانوية وفي المراكز الصيفية والاجتماعات الحزبية، لكن إياكم أن أسمعه من واحد منكم.



والآن هذه ورطاتكم:

حسناً لنفترض أنكم ترون أن أحكام أهل الحديث كلها لله، وكلها علمية، وكلها صحيحة، وكلها يجب الأخذ بها، فاعلموا أن بعض أهل الحديث من سلفكم الصالح قد ضعف بعض الصحابة ومن أهل بدر أيضاً – وهنا ستتورطون ورطة ما خطرت لكم على بال-  وبعض أهل الحديث من سلفكم الصالح كما رأيتم قد ضعف البخاري نفسه، بل المعاصرون له الذين يؤخذ عنهم معظم الجرح والتعديل في تلك الفترة هما أبو حاتم وأبو زرعة وقد استجابا للذهلي  في ترك حديث البخاري والطعن في عقيدته،  فإذا صدقتم بعض أهل الحديث في تضعيف البخاري فلماذا تستدلون بحديث في البخاري في بيانكم، وإن لم تصدقوهم فماذا تفسرون تضعيفهم له؟

ستقولون  - إن عقلتم-: هذه عصبية مذهبية..

ممتاز..

وهذا قولنا في التفريق بين ( الجرح العلمي والجرح المذهبي)

أي الجرح النابع من علم ومعرفة والجرح النابع من مذهب وعصبية.

فما الذي يجعل كلامكم عن تضعيفهم للبخاري عصبية ولا تجعلون كلامهم في حق آخرين عصبية أيضاً؟!

فقد ضعفوا كثيراً من الناس الأبرياء، ووثقوا من كان على مذهبهم ممن ليس بثقة ولا مأمون، فاكتشاف هذا الخلل في منهج أهل الحديث من مشاريعي الكبرى التي سترى النور قريباً إن شاء الله.

إذن فما الحل؟! وكيف نعرف الحكم النابع من علم ( سواء كان تجريحاً أو توثيقاً)، والحكم النابع من عصبية مذهبية ( سواء كان تجريحاً أو توثيقاً)، هذا سؤال كبير لم يفلح أهل الحديث ولا أهل الجرح والتعديل في بسطه ووضع قواعده لأنهم انتقائيون، ويفرقون بين جرح بعضهم لبعض ويسمونه ( صراع الأقران)! بينما المجاملات فيما بينهم والتعصب ضد الآخرين يجعلونها ( علمية)!

هذا موضوع كبير يحتاج لبسط في غير هذا المكان، وأهدف من تثبيته هنا أن يستفيد منه من يريد العلم فقط، أما أنتم فأنا أعرف مسبقاً صممكم وعماكم، وإنما اتخذكم وسيلة إلى غيركم قصدها.

السؤال الثاني:

هل ترون مشروعية عمل حذيفة في السؤال عن ( الشر)؟ أم أنكم ترون الإمساك عن معرفة الشر؟ أنتم مع الثاني كما هو معروف، مع أن منهج حذيفة في السؤال عن الشر أقره النبي صلوات الله عليه، ولم يقل له : أمسك، وعليك بالخير فقط! وأنه لا يجوز لك أن تبحث عن الشر ورؤوسه وأسبابه وأحداثه)، والشر الذي يسأل عنه حذيفة ليس شر فارس والروم فهذا واضح يعرفه كل أحد، إنما يسأل عن الشر الداخلي الذي يقع من المسلمين ومن دخل تحت اسمهم من المنافقين، وهذا واضح في سياق الحديث.

إذن فتعلموا أن السؤال والبحث العلمي عن الشر لتجنبه أمر مشروع، كشرعية البحث عن الخير لاتباعه، بل أزيدكم بأن الله فصل الآيات لتستبين سبيل المجرمين فاستبانة سبيل المجرمين هدف إلهي كما قال تعالى (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام : 55])، بينما أنتم وغلاتكم يريدون التستر على المجرمين ومنع ما ورد فيهم من صحيح السنة والآثار والتواريخ، اتباعاً للشيطان الحريص على خلط الأوراق، وخلط الصالحين بالمجرمين ليجعل الجميع قدوة! ثم هو من سينتقي لك!

