• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : القشرة الثقافية! .

القشرة الثقافية!



كم من قصص يتخذ فيها الطيبون مواقف خاطئة؛ أو يتبدلون نتيجة غسيل دماغ غير بريئة من جهات أو أجندة تعتمد على هذه الهشاشة الثقافية؛ ولذلك تجدون التبدل اليومي لشيوخ وكتاب ومثقفين بين مواقف سابقة ومواقف مضادة لاحقة دون أن تقتنع بأسباب تحوله؛ هي هشاشة ثقافية أو مصلحة..  الخ؛ وأحياناً لا يتحول الشخص؛ وإنما يكون هشاً دائما؛ً فيتوقع على أصحاب ما أو يتلون بالتسطيح الإعلامي العام؛  فيتشكل بثقافتهم وتسطيحهم.


كثير ما يقول لي بعض الناس: مابال  فلان؛ - الشيخ (ب)  او الكاتب (س) أو المحلل (ص) - كان عاقلاً ثم نراه يقول كذا وكذا!
تبدل الرأي أو الموقف ليس عيبا؛ً بل محمود؛ ولكن بشرط ألا يتناقض في مدة يسيرة وبلا برهان؛ بمعنى.. قد تجد له فكرتين متضادتين تماماً؛ وفي يومين بس؛ وهذا قد يتبدل من فرد إلى مؤسسة أو جماعة أو صحيفة أو قناة.. الخ؛ وتكون مدة التغير أطول؛ لكنها أيضاً بلا إقناع؛ بل قد تكون الفكرة الأولى أقوى؛ والسؤال:
ما الذي يدفع الفرد أو المؤسسة أو الصحيفة أو حتى الجماعة والتيار لتناقض؟
السؤال٢:
لماذا لا يجهد نفسه في عرض أدلته في هذا التحول؟
أما الجواب:
معظم هؤلاء المتبدلين بلا برهان تكون القشرة الثقافية هي السبب؛ وهي مشكلة تتعلق بالعقل؛ وبعضهم  يتبدل للأسوأ نتيجة مشكلة في الضمير.
نبقى مع الموضوع الأول؛ وهو التغير نتيجة القشرة الثقافية الرقيقة جداً؛  أي لأنه لم يتعمق فيما كان يعتقده من حق؛ فيكون ضحية تضليل صارف يسير؛ القشرة الثقافية الرقيقة في عقول كثير من مثقفي العرب والمسلمين -  فضلاً عن العامة - هي نتيجة مباشرة للتسطيح الثقافي عبر تعليم أو وعظ.. الخ
ربما نشرح بأمثلة عشتها شخصياً: شخص وافقني ذات مرة على أن القعقاع بن عمرو لا وجود له؛ وأنه من اختراع الراوي سيف بن عمر؛ ثم هجرني فترة طويلة؛ ثم التقينا بعد مصادفة؛ ووجدته متغيراً؛ وبعد سؤالي له عن سبب هذا الجفاء قال لي بكل صراحة أني خدعته وخنته علمياً!
لماذا؟
اسمعوا حجته:
حجته أنني قلت أن سيف بن عمر انفرد بذكر القعقاع بن عمرو؛ وأن صديقاً له قد أقنعه بأن القعقاع موجود عند الطبري في تاريخه وعند الواقدي.. الخ؛ وعلى هذا فأنا خائن علمياً؛ أريد أن اقنعه بوهم كبير في نفي شخصية كبيرة في التاريخ قد أجمع على ذكرها المؤرخون غير سيف بن عمر! ولو أن ذلك الشخص لم تكن قشرته في الثقافة رفيعة جداً لاكتشف ان الطبري نقل اخبار القعقاع من سيف بن عمر نفسه؛ وأن كتاب الواقدي لا يصح عنه!
فقلت له: إذا أتيتني بإسناد في الطبري يذكر القعقاع من غير طريق سيف بن عمر فلك الحجة؛ وإذا صححت لي كتاب الواقدي فلك الحجة؛ فلماذا لا تتعمق؟ لماذا لم تصر على معرفة الحقيقة وتزورني وتنظر في إجاباتي على حجة صديقك؟ ثم لك الحق في القرار؛ مع أني رددت على تلك الحجج؛ لكن لعلك نسيت.
لماذا تسمح لصديقك ان يقودك لسنوات بشبهة بسيطة كان يمكن الاجابة عليها من اتصال واحد؟
إذاً فهذا الموقف الذي اتخذه كان نتيجة قشرة ثقافية؛ فعندما  تذكر له انفراد سيف بن عمر بشخصية تاريخية فأنت تقصد أنه لم يأت خبر عن القعقاع من غير طريقه؛ لكنه لم يفهم القصد من كلمة ( انفرد)؛ وإلا فنحن نعرف أن كل مرجع ينقل من سيف؛ فهو ناقل وليس مصدراً مستقلاً؛ هذه بدهية؛ لكن القشرة الثقافية تتعب أهلها؛ وتوردهم موارد لا داعي لها.
وهكذا؛ كم من قصص يتخذ فيها الطيبون مواقف خاطئة؛ أو يتبدلون نتيجة غسيل دماغ غير بريئة من جهات أو أجندة تعتمد على هذه الهشاشة الثقافية؛ ولذلك تجدون التبدل اليومي لشيوخ وكتاب ومثقفين بين مواقف سابقة ومواقف مضادة لاحقة دون أن تقتنع بأسباب تحوله؛ هي هشاشة ثقافية أو مصلحة..  الخ؛ وأحياناً لا يتحول الشخص؛ وإنما يكون هشاً دائما؛ً فيتوقع على أصحاب ما أو يتلون بالتسطيح الإعلامي العام؛  فيتشكل بثقافتهم وتسطيحهم.
فالرجل كسول؛ ومن هذا الباب الخطر الأعظم؛ وهو تطرف بعض شبابنا وذهابهم في أقطار الأرض يفجرون أنفسهم ويوردونها المهالك بسبب القشرة الثقافية  الهشة الرقيقة؛ التسطيح الوعظي والعقائدي والإعلامي والتعليمي يتعاضد في تشكيل قشرة ثقافية؛ لها أكبر الضرر على العقل والضمير والسلوك والتنمية وكل شيء؛ لذلك فليس من الغرابة إن خرجت الأجيال هشة قشرية؛ بين متطرف دموي ؛ وإعلامي هش؛  ومثقف منافق؛ وواعظ مجنون؛ الخ؛ هذه مخرجات الثقافة القشرية.
ثم إذا أمسكت القشرة بمفاصل الحياة التعليمية والمعرفية والعلمية فهي تتألم من أي محاولة تعميق للمفاهيم؛ فتضطر لمحاربة كل ذي عقل يحاول التعمق؛ بل تبذل القشرة كل جهدها ترغيباً وترهيباً بقشرنة العمق وتسطيح المرتفع وترقيق المتين واسترقاق عباد الله؛ ولولا الجهود الممانعة لنجحوا ١٠٠٪.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1081
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19