• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : أشد الناس ابتلاءً الأنبياء فما هي ابتلاءات النبي؟ .

أشد الناس ابتلاءً الأنبياء فما هي ابتلاءات النبي؟

قراءة في بعض مواطن ابتلاءات النبي وأهل بيته.



إذا أردت أن تتعاطف مع النبي صلوات الله عليه وآله؛ تخيل للحظة أنك في موقفه!
عش إحساس اللحظة؛ عش مرارة الحرج الذي كان يجده؛ تخيل المشهد فقط! وهذا البلاء من أعظم علامات النبوة؛ إذ لو كان متنبئاً لخفف عن نفسه وبني قومه ووضع آيات مصالحة يتخلى فيها عن النبوة وأن الله ترك تكليفه وخلاص! من الذي يطيق كل هذا البلاء إلا نبي كريم يعلم تمام العلم أنه ليس له من الأمر شيء؛ وأنه مكلف بالبلاغ المبين؛ وأن الله لا يُسئل عما يفعل الخ؟!


السلام عليكم ورحمة الله.
قمت بجمع الكثير مما تفضل به المفكر العظيم فضيلة شيخنا حسن بن فرحان المالكي؛ وقرأت ما قرأت عن سيرة النبي عليه وعلى اله الصلاة والسلام؛ وارجو معذرة فضيلة القراء وفضيلة الشيخ مشاركتكم اياي في تعليقي هذا وما خالجني من احساس.
اقدم لحضرتكم الكلمات التي ابكتني وانا اجمعها.
قام بجمعها "محمد كيال العكاوي".


