• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : هل السجود لغير الله شرك مطلق؟! .

هل السجود لغير الله شرك مطلق؟!


هل السجود لغير الله شرك مطلق؟!


هل لو كنت موجوداً مع الملائكة، وسمعت أمر الله بالسجود لآدم، هل سيسهل عليك السجود له؟
أتحدث عن شعورك الداخلي؟
أظن القساة يقولون لا؛ فكيف لو كان الأمر الإلهي بالسجود لشخص تراه مختلفاً عنك، وتراك أفضل منه؟
سيكون الأمر أكثر صعوبة، وربما توافق إبليس؛ وهنا أهمية التسليم لله.


هل السجود لغير الله شرك مطلق؟! أم أنه يُشترط في الساجد أن ينوي بسجوده عبادة المسجود له؟!
تذكروا سجود الملائكة لآدم؛ وسجود يعقوب لابنه يوسف.
قرأت المشاركات؛ واسمحوا لي بالجواب:  سجود الملائكة لآدم عليه السلام  أمر إلهي؛ والله لا يأمر بشرك؛ وليس هناك نسخ في التوحيد والشرك والعبادة؛ سجود الملائكة لآدم ليس مباحاً فقط؛ بل هو واجب شرعي؛ أتى بعد أمر إلهي واضح؛ والله لن يأمر بالشرك؛ وهذا يعني أنه ليس كل سجود لغير الله شرك.
وكذلك سجود يعقوب ليوسف؛ لا يمكن لنبيين أن يشركان؛ فهذا يسجد وهذا يقره؛ ولا نسخ إلا في الشرائع؛ وليس في التوحيد؛ وخلق الله الجن والإنس ليعبدونه.
اذاً فكيف نحل الإشكال؟
الموضوع ليس فيه إشكال؛ فهؤلاء الساجدين؛ سواء من الملائكة أو الأنبياء؛ لا يقصدون عبادة؛ وليس في نياتهم أن المسجود له إله؛ فالسجود والركوع والانحناء - كانحناء المسرحيين للجمهور - كل هذا ليس من الشرك؛ لأن الساجد او الراكع يعرف أن الذي أمامه ليس إلهاً؛ ولا يقصد عبادته؛ أما السجود الذي هو شرك وعبادة؛ فهو ذلك السجود الذي يعتقد الألوهية في المسجود له؛  كسجود عباد الأصنام لأصنامهم؛ وسجود قوم بلقيس للشمس والقمر؛ وهذا حكم ما يفعله البعض؛ من سجود على قبور الأولياء؛ وهذا نادر جداً.
وكذلك ركوع المسرحيين أمام الجمهور؛ وهذا شائع جداً؛ كل هذا وفق النية والقصد؛ فإذا قصد هذا الساجد عند قبر؛ أو هذا الراكع فوق مسرح عبادة للمسجود له؛ فهو مشرك؛ بل هو مشرك إن اعتقد في المسجود له ألوهية؛ ولو لم يسجد ولم يركع.
ولكن يبقى أمر؛ ماذا كانت نية الملائكة وهم سجود لآدم؟ وماذا كانت نية يعقوب وهو ساجد ليوسف؟! كيف لنا أن نعيش في هذه النية لنعرفها؛
وخاصة يعقوب؟
يعقوب نبي؛ ولكنه بشر مثلنا؛ له قلب؛ ونستطيع أن نفهمه؛ يا ترى ماذا كان في قلبه وهو ساجد؟
نحن اليوم لا نستطيع السجود لآبائنا بنية التكريم؛ بمعنى؛ هل الاسستبشاع الداخلي - عند بعضنا على الأقل - لسجود يعقوب والملائكة هو نتيجة علم أو ورع أو عادة؟!
هل نحن أكثر ورعاً وتوحيداً وعلماً؟
الجميع يقر أنه ليس أكثر توحيداً وورعاً من الملائكة والأنبياء؛ اذاً؛ فلماذا هذا الشعور الداخلي بعدم الرضا؛ أو استعظام الأمر؟
هل هو نتيجة عادة؟
سؤال آخر: هل لو كنت موجوداً مع الملائكة، وسمعت أمر الله بالسجود لآدم، هل سيسهل عليك السجود له؟
أتحدث عن شعورك الداخلي؟
أظن القساة يقولون لا؛ فكيف لو كان الأمر الإلهي بالسجود لشخص تراه مختلفاً عنك، وتراك أفضل منه؟
سيكون الأمر أكثر صعوبة، وربما توافق إبليس؛ وهنا أهمية التسليم لله.
