• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : معايير السني والشيعي دعوة لوضع معايير علمية والتخلي عن المعايير المذهبية .

معايير السني والشيعي دعوة لوضع معايير علمية والتخلي عن المعايير المذهبية



الناس لا يضبطون ولا يلتزمون الدقة؛ وذكر التفصيلات والفوارق يأخذ وقتاً؛ لكن يكفيك ذكر القيود؛ مثل أن تقول: "غلاة الشيعة أو بعض الشيعة".. "غلاة السنة أو بعض السنة.." لتكون أقرب للعلمية.
.



كتبنا سابقاً عن خلط الناس في التصنيف المذهبي؛ وأن كثيراً من الناس يخلطون في التصنيف نتيجة جهل أو هوى؛ ومن ذلك الخلط في التصنيف - نتيجة هوى - تصنيف الأشاعرة والظاهرية والاباضية والزيدية والمغتزلة على أنهم جهمية؛ وللأسف هذا تصنيف غلاة السلفية؛ ومن ذلك تصنيف السنة والزيدية مثلاً على أنهم نواصب؛ وهذا للأسف رأي غلاة الشيعة؛ ومن ذلك تصنيف المعتزلة للأشاعرة والسنة أنهم مجسمة جبرية.
معظم هذه التصنيفات بهذا للتعميم هو نتيجة عصبية وليس علماً؛ العلم والإنصاف يركز على النسبية؛ فالالتفاء في فكرة مع الآخر لا يعني التطابق معه؛ ومن الأوهام عند المتلقي أنه قد يلزمك ما لا يلزم؛ فمثلاً قد تنقد التجسيم  أو النصب فيأتي متلقٍ ليقول "أنت تنتقد أهل السنة"! وهذا خلط نتيجة جهل؛ كما أنه قد يأتي زيدي ويقول بالثورة على الظالمين فيأتي سلفي ليقول له: "انت من الخوارج"! مع أنهما ضدان..وهكذا.
الناس لا يضبطون ولا يلتزمون الدقة؛ وذكر التفصيلات والفوارق يأخذ وقتاً؛ لكن يكفيك ذكر القيود؛ مثل أن تقول: "غلاة الشيعة أو بعض الشيعة".. "غلاة السنة أو بعض السنة.." لتكون أقرب للعلمية.
والعقائديون والمؤلفون في الفرق والمقالات هم سبب هذا الخلط؛ فبلاؤنا منهم؛ هم الذين يحشرون كل المنزهة في الجهمية وكل الشيعة في الروافض.. الخ؛ كما أن المؤلفون من الأطراف الأخرى أيضاً؛ مجد بعضهم يحشرون كل السنة في الجبر أو التجسيم أو النصب.. الخ؛ كل هذه التصنيفات غير علمية ولا منصفة.
والسؤال هو:
ما هو المعيار الذي يجب توفره في شخص أو مذهب أو تيار حتى يقال: "هذا رافضي" أو "ناصبي" أو "مجسم" أو "منزه" أو "عدلي" أو "جبري" أو "خارجي" أو "ثائر".. الخ؟
للأسف؛ أن المتطرفين في التصنيف لا يعولون على معايير علمية؛ مع انكارنا لهذه المسميات والألقاب؛ لكنها مما عمت بها البلوى؛ فلم يبق إلا العلمية؛ ونحن انسقنا فترة طويلة مع هذه التصنيفات والشغف بها؛ إما نتيجة تقليد أو خصومة؛ ولكننا تطورنا في الالتزام بالدقة والتنبه لخطر التعميم.
كنا أيام المرحلة الجامعية مغرمون بالتصنيف؛ هذا صوفي مشرك؛ وهذا رافضي؛ وهذا حداثي ملحد؛ وهذا جهمي.. الخ. وهذا كله من العصبية؛ وهو أرضية التكفير.
ثم كان التحول شيئاً فشيئاً نحو العلمية والدقة ما أمكن؛ فأصبحنا نقول؛ فلان فيه كذا؛ منحرف عن كذا؛ وافق الفرقة الفلانية في كذا؛ وهكذا. وممن لهم فضل عليّ في التريث والنسبية الشيخ عبد الفتاح أو غدة رحمه الله؛ وكانت الحملة عليه شعواء بسبب الألباني رحمه الله؛ ولي معه قصة!