إذا وجدت جميع الناس مجانين فليس عذراً لك ألتخلى عن عقلك! فعقلك لك وليس للناس.
كان الناس أمة واحدة في الضلالة قبل الأنبياء؛ فليس كل إجماع حجة؛ يكون الابتلاء على أقدار معينة؛ فمنه البلاء الصغير ومنه المتوسط ومنه الكبير الذي لا يكاد يطيقه أحد؛ وعلى قدر الإيمان قد يكون التمحيص والابتلاء؛ فأعظم الناس بلاءً الأنبياء؛ ثم الأمثل فالأمثل؛ وأول ابتلاء الأنبياء هو النبوة نفسها؛ فإخبار النبي للناس بأنه مبعوث من عند الله بلاء عظيم.
تخيلوا هذا النبي الصادق  كيف سيكون شعوره وقد كلفه الله بأمر سيجد فيه تكذيبه؛ فمجرد أن يتحمل الصادق أن يقول له الناس (أنت كذاب) ابتلاء عظيم؛ ولذلك ورد في القرآن ما يفيد أن النبي صلوات الله عليه يضيق بالوحي صدره؛ وأن الوحي عليه ثقيل؛ ويحزن عليهم؛ ويكاد يهلك نفسه حرصاً على هدايتهم الخ؛ فالتكذيب بالنبوة أول البلاء.
تخيل أنك تطوف على الناس بفكرة صحيحة والجميع يكذبك ويسخر منك ويرميك بالحجارة ويلقي عليك الزبالة؟
تصوّر هذا فقط!
ثم البلاء الثاني: تعذيب من آمن به؛ وعدم تمكنه عن نصرتهم؛ تصور عندما تجد من صدقك يعذب أمام عينيك ويستنجد بك ولا تستطيع نصرته؟؟
بلاء عظيم!
ثم البلاء الثالث: عندما حوصر النبي مع قبيلته بني هاشم في شعب أبي طالب - الوادي مابين الصفا والمروة إلى الشرق - لك أن تتخيل حرج النبي من ذلك؟
تخيل حرج النبي لمدة ثلاث سنوات وهو ينظر إلى قرابته وهم مقاطعون من قريش؛ فلا يباع لهم ويعانون الفقر والجوع وهم أقرب الناس إليه؟!
أي حرج هذا؟
بنو هاشم وبنو المطلب؛ مسلمهم وكافرهم؛ تمت مقاطعتهم في شعب أبي طالب؛ لابد أن النبي رأى في عيون كثير منهم بعض العتب؛ وأنك أنت السبب!
أي حرج هذا؟
واكتمل البلاء في أواخر العهد المكي؛  بين أقربين محاصرين؛ ومستضعفين معذبين؛ وأصحاب مهجّرين إلى الحبشة؛ وتكذيب من القبائل في المواسم وطرد من ثقيف.
نعم؛ أكثر الناس بلاءً الأنبيا؛ء ثم الأمثل فالأمثل؛ لاسيما وأصحاب السكرة من قريش في تجارتهم وضحكهم وسخريتهم ولهوهم ولعبهم الخ؛ ماذا سيكون شعوره؟
إذا أردت أن تتعاطف مع النبي صلوات الله عليه وآله؛ تخيل للحظة أنك في موقفه!
عش إحساس اللحظة؛ عش مرارة الحرج الذي كان يجده؛ تخيل المشهد فقط! وهذا البلاء من أعظم علامات النبوة؛ إذ لو كان متنبئاً لخفف عن نفسه وبني قومه ووضع آيات مصالحة يتخلى فيها عن النبوة وأن الله ترك تكليفه وخلاص! من الذي يطيق كل هذا البلاء إلا نبي كريم يعلم تمام العلم أنه ليس له من الأمر شيء؛ وأنه مكلف بالبلاغ المبين؛ وأن الله لا يُسئل عما يفعل الخ؟!
تخيل النبي صلوات الله عليه في الشعب، يرى زوجته  خديجة تموت، وعمه أبا طالب الطاعن في السن يموت، ويبقى مع بناته اللاتي يشكين الجوع والعوز الخ؛ ماذا سيقول النبي صلوات الله عليه لبناته اللاتي فقدن أمهن، كيف سيشعر بمسؤوليته تجاههن بعد فقد خديجة وهو يراهن باكيات؛ وقد أصبح الأب والأم الخ.
بيت النبي بعد موت خديجة، كان فيه بناته وربيبه علي ومولاه زيد فقط؛ من يطبخ؟
من يغسل؟
من يرعى الأغنام؟
من يذهب للأسواق البعيدة لجلب المعيشة؟
عام الحزن الذي فقد فيه النبي عمه أبا طالب وزوجته خديجة؛ كان عاماً قاسياً؛ لكنه لم يوقف الدعوة؛ بل ذهب إلى الطائف مع مولاه زيد؛ وأبقى علياً للبيت؛ وكان ماكان في الطائف؛ من سخريتهم منه، وطردهم له؛ بل سلطوا عليه سفهاءهم ليرموه بالحجارة، فهام على وجهه مع مولاه زيد إلى مكة؛ أي بلاء هذا؟
عاد الرسول إلى مكة، ومن المتوقع أنه مثلما علي وفاطمة غسلا الدم عن وجهه يوم أحد، فقد قاما بما يشبه ذلك بعد عودته من الطائف!
أي بلاء وجدوا؟
ومن هنا يبدأ وجوب محبة أهل البيت؛ لقد عانوا المعاناة نفسها، ما أصاب النبي من ضيق أو حرج أو جوع.. الخ إلا شاركوه فيه، ومن هنا كان فضل آل محمد.
بقية الصحابة؛ على فضلهم؛ لم يعانوا ما عاناه أهل البيت؛ كانوا في شؤونهم؛ لم يكونوا في حصار الشعب - باستثناء أبي سلمة؛ وأم سلمة المخزوميين – فقط؛ أكثر الناس معاناة كان النبي؛ ثم قرابته (أهل بيته)؛ ثم المستضعفون من أتباعه؛ ثم المهاجرون إلى الحبشة؛ ثم بقية الصحابة؛ هكذا الترتيب في الابتلاء.