نعود لموضوع السجود؛ أكثر من قرأت لهم؛ من الشيوخ؛ لا يعولون على النية، وإنما يطلقون القول بأن السجود لغير الله شرك، وهذا التعميم خطأ، راقب النية؛ فلذلك نجد بعض متشددينا يجعلون عادة الناس ببعض البلدان؛ من تقبيل رجلي الوالدين عبادة، وبعضهم يجعل تقبيل اليد وجلوس الحارس على رأس الأمير عبادة؛ فمثلاً؛ يقول عبد الرحمن بن حسن في الرسائل والمسائل النجدية (2/  123 ) (يقوم الأحرار والعبيد على رؤوس الجبابرة عبودية لهم، وهم جلوس).
فهذا غلو؛ وما ينقلونه عن ابن تيمية؛ أو مالك أو سليمان بن حرب؛ من كراهية تقبيل اليد، وبعضهم يسميها (السجدة الصغرى)؛ كل هذا غلو وجفاف، ليس عبادة ولا شركاً.
المشكلة أن بعض العلماء يحكّمون العادة والمزاج، بمعنى؛ يجعلون عادتهم هي الحَكَم؛ مع أن استمزاجهم للشيء أو عدمه  لا يعد دليلاً، بل قد يكون شركاً.
راقبوا نياتكم؛ فإذا كنت تراقب الله وتريد حكمه، وليس استمزاجك وتحكيم عادة بلدك؛ فأنت إلى خير؛ ولو أخطأت؛ وإن كنت لا تراقب العادة فقد تكون مشركاً؛ لأن من أنواع الشرك شرك التشريع (من تحليل وتحريم وتكفير وأهدار للدماء ..الخ)؛ فإذا شرعنت لنفسك وفق هواك ستكون مشركاً من حيث لا تشعر؛ فصحح نيتك.
انظر قول أحدهم:
فالشرك فى الأفعال؛ كالسجود لغيره؛ والطواف بغير بيته؛ وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره؛ وتقبيل الاحجار، وتقبيل القبور واستلامها ..
هذا الشخص؛ مثلاً؛ أهمل تحرير النية؛ فالذي يحلق رأسه خضوعاً لغير الله (كطلاب المدارس والعسكريين)؛ هل يكونون مشركين؟
كلا.
لكنه مزاج الشيخ فقط؛ والواجب عليه أن يقول: السجود لغير الله بنية العبادة، وحلق الرأس بنية عبادة لشخص، وتقبيل قبر بنية عبادة صاحبه.. الخ؛ فهو شرك.
هذا  الكلام سليم؛ وكذلك قوله (السجود لغير الله والطواف بغير بيته، وتقبيل الأحجار والقبور... من الشرك)؛ هكذا الإطلاق خطأ؛ قد أطوف حول متحف أو بناء من باب الفرجة.
الخلاصة:
أن النية مؤثرة في السجود والتقبيل والوقوف على رأس الحاكم والركوع للجماهير والطواف حول متحف أو قبر ..الخ؛كل هذا مرتبط بالنية. فمن قبل الحجر الأسود عبادة له؛ كفر؛ حتى وإن كان الأمر بتقبيله شرعياً؛ وكذا تقبيل حجر أو كأس أو ميدالية أو رأس أمير أو والد، إذا قصد العبادة؛ كفر؛
وكذلك لو أرادت الملائكة من سجودها لآدم عبادة له؛ وليس تكريماً؛ ولو أراد يعقوب السجود ليوسف عبادة له؛ كفروا؛ لكنهم يعرفون أنهم لا يعبدون هؤلاء.
إذاً؛ الموضوع كله محله القلب (النية والقصد)؛ طبعاً هناك أمور مشتركة؛  كالطاعة مثلاً؛ أنت تطيع الله؛ وتطيع رسوله؛ وتطيع والدك؛ وليس ذلك شركاً. فالأمر بالسجود لله يعني السجود عبادة له؛ والأمر بالسجود لآدم يعني السجود تكرمة له فقط؛ وطاعة الله يعني عبادته؛ وطاعة الوالد يعني البر به؛ وهكذا.