الخلاصة:
أنني أفهم هؤلاء الشباب جيداً؛ فقد كنت مثلهم؛ في التصنيف والبراء ممن لم يبرأ الله منه؛ وحب الجهاد وتكفير الحكومات.. الخ؛ لم أتخلص من آثار هذا الوسط التصنيفي المغالي بسهولة؛ احتجت لقراءات واسعة في علم الحديث والعقائد؛ وتعبت حتى التمست طريق الاعتدال باجتهادي.
هؤلاء الشباب - حتى شباب داعش - أفهمهم جيداً؛ هم نتيجة تعليمية وتراث عريض؛ ولم يهبطوا من السماء؛ وذنبهم في العجلة والتقليد قادهم لذنوب أعظم.
نعود لموضوعنا:
ما هو المعيار الذي يسمى به الشخص سنياً أو شيعياً؟!
سلفياً أو رافضياً؟
سأكتفي بهذا لشهرته ولكثرة التنابز فيه بالجهل والهوى؛ نأتي للسني ثم السلفي ثم الشيعي ثم الرافضي؛ على الترتيب؛ ونختبر معاييرها والخلل فيها باختصار شديد! وسيوافقني المتصفون طوعاً أو كرهاً.
طبعاً قد نستخدم هذه التصنيفات في كتاباتنا أحياناً بالمعنى السائد لا العلمي؛ لأنك تحتاج أن تخاطب الناس بما يفهمون لتقريبهم إلى فهم أدق.
والآن..
ما معيار السني؟! - انتبهوا! أنا الآن اتحدث بالألقاب السائدة لا العلمية؛ وسيأتي اكتشاف المعنى العلمي بعد وضع المعيار- نكرر: من السني؟
معيار السني البدهي الذي تلتقي فيه كل التعريفات هو (اتباع سنة رسول الله)؛ فمن أطاع رسول الله واتبعه فهو سني؛ ومن خالفه فليس سنياً.
طيب اسمع!
السؤال الثاني: فما هي سنة رسول الله؟!
الجواب البدهي أيضاً: هو ما كان عليه رسول الله من السيرة الصالحة؛ عبادات؛ أخلاق؛ علم.. الخ
هذه الخلاصة
السؤال الثالث:
ألم يكن النبي متبعاً للقرآن؟
ألم يأمره الله باتباع القرآن؟!
أليس ذروة السنة التي كان عليها النبي هي أوامر القرآن وعلومه؟
الجميع سيسلم بأن من سنة رسول الله العلمية الإيمان بالله واليوم الآخر ومراقبة الله؛ ومن سننه الخلقية والعبادية الصدق والعدل والصبر والصلاة.
السؤال الرابع:
لماذا تبخس الناس أشياءهم إذا طبقوا ذروة السنة وصفوها وسنامها ورأسها من إيمان بالله والنبوات والمعاد ومكارم الأخلاق.. الخ؟!
بمعنى آخر؛ لماذا لا تعد هذه السنن العظام في معايير السنة (السنة غير الحديث؛ هي ماله صفة الديمومة والتكرار)؟!
وهل بخس الناس أشياءهم من السنة؟
مثلما تورط المغالي السني هنا سيتورط المغالي من المذاهب الاخرى في أمور مشابهة؛ فلا تستعجلوا؛ نريد التفكير ببساطة؛ فعظمة الإسلام في بساطته.
أعرف أن المتمذهب سيقول:
لكن خصومنا ليسوا سنة ما داموا يرون كذا ويقولون كذا وكذا.
الجواب: اتفقنا على أن الصدق والعدل من السنة الأصيلة؛ فاحذر!
فإذا أنت أخرجت أخاك المسلم من سنة محمد لأنه قال قولاً تراه مخالفاً للسنة؛ فتذكر الأمور التي تعلم بيقين أنها عنده من صفوة السنة المحمدية!
بمعنى.. اكتب خصال السنة المحمدية التي كان عليها محمد صلوات الله عليه وآله من إيمانيات وأخلاق وعبادات.. الخ؛ اكتبها؛ ثم انظر كم يطبق خصمك منها!
إذا أنت قلتٓ: "لا يطبق منها شيء"! فتذكر أن من سنن النبي القطعية الصدق والعدل وتجنب بخس الناس أشياءهم والشهادة لله والخوف منه ومراقبته.. الخ؛ فلا تفرط في هذه السنن العظيمة؛ بأن تبخس الناس أشياءهم وتكذب وتتكبر.. الخ؛ فإن هذه ضد سنن النبي قطعاً؛ وتكون أنت بهذا أولى بالخروج من السنة!