كل بني هاشم ؛وحلفائهم بني المطلب؛ شاركوا النبي همومه في حصار الشعب باستثناء أبي لهب، وكل قريش نجت من الحصار باستثناء أبي سلمة وأم سلمة فقط؛ كانت أم أبي سلمة أختاً لأبي طالب، فلما أرادت قريش أخذ أبي سلمة، فأبى أبو طالب وقال: أمنع ابن أختي مما أمنع منه ابن أخي!
ولله دره!
ملحوظة: بنو المطلب حلفاء بني هاشم ليسوا بني عبد المطلب بن هاشم؛ إنما  المطلب أخو هاشم؛ فرع آخر من بني عبد مناف، منهم عبيدة بن الحارث ومسطح الخ.
البلاء الرابع: تكفل الأنصار بحمايته ليبلغ الرسالة؛ فلما قتل من الأنصار الكثير يوم أحد، ثم رمتهم العرب عن قوس واحدة يوم الخندق؛ كان الحرج النبوي؛ كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض واليهود يشمتون بالأنصار، بأنكم أنتم من جلبتم على أنفسكم البلاء... الخ؛ كان هذا يصل إلى النبي ويضيق به صدره.
البلاءات التي تعرض لها النبي صلوات الله عليه كانت عظيمة جداً؛ لكنها تفتقد منا العيش فيها، الشعور بها، إبرازها للناس ليعرفوا حقيقة هذا البلاء.
حقاً؛ أعظم الناس بلاء الأنبياء؛ ثم الأمثل فالأمثل..
كان قلب النبي مقسماً بين واجبات الرسالة ومشاعر الأبوة ومكابدة الحرب وأذى المنافقين الخ؛ أكثر المسلمين لا يجدون محبة النبي في قلوبهم؛ لأنهم يظنونه عاش ملكاً مطاعاً؛ يقرءون السيرة قراءة داعشية؛ ويهتمون بالغزوات فقط؛ ونسوا فيه الإنسان؛ لم يحاول أكثر المسلمين إشباع (ثقل النبوة) عليه صلوات الله وآله؛ ولا حصار الشعب؛ ولا طردة الطائف؛ ولا فقد حمزة وجعفر وخديجة وأبي طالب وزيد الخ؛ لم يحاول أكثر المسلمين العيش في قلب النبي وهو يرى عماراً وخبيباً وبلالاً معذبين ولا يستطيع نصرهم؛ لم يعيشوا في قلبه وهو يرعى بناته بعد خديجة؛ لم يعيشوا حزنه وهو يرى حمزة قد مثل به المشركون واستخرجوا كبده وقلبه وعملت منهما هند خلاخل لجواريها - كما ذكر أهل السير- لم يعيشوا معه همومه.
لم يعش أكثر المسلمين اللحظة التي ألقى فيها كفار قريش سلا الناقة (مشيمتها) عليه وهو ساجد! لم يعشيوا لحظة سقوطه في حفرة أبي عامر يوم أحد.. لم يقف المسلمون على همه وحزنه عندما علم بأن أبا جهل؛ لعنه الله؛ طعن سمية بنت خياط أم عمار في فرجها بالحربة وقتلها...
لم يعيشوا توديعه المهاجرة.
لم يعلموا جلوس منافقي قريش في المسجد وقولهم لفاطمة وهي داخلة على النبي (إنما محمد فيكم كنخلة نبتت في مزبلة) ذماً لها؛ وتألم النبي لهذه العداوة؛ لا يعلم أكثر المسلمين أن قول النبي (... واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم؛ فأنا خيار من خيار)؛ كان رداً على هؤلاء المؤذين لأهل بيته؛ هم يظنون أن النبي يقول هذا تفاخراً بأنني كذا وكذا، وأن قرابتي كذا، يظنونه من باب الفخر القبلي؛ لا يعرفون أنه كان ينافح عنهم ضد أؤلئك المؤذين.
لا يعرفون أن النبي قد عاش مآسي أهله القادمة؛ ولأنهم الأمثل بعده وسيصيبهم البلاء؛ لا يعرفون علمه بما سيجري لهم واحداً واحداً؛ وتألمه لذلك وهو حي؛ لذلك فأكثر الأمة قرأ سيرة النبي قراءة الملوك والغزاة أصحاب المغانم والسبي؛ وألصقوا بسيرته ما يحبون، ثم يأتي من يحبه ويجد نفسه أمام نسخة مشوهة.
لا يعلم أكثر المسلمين علم النبي وتألمه مما دونته عنه السلطات والمنافقون؛ والسماعون للمنافقين مما يضاد عدله وخلقه العظيم الذي وصفه الله به؛ تعرض أعمال هذه الأمة على رسول الله، فكيف لا يتألم وهو يراها قد صدقت المنافقين والظالمين؛ وألصقت بدين الله وبسيرته العطرة كل ما يسوؤه ويحزنه.
نعم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
ابتلوا في حياتهم بكل كافر وساخر ومنافق ومتربص؛ وابتلوا بعد موتهم بكل مضلل ومحرف وكذاب ومخدوع؛ كيف لا يحزن النبي في قبره - عند عرض الأعمال - ويتألم وهو يرى أن أمته تنسب له كل مفاسدها؛ من قتل؛ وبغضاء؛ وسوء خلق؛ وظلم؛ وكذب على الله ورسوله.
في هاتين الحلقتين عش مشاعر النبي عندما سمع وصف منافقي قريش لأهل بيته بأنهم ( مزبلة)!
1
https://www.youtube.com/watch?v=PW6zj03UuGc
2
https://www.youtube.com/watch?v=Zyw5WNUWtZQ