فمن منا أقرب إلى منهج حذيفة الذي أقره عليه النبي صلوات الله عليه أنا أم أنتم؟  بل من منا أقرب إلى تحقيق الهدف الإلهي من الآية السابقة أنا أم أنتم؟

هذا من حيث التنظير الأولي، فهذه أول حجة لي عليكم في شرعية البحث عن المجرمين وسبيلهم وآثارهم، بينما منهجكم هو التستر على المجرمين، وأنه لا فائدة من كشف المجرمين ولا سبيلهم ولا آثارهم وأنها أمور قد مضت وانتهت ولا أثر لها لا في فكر ولا معرفة ولا سلوك ولا مذهب ..الخ.

المجرمون صنفان:

أنتم أتباع الصنف الأكبر:

معرفة سبيل المجرمين هو معرفة مذهبهم، فالسبيل هو الطريق، والمذهب هو الطريق أيضاً،  فالمجرمون لهم سبيل أي مذهب كامل، بعقائد وفقه وجرح وتعديل، فلا تحسبوا أن المجرمين هنا هم قطاع الطرق فقط! فهؤلاء مساكين!

الإجرام الأعظم في الكذب على دين الله، فهذا إجرام ما بعده إجرام، بنص الكتاب ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً) فهو أبلغ بكثير من جريمة قطع الطريق، لأن جريمة قطع الطريق تكون نتيجة جوع أو جهل، والقتلى يكونون معدودين جداً، أما جريمة الكذب على الله فهي تحدث في حالة الغنى والترف أيضاً، وهي التي تنتج أكبر عمليات القتل والظلم في التاريخ، وهي التي تؤسس لشرعية المظالم كلها، من استهداف مقاصد الدين الكبرى، من نفس وعقل وعرض ومال ودين أيضاً.

فهذا إذن هو الإجرام الكبير الذي فصل الله الآيات ليستبين هذا المذهب.

والغلو المذهبي فرع أصيل من هذا المذهب العام.

والغلو السلفي أبلغ مذاهب هذا الغلو العام.

فهو يستهدف بإجرامه قتل النفس وسلب العقل ونهب المال وقذف العرض وتحريف الدين والمكر بالجميع.

نعم الغلو الشيعي - كثقافة - له مشاركة فعالة في هذه الأمور، لكن لا يبلغ إجرام الغلو الإجرام السلفي، ولا يكاد.

والغلو الخارجي  عسكرياً- له مشاركة لكنها محدودة بزمن وانتهت.

أما الغلو السلفي فبدأ من القرن الأول تحت رعاية معاوية وعبد الملك والوليد والحجاج ... وما يزال يستحل الدماء والأموال والأعراض والأكاذيب ويسلب العقول ويخرب النفوس ويأمر بقطيعة الأرحام، بشراهة لا تجدها في أي مذهب ولادين ولا قانون.

وهذا التاريخ والتراث والواقع شهود.

فلو أخذنا التشريع لقتل النفس المحرمة مثلاً، فلن تجد مذهباً في الدنيا كلها، لا كفرياً ولا إسلامياً يستحل الدماء كالغلو السلفي.

ولا نجد في تراث ولا عقائد الشعوب ( يستتاب وإلا قتل) كما نجد في مذهب الغلو السلفي.

لدرجة أنه لا يكاد يسلم أحد أبداً، لا سلفي ولا غيره من هذا التشريع، فالتنظير السلفي للقتل.

والدليل على كلامي أن هذا المذهب لا يبقي على أمثال أبي حنيفة والبخاري ولا مسلم فكيف بغيرهم؟!

هو مشروع قتل إلى آخر فرد وآخر رمق، ولا يصده عن تحقيق ذلك إلا العجز فقط،

كعجز هؤلاء الحمقى عن قتلي مثلاً، فهم يتمنون أن يتم قتلي وصلبي على جذع شجرة ولكن لا يستطيعون فقط!

  إذن فمعرفة سبيل المجرمين غاية قرآنية

والمجرمون هنا هم المجرمون الكبار الذين لهم ثقافة إجرامية

وليس الإجرام الصغير الذي يهدف لإطفاء شهوة آنية أو نهب قافلة عابرة.