إذاً.. فالمعيار للسنة يجب أن يكون معياراً قرآنياً يقينياً؛ يكون لك فيه عند الله برهان؛ ولا يجوز أن تفرط في السنن الأصلية لأجل سنن فرعية..
اذاً مشكلتك في المعيار! معيار السنة عندك هي ما قاله مذهبك = سنة مذهبية؛ وليس معياراً علمياً قرآنياً يقينياً تطمئن له ويكون نورك يوم تلقاه.
نفس الأسئلة  للطرف الشيعي المغالي  الذي يكرر أن التشيع هو الإسلام المحمدي؛ وقد لا يعترف بإسلام السني.
سؤال: ما هو معيار الإسلام المحمدي؟!
أليس  من الإسلام المحمدي الإيمان بالله والمعاد والنبوات والصلاة والصوم والحج والصدق والعدل.. الخ؟!
أليس هذه من الإسلام المحمدي؟!
والإشكالات التي تقع على السني الذي ينفي سنة محمد عن غيره ظلماً هي الإشكالات التي تقع على الشيعي إذا كفر السنة! وهنا للطرف الشيعي كلام؛ وهو:
كيف نزعم أن السني إسلامه محمدي وهو يبغض أهل البيت ويحب أعداءهم ويتعبد بقتل الشيعة.. الخ؟!
الجواب: اتفقنا على أن التعميم ظلم؛ والظلم ضد الإسلام؛ هنا لا أناقش النسبية؛ لا أقول أن غلاة السنة نسبتهم كذا وغلاة الشيعة نسبتهم كذا؛ أنا أناقش الغلاة من الفريقين؛ قّّّلوا أو كثروا؛ ولي عذري هنا؛ عذري هو أن أكسب عقلاء الفريقين؛ فإذا قلت أن الغلاة عند هذا الطرف أكثر من ذاك فمعنى هذا أني دخلت طرفاً؛ نريد أن نناقش الفكرة بهدوء كفكرة؛ لابد للسني والشيعي أن يناقش بهدوء ولا يستعجل في الخصومة؛ حتى لو شعر بفروق؛ ولكم في كلام الله حجة؛ فهو يطرح مساواة الاحتمال؛ حتى في حق النبي.
بمعنى.. أن القرآن في محاورة الكفار يطرح الاحتمال طرحاً علمياً محايداً؛ كفرض الفررض في المنهج العلمي الحديث؛ اقرأ:

(۞ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24)
[ُسبأ]

فالقرآن يطرح الاحتمال العلمي البحثي بصرامة؛ وهو:
أن يكون النبي ومن معه على هدى أو ضلال؛ أويكون الكفار على هدى أو ضلال؛ هكذا الطرح الواثق؛ وليس السني ولا الشيعي بأفضل من رسول الله حتى يستنكف عن طرح فرض أو احتمال على نفسه قد طرحه الله على رسوله في مقابل الكفار!
لنتواضع.
اذاً.. فطرح الفرض أو الاحتمال سيقود - إن تواضع السني والشيعي - إلى كتابة خصال الإسلام المحمدي أو السنة المحمدية؛ ثم يختبر نفسه فيها أولاً:
ماذا سيفعل بالصدق؟!
بالعدل؟
بالشهادة لله عليه وعلى خصمه؟!
هنا سيجد المغالي نفسه في محاسبة ضمير؛ إن كان له قلب؛ ويجتنب الظلم والتعميم والكذب؛ الموضوعات الخلافية؛ (كالإمامة والصحابة والصفات والتكفير والقتل الخ)؛ سيجد المنصف الصادق نفسه مضطرا للنسبية هنا وهناك.
كيف؟!
سيجد السني أن عند الشيعة نسبة من السنة المحمدية لا يجوز إغفالها؛ وسيجد الشيعي نسبة من الإسلام المحمدي عند السني لا يجوز إغفالها؛ وسيجد السني نسبة من مخالفته للسنة المحمدية لا يجوز إغفالها؛ كما سيجد الشيعي نسبة من مخالفته للإسلام المحمدي لا يجوز إغفالها؛ هذا إجمالاً.