هذا الوصف الشنيع جرى من مسلمي قريش (والأرجح أنهم بعض الطلقاء) أمام منزل النبي وهم جالسون في مسجده، في آخر أيام عمره، هذا بلاء عظيم؛ لماذا؟
لأمرين:
لأن النبي يعرف كيف عانى أهل بيته ما عاناه من عذاب وحصار وفقر؛ فلا يستحقون هذا الجفاء.
ولأن النبي يعرف أن هذه مقدمات لما سيجري لهم بعده. فلا هو أغناهم في حياته - كان يأمرهم بشظف العيش والتسبيح والصبر- ولا هو حماهم بعد موته؛ فكان يعلم بما سيصيبهم بعده من بلاء؛ ولأنهم الأمثل بعده.
حقاً.
أشد الناس بلاءً الأنبياء؛ ثم الأمثل فالأمثل.
وأما الدنيا وغرورها وزحرفها فكانت لغيرهم؛ فلا بلاء ولا عناء؛ بل سلطان وغنائم وأموال وشعراء؛ لذلك جاءت النصوص التي تفيد أنه لا يحبهم إلا مؤمن؛ وأن حبهم من حب النبي؛ وأنه لا يبغضهم إلا منافق؛ وأن بغضهم لهم من بغض النبي..
فالإيمان صعب!
الإيمان صعب لأن الجفاة يتهمونك إذا أحببتهم؛ والغلاة لا يرضون منك إلا بالغلو فيهم؛ فمن الصعب أن تسلم من الجفاة والغلاة؛ أنت متهم في الحالتين. ومن هنا فالله لا يقبل الإيمان المجاني؛ لابد من تمحيص لهذا الإيمان ليكون لله:
( أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون)؟
أنت تحلم!
ابتلاءات النبي كثيرة جداً؛ إنما حاولنا الإشارة لبعضها فقط؛ ولعل من بلاء النبي أن أمته لا تشعر بما قاساه وعاناه؛ والشعور بالآخر مشاركة له؛ أبى الله أن يشارك نبيه المتكبرون والظالمون والفرحون بالحياة الدنيا؛ أمام المستضعفين فرصة مشاركة النبي في بعض ما كان يعانيه من مظالم وضيق وحزن.
لو علم المتكبرون ماذا يكسب الضعفاء من ضعفهم  لحاربوهم عليها بالسيف.
من رحمة الله بالمستضعفين أنهم يعرفون من سيرتهم زبدة سيرة النبي ومشاعره.


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1101
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19