والمجرمون - كهؤلاء- أعني الإجرام الأكبر الذي شرحناه سابقاً،  لا يعرفون من المعاني إلا أصغرها، وهذا التقزيم منهم للمعاني الكبرى – وهم كما يزعمون دعاة وطلبة العلم عظام!- هو نتيجة طبيعية لهجر القرآن أولاً قبل أن يكون سوء فهم لأول حديث ظننتموه ضدنا وهو ضدكم.

ولذلك وقعتم في ذلك السبيل – سبيل المجرمين- لأنكم لم تحذروا حذر حذيفة، ولم تتساءلوا كما تساءل، ولم تقدّروا إقرار النبي صلوات الله عليه وسلامه وتخصيصه حذيفة بالأسرار والأخبار، ولم تقدروا تعليل الله سبحانه لتفصيله الآيات، كل هذا استهترتم به أو لم تفهموه، وكلا الأمرين أحلاهما مر.

نعم قد نختلف بعد ذلك في بعض الأشخاص، هل هم من الأخيار أو من الأشرار، إلا أننا لابد أن تقودنا النصوص القرآنية إلى أخيار متفق على خيريتهم وأشرار متفق على شرهم، ولا بد أن يبقى قسم ثالث محل اختلاف وفقاً لاعتبارات معينة.

ولكن أعدكم أن تحديد ذلك الشر ورموزه سيتم بالنصوص أيضاً لكنكم لستم مع النصوص التي تتباكون عليها، لأنكم لا تفهمونها أصلاً، بل أجزم أنكم تفاجأتم بالآية السابقة وكأنهم لم تقرؤوها!

السؤال الثالث: ما هو الشر الأول بعد النبوة؟

هل تعرفون ما هو الشر الأول الذي أخبر النبيُّ حذيفةَ أنه يأتي بعد خير النبوة؟ في أي شيء كان؟ وما مدته؟ ومن هم رموزه؟ وما هي آثاره؟ ومن النصوص الشرعية أيضاً؟..كلا... لن تستطيعوا، ولن أقول لكم.

وذكرت لكم عذري في الرد الأول وأنه عذر الشافعي الذي قال:

أَأَنْثـُرُ دُرّاً بَيـْنَ سَــارِحَةِ النَّــعـَمْ *** وَأَنْظِمُ مَنْثُوراً لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ

فَإِنْ فَرَّجَ اللهُ اللَّطِيْفُ بِلُطْفِهِ *** وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلحِكَمْ

بَثَثْتُ مُفِيداً وَاسْتفَدْتُ وِدَادَهُم *** وَإِلاَّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ

وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ * وَمَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ!

فلست أول من كتم علماً عن الحمقى فقد سبقني الشافعي، وأنا أشبهه في الهوى العلوي، فهو القائل منشداً في الحج أيضاً:

يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى * وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ

سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيْجُ إِلَى مِنَىً * فَيْضاً كَمُلْتَطِمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ

إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّي رَافِضِي.

شيء من قصة الشافعي مع أسلاف هؤلاء الحمقى:

فالشافعي قد ابتلي بمثل هؤلاء النوابت من الحشوية والوعاظ المكتنزين بالبغضاء لأهل بيت النبي صلوات الله عليه، ولذلك لم يكونوا يطيقون ذكر أهل الخير بخير، وزهرة عمر الشافعي كانت في عهد هارون الرشيد الخليفة العباسي الظالم الناصبي، الذي كان يجلد من يروي حديثاً في فضائل علي ألفي سوط فقط! ( كما فعل مع نصر بن علي الجهضمي وهو سلفي ثقة محب لأهل البيت وما أقل هؤلاء = راجعوا ترجمته في تهذيب التهذيب)، ويجلد من يجعل علياً رابع الخلفاء الراشدين! واستطاع أن يفقر آل محمد في المدينة المحمدية حتى أن العشرين من العلويات ( من ذرية النبي وعلي والزهراء) يتناوبن في الصلاة على ثوب واحد ساتر، ليس لهن ثوب ساتر يصلح للصلاة غيره لشدة الفقر والتضييق، في وقت يقول فيه ذلك الرشيد للسحابة ( إذهبي حيث شئتي يأتيني خراجك)!