بمعنى.. إن صدق السني فلن يزكي نفسه أن نسبة سنة محمد فيه هي ١٠٠٪؛ وإن صدق الشيعي فلن يزكي نفسه أن نسبة الإسلام المحمدي فيه هي ١٠٠٪.
السؤال:
إذا وجد السني أنه لا يطبق سنة النبي ١٠٠٪؛ وإذا وجد الشيعي أنه لا يطبق إسلام محمد ١٠٠٪؛ فما معنى هذا؟!
معناه واضح! وهو أن عند السني نسبة من سنة محمد لا كلها؛ وإلا زكى نفسه! وأن عند الشيعي نسبة من إسلام محمد لا كله؛ وإلا زكى نفسه؛ والتزكية كبيرة.
نعم.. قد يرى السني أو الشيعي أن له نسبة كبيرة من السنة المحمدية أو الإسلام المحمدي؛ وكلما قلّل من النسبة كان أبعد عن تزكية النفس المحرمة؛ فإذا اتفق السني والشيعي على ترك تزكية النفس وتجنب(الأنا) الأبليسية يكون له نور وهدى ينصف به في الحوار؛ ويتحرى الصدق ويصدّق به إن جاءه. هذه المقدمات ضرورية قبل إجراء أي حوار؛ هذه المقدمات العلمية المعرفية تعلمك التواضع والصدق  والنسبية والبرهان؛ وتجنبك الكذب والتعميم والظلم؛ مشكلة المسلمين أنهم يتحاورون قبل التشبع بهذه المقدمات؛ لذلك لا يتفقون؛ ولن يتفقوا أبداً ما داموا مهملين هذه المقدمات البدهية؛ بل يزيد خلافهم.
كل فريق لا يرضى أن يطرح الاحتمال مناصفة ٥٠٪ = ٥٠٪؛ كما علمها الله لرسوله؛ ولو اهتدوا لهذا التصالح الداخلي مع المعرفة لاتفقوا في أغلب الأمور؛ لذلك لا تستغربوا أن يكون ما يجري للمسلمين؛ من فتن وحروب وتنازع؛ إنما هو نتيجة لإهمالهم هذه المقدمات التي تدل على حب التدين بالصدق والعلم؛ لو يتفقون - وهذا صعب - وبتدين وصدق على هذه المقدمات؛ سيجدون أنفسهم يتفقون تلقائياً على الموضوعات المختلف عليها؛ سيستغربون من قرون الاختلاف! وعندما أقول أن هذا الاتفاق على المقدمات صعب؛ بل مستحيل؛ هو معرفتي بسنة الله في الابتلاء والتمحيص  باختلاف الناس لفرز الصادق من الكاذب؛ لكنها على مستوى الأفراد ممكنة؛ وعلى مستوى الجماعات الصغيرة ممكنة؛ وعلى مستوى غلبة الاعتدال أو تخفيف التنازع ممكنة؛ أما الاتفاق العام فمستحيل.
طبعاً أطلت فعذراً. لأن الواقع الإسلامي يحتاج إلى مناقشة هادئة تنزل لمستوى الفرد العادي والشاب المتحمس؛ حتى لا يقع ضحية التضليل العام.
كنت أريد التحدث عن التصنيف السياسي لا المذهبي؛ لكن عندما أشرت للخلط والضبابية والجهل في التصنيف المذهبي استرسلت؛ ولعل الله يهدي بهذا؛ بل بقي معنى السلفي والرافضي والناصبي؛ تحتاج لكلام بعد اتضاح هذه المقدمات؛ وهدفنا من هذا الحث على صحة المعيار؛ فالبداية الصادقة مثمرة.
غلبة المعايير المذهبية الجاهلية المفرقة على المعايير القرآنية الهادية الجامعة - والتي بقي فيها الكثير - هي سبب بسط الموضوع وتسهيله للقاريء؛ المشكلة ليست في الإسلام الإلهي؛ ولا السنة المحمدية؛ ولا في محبة وموالاة أولياء الله من أهل البيت وغيرهم؛ المشكلة في هذا القلب وهذا العقل.
واختم بالدعاء لكافة المسلمين أن يهديهم الله للحق فيما  اختلفوا فيه؛ وأن يعينهم على قلوبهم وعقولهم؛ وأن يدلهم على سواء السبيل برحمة منه وفضل.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1068
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29