وهنا يأتي حديث (إنما الأعمال بالنيات)؛ مع أنه حديث فرد ، لكنه يندرج تحت أصل شرعي صحيح، فالله يحاسبك وفق هذا القلب (إلا من أتى الله بقلب سليم)؛ وعلى هذا كله فليس في الدنيا شيء اسمه (عباد القبور)؛ ولا (شرك القبور)؛ إلا إذا أنت علمت أن ذلك الشخص يعبد القبر حقيقة؛ أو يعبد صاحبه حقيقة. والذي نعرفه من كتابات الصوفية والشيعة أنهم لا يقولون ولا يريدون عبادة أهل البيت؛ ولا الأولياء، ولا تخطر في بالهم، فلا تقل (عباد القبور )؛ حتى لو رأيت هذا الشخص يقبل شبابيك القبر؛ أو يأخذ من تربته؛ أو يتوسل به ..الخ؛ اسأله : هل تفعل هذا عبادة لذلك الشخص؟
سيقول : لا.
قطعاً سيقول لا.
نعم؛ لك الحق أن تعد ذلك مكروهاً أو محرماً أو بدعة؛ وبعلم؛ لكن ليس لك الحق أن تسمي أؤلئك (عباد قبور)؛ هذا ظلم وافتراء؛ ليس في الدنيا من يعبد قبراً؛ العبادة مرتبطة بالنية والقصد، وليست مرتبطة بالتشابه في الأفعال؛ كما شرحنا في الطاعة (طاعة الله وطاعة الوالد).
اتقوا الله؛ لا تتسرعوا فتندموا؛ نعم؛ ستندم عندما تعلم أنك تحكّم مزاجك وهواك وعادتك ومذهبك ..الخ، وتكتشف أن وقعت في بهتان؛ بأن هؤلاء يعبدون غير الله...، وقد يكون في حكمك شرك.
بمعنى؛ قد يكون تعظيمك لمذهبك وهواك ومزاجك وبغضك للآخر؛ أكبر من تعظيمك لأمر الله بالعدل والصدق، وهذا قد يكون شركاً دقيقاً لا تنتبه له، فاحذر.
أقول هذا الكلام كله للتخفيف من هذه الأحكام الجائرة على القلوب، أو الحكم على الظواهر؛ وينسى الحاكمون أن سلفهم يحكم على أمور أخرى؛ ولا يتابعونهم؛ بمعنى؛ أن بعض من تقلدهم في تكفير الشيعة والصوفية بسبب القبور، هم يحكمون على من يقف على رأس الحاكم؛ ومن يحلق رأسه للسبب نفسه؛  فلماذا لا تتابعهم؟ لماذا تجعل هذا الأمر عبادة؛ وذاك ليس عبادة؛ مع أن شيوخك يجعلون الأمور كلها عبادة؟
السبب هو المزاج فقط، والعادة، وحب الخصومة بالدين.
تورع؛ نريد من المسلمين أن يكون حكمهم لله؛ أن تكون شهادتهم لله؛ أن يكون تدينهم لله؛ وليس لعادة ولا مزاج ولا مذهب ولا خصومة، اتركوا عبادة هذه الأمور؛ الهالكون يوم القيامة ليس من يقولون (كنا نزور القبور ونتبرك بها ونقبلها..) وإنما من يقولون (إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا). فاحذر أن تخاصم في الأمر الصغير بهوى السيد وعصبية الكبير؛ فقد تكون أنت من يعبد غير الله (قلبك يعظم فتاواه أو شخصه أو قوته)؛ نعم؛ النصيحة للجميع؛ أعني؛ من أطاع سادته وكبراءه؛ دون نظر  ولا بحث؛ فهو على خطر عظيم؛ من أي مذهب كان.
لا تخاصم بالدين؛ لا تعبد الخصومة؛ اعبد الله؛ وحاول تعرف حكمه بنفسك.
نريد من المسلمين أن يكون حكمهم لله؛ أن تكون شهادتهم لله؛ أن يكون تدينهم لله؛ وليس لعادة ولا مزاج ولا مذهب ولا خصومة، اتركوا عبادة هذه الأمور.
الناس يرددون؛ في قصة سجود الملائكة ويعقوب؛ حجة : التحية ؛ وأنها منسوخة؟!
أولاً:
ما الدليل؟  من أول من قال بهذا الاعتذار؟ هل فيه نص أم مجرد رأي؟
ثانياً:
الذين يقولون أن السجود لغير الله شرك مطلق؛ كيف يتحول الأمر الإلهي للملائكة إلى نوع من أنواع الشرك في الإسلام؟
ثالثاً:
إذا كان هؤلاء يقولون بأن السجود شرك مطلق؛ فهذا يعني أنه ضد التوحيد؛ وحكم التوحيد والشرك لا ينسخان؛ فالنسخ في الشرائع دون العقائد.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1137
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28