تلذذ الغلو السلفي بمظالم أهل البيت:

والغلو السلفي يحب مثل هؤلاء السلاطين ويثنون عليهم كثيراً! ويسكتون عن مظالمهم لأهل البيت، وهذا من مكر السلفية المغالية لا المعتدلة أمثال حذيفة والشافعي.

السلفية المغالية التي عليها هؤلاء الحمقى يتلذذون بإفقار آل محمد في عهد بني العباس

كما تلذذوا بلعنهم في العهد الأموي

ويتلذذون بقتلهم وتشريدهم في الدولتين

ولذلك يكثرون من الثناء على ظالميهم ولاعنيهم على المنابر كمعاوية ويزيد.

وهم اليوم يتلذذون بظلم كل من يحب آل محمد من سنة وشيعة

أهم شيء عندهم أن تمدح الظالمين لأهل البيت كمعاوية ويزيد وهارون الرشيد والمتوكل، وإلا فأنت رافضي ضال يجب عقوبتك.

هذا هو سبيل المجرمين، لا يمنع من كشفه إلا الشيطان:

هذا الغلو السلفي جزء من ( سبيل المجرمين) الذي فصل الله الآيات لنكتشفه ونتجنبه، ولكن الشيطان أقنع هؤلاء الحمقى بترك منهج حذيفة وترك تدبر الآية.

إذن فالغلو السلفي لا يريد استبانة سبيل المجرمين كما أراد الله، لأنهم جزء من ذلك السبيل، والشيطان هو الموجه الأعلى لسلفهم وخلفهم، لسادتهم وسوقتهم، للقادة المغضوب عليهم وللضالين من أتباعهم، فالشيطان هو القائد العام للضلال كله، وقد تناساه السلفيون أيضاً، وكأن تحذير الله منه مبالغ فيه! فهم يحذرون من الشيعة والسنة الأحرار والزيدية والصوفية والمعتزلة والجهمية أكثر من تحذيرهم من الشيطان.

بل هؤلاء الحمقى ليس لهم بيان في الشيطان ولكن لهم البيان في ذم الأقربين!

فالأقربون عند الله أولى بالمعروف، لكنه عندهم أولى بالقتل والقطيعة والهجران.

وهذا طبيعي

فسبيل الله غير سبيل المجرمين

هما سبيلان متضادان في كل شيء في الصدق والكذب/ العدل والظلم/ المعرفة والجهل/ المروءة واللؤم..الخ

فالله يحب قائمة من الأخلاق والمجرمون يمارسون أخلاقاً مضادة تماماً، إلا أنهم لمكرهم يجدون لها أسماء حسنة عند الناس، كالحرص على الدين والعقيدة والسلف والدولة ...الخ!.

عودة لقصة الشافعي معهم:

وقد ذكرت في مقال سابق أن الشافعي كان قد ابتلي في زمنه بنواصب مبغضين لأهل بيت النبي صلوات الله عليه ويسمون  آل محمد ( رفضاً وتشيعاً) للتنفير منه، ولا يفرقون بين الغلو الشرعي والغلو المذهبي، فكا كان غلواً عند المذهب المخاصم ليس بالضرورة أن يكون غلواً عند الله! كتفضيل الإمام علي مثلاً أو ذم معاوية ، فكونه غلو في التشيع عند مذهب الحمقى لا يعني أنه غلو عند الله، فذم دعاة النار عند الله واجب، وعندهم رفض وتشيع، فلهم مذهب مضاد لشرع الله، ويريدون إجبار شرع الله ليكون مع المذهب وليس العكس، وهذا  يفعله هؤلاء، فهم لا يلتفتون لنص قرآني ولا حديثي مادام أن المذهب لا يحبه ولا يرضاه ولا يرى فيه مصلحة، فالمذهب هو المعبود عندهم وهو الشرع، وليس الله هو المعبود، ولا شرع الله هو واجب الإتباع، نعم هم يأخذون من الشرع ما لا يضر المذهب، أما ما يضر المذهب ومرتكزاته الوضعية البشرية فلا يمكن أبداً ولو جاء منذرهم بالله والملائكة قبيلاً،  وقد كشفهم الشافعي بعمق في قوله:

إذا في مجلسٍ نذكرُ علياً ****** وَسِبْطَيْهِ وَفَاطِمَة َ الزَّكِيَّة

يقالُ تجاوزوا يا قومُ هذا ****** فَهَذَا مِنْ حَدِيثِ الرَّافِضيَّة

بَرَئْتُ إلَى المُهيمن مِنْ أنَاسٍ ***** يَرونَ الرَّفْضَ حُبَّ الفَاطِميَّة!

وأنا أشهد أن بعض هؤلاء كانوا يعاملونني كما قال الشافعي مع الذين تبرأ منهم، فإنني في أول صحبتي لهم كنا نجوب الجبال للدعوة الساذجة وتوزيع أشرطة الحمقى، فكنت يومئذ ربما أذكر بعض فضائل أهل البيت، فيفعلون بي ما يفعله النوابت بالشافعي، فكانوا إذا سمعوني أردد بعض فضائلهم يعدون تلك الفضائل والتي هي بالأسانيد الصحيحة السنية، يعدونها من أقوال الشيعة و الروافض! تماماً كما يفعل الغوغاء مع الشافعي.

فأنا أشبه الشافعي من وجه وإن لم أكن في فضله ولا علمه وأدبه، وهم يشبهون من تبرأ منهم الشافعي وإن كان المعاصرون أسوأ منهم علماً وأدباً، فخصوم الشافعي من نواصب عصره ليس فيهم دناءة أصحابنا، ولا يعرف عنهم أنهم كادوا الشافعي ولا استعدوا عليه ولا سرقوا أثاث بيته!

السؤال الرابع: الخير الثاني الذي فيه دخن ما هو؟؟

ما هو الخير الثاني الذي أتى بعد ذلك الشر؟ من هم أعلامه؟ وما هي مدته؟ ومنهم أعلامه؟ وما هو دخنه؟ وأعلام ذلك الدخن؟ وآثاره؟.. أيضاً لا يعرفون لا هم ولا سلفهم ولا خلفهم! لا يعرفون ذلك الخير ولا ما صاحبه من دخن.

السؤال الخامس : الشر صاحب دعاة جهنم ما هو؟

ما هو الشر الثالث الذي فيه الدعاة على أبواب جهنم؟ أيضاً لا يعرفون! لا ذلك الشر ولا أؤلئك الدعاة على أبواب جهنم! بينما أنا أعرف رؤوس هؤلاء شخصاً شخصاً لسبب يسير، وهو أنني أصدق الله أن من غاياته في تفصيل الآيات استبانة سبيل المجرمين، وأصدق النبي في حديثه هذا وأعرف معناه، وأعرف حذيفة أيضاً، وماذا باح به وماذا أشار إليه وكتمه؟! لأنني عل منهجه أسأل عن الشر مخافة أن أقع فيه، فلذلك لن تجدوا مني كيداً ولا تحريضاً ولا كتابة استعدائية لا سرية ولا علنية.

وحتى يتثقفون في منهج حذيفة أنصحهم بمراجعة ترجمة حذيفة بن اليمان، في سير أعلام النبلاء للذهبي أو الاستيعاب لابن عبد البر أو الإصابة لابن حجر أو مسند حذيفة في كتب المسانيد، فلا أريد أن أثقل عليهم، فهم أصغر بكثير من فهم السنة والحديث أو الاعتراف بالعلة التي ذكرها الله لتفصيله الآيات.

إلا أنه يكفيكم من حذيفة قوله :
( لو حدثكم بما أعلم لكذبني ثلاثة أثلاثكم)!

قالها في القرن الأول وليس عند حمقى بني مالك، فهل تتوقعون قول حذيفة هذا سهلاً؟؟! هل سيكذبونه لو كشف لهم نفاق عبد الله بن أبي وأمثاله؟؟

كلا كلا..
فالموضوع أوسع وأكبر من أن تهضموه أو تفهموه حتى في حق من صرح النبي نفسه أنه من دعاة النار فكيف تبحثون عن علامات التفاق في من ليس فيه نص وإنما له سوء سيرة وسوء علم.

( يتبع).

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=123